القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 01:02 م
ذات يوم دق جرس التليفون وكان المتصل الشاعر "احمد شفيق كامل "،وبدأ شفيق يقرأ كلمات الأغنية على مسامع عبد الوهاب الذى أعجب بها كثيرا وطلب منه الحضور إلى شقته المطلة على نيل الزمالك لأنه قرر تلحينها لنفسه ،ويقول "احمد شفيق كامل " من شدة إعجاب عبد الوهاب باللحن بدأ بوضع اللمسات الأولى للحن الأغنية .
لم يكن هناك أى عمل فنى يجمع بين أم كلثوم وعبد الوهاب حتى عندما أراد "طلعت باشا حرب انتاج فيلم يروى قصة ألمظ وعبده الحامولى من بطولة "أم كلثوم "و "عبد الوهاب "،باء المشروع بالفشل وذلك بسبب تعنت " ام كلثوم "وكبرياء "عبد الوهاب "،فكانا الاثنان يخشيان التعامل مع بعضهما بصفتهما قامتا الغناء العربى الحديث ، فكانت أم كلثوم تخشى أن تطغى موسيقى عبد الوهاب على غنائها بينما خشى عبد الوهاب من دكتاتورية ام كلثوم مع ملحنيها !!
واستمر هذا الحال لمدة بلغت أربعين عاما إلى أن زاد ضغط الصحفيين والكتاب لكى يجمعهما عمل مشترك وكانت من أبرز هذه المحاولات طلب الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر " المتكرر لهما فى أعياد الثورة وكان آخرها تحديدا فى مطلع الستينات فى عام 1961و1962 ونتيجة لذلك قامت أم كلثوم بالاتصال ب "عبد الوهاب "وطلبت منه اغنية تغنيها فى موسمها الغنائى الجديد دون أن يخبر أحد بها ،حينها لم يجد عبد الوهاب أقوى وأجمل من "انت عمرى "كى يدخل به المنافسة أمام "رياض السنباطى الذى كانت "أم كلثوم" مكتفيه به كملحنا لأغانيها والذى تربت على يده وتعلمت منه ،وحفظت ألحانة وعاشت معها سنوات طويلة .
اتصل عبد الوهاب ب "احمد شفيق كامل "واخبره بما حدث ،فرحب شفيق بالفكره كثيرا وخاصة ان الاغنية لم يكن يعلم بها احد فقد كان عبد الوهاب كتوما جدا لاى عمل جديد ولم يعلم بها سوا عبد الوهاب وشفيق وومستشار صوت الفن مجدى العمروسى كاتم اسرار عبد الوهاب والذى اقترح بدوره اعلان عبد الوهاب عن قيامه بوضع لحن جديد لام كلثوم فى الصحف المصرية والعربيه وطلب عبد الوهاب من شفيق اخفاء التسجيل الذى كان قد اعطاه له بصوته على الة العود ولا يتحدث مع لااحد عن انت عمرى سوى انها اغنية كتبها احمد شفيق لام كلثوم بتكليف من عبد الوهاب ،وصل ذ1لك الخبر للصحفى "جليل بندارى "والذى كان يلح هو الاخر على ام كلثوم بلقاء مع عبد االوهاب فى عمل فنى ،فنشر هذا الخبر بعنوان "لقاء السحاب "،الجملة التى تداولتها الصحف والمجلات وانتشرت كثيرا بين الناس حينذاك .
فى منزل أم كلثوم:
أجتمعت أم كلثوم وعبد الوهاب وأحمد شفيق كامل فى منزلها لقراءة الاغنية من جديد وقد اعترضت أم كلثوم على مطلع الاغنية حيث كانت تقول
"شوقونى عنيك لايامى الراحو ا"فغيرتها الى "رجعونى عنيك لايامى الراحوا "
وفى مقطع اخر "من حنان قلبى اللى بيشابى لحنانك " الى "من حنان قلبى اللى طال شوقه لحنانك " فقد اعترضت كلمة أم كلثوم على كلمة بيشابى لانها كلمة عامية تستعمل فى مصر فقط وهى تغنى لكل الملايين العربية ،حينها دافع شفيق عن الكلمه بحراره ولكن ام كلثوم اصرت على تغيير الكلمة !!
واتفق عبد الوهاب وام كلثوم على التمهل لاخراج عمل فنى متكامل يليق بضخامة اللقاء الفنى الكبير ،وفى عيد الثورة 23 يوليو 1963 عاد الرئيس جمال عبد النالصر يسال عن الاغنية التى تتحدث عنها الصحف والمجلات والمعروفه ب "لقاء السحاب " فاخبرته ام كلثوم بان عبد الوهاب يضع اللمسات الاخيره للاغنية.
وكانت "انت عمرى "اول اغنية لام كلثوم يدخل فيها الجيتار رغم اعتراضها على ذلك عندما عرض عليها ذلك عبد الوهاب ولكن عبد الوهاب بذكاءه ذهب اليها بصحبة عبد الفتاح خيرى عازف الجيتار وطلب منه عزف اللحن المقترح فى الاغنية بالجيتار وحينئذ وافقت ام كلثوم .
وبدا تسجيل الاغنية يوم الاربعاء 29 يناير 1964 والموافق 14 رمضان ،واستمر التسجيل 12 ساعه كامله وكان الجميع صائمين ورغم ذلك لم توافق ام كلثوم على افطارهم فى منازلهم وارسلت لاحضار كميات كبيره من الكباب للجميع وتناولت هى فطارها من الطعام الذى ارسل اليها من منزلها .
اليوم المنتظر وبكاء عبد الوهاب:
كان يوم الخميس 6فبراير 1964 يوما ينتظره الثلاثه الذين قدموا العمل الضخم بعد طول انتظار ،قامت فيه ام كلثوم ببروفه حتى الظهر ثم نامت وذهب عبد الوهاب الى المقابر حيث كانت عادته زيارة قبر امه قبل اى عمل جديد ثم ذهب الى منزله ونام حتى معاد الحفل .
وفى الساعة الثانية عشر واربعون دقيقة رفع الستار عن "أم كلثوم" بينما كان عبد الوهاب خلف الديكور الذى يحيط ب "أم كلثوم "والفرقه الموسيقيه وكان قلقا جدا ويبدوا عليه التوتر ، وفى بداية المقدمة الموسيقيه بدا الاعجاب يظهر على الناس وصفقوا لدرجة انهم قاطعوها منذ بدايتها فاضطرت الفرقه الموسيقيه الى اعادتها من جديد ، واطمأن قلب عبد الوهاب واخذ نفسا طويلا شاكرا الله ...
واعيدت المقدمة مرتين وبدات ام كلثوم بالغناء والناس تستمتع وتستزيد "ام كلثوم" فى الغناء حتى انها اعادت المذهب 4 مرات ،فبكى عبد الوهاب ولم يستطع ان يمنع دموعه وهو يسمع الناس وهى تستزيد "أم كلثوم " .
استغرقت الاغنيه ساعتين وعشرون دقيقه وكانت هذه اطول اغنية غنتها "أم كلثوم فى عمرها وانتهى الحفل ف الرابعه صباحا .
ماكتبته الصحف عن "انت عمرى " :
بسبب تأخر الحفل لم تستطع صحف الجمعه 7 فبراير ان تتحدث عن الحفل ولكن تحدثت صحف السبت عن ذلك العمل الفنى المجيد الذى جمع قمتا الطرب العربى .
صحيفة الاهرام كتبت :
- دمشق تلغى النشره وتذيع الحفل
- عبد الوهاب يبكى وهو يستمع الى لحنه
- الاغنية تعطل المرور فى شبرا ساعتين
اخبار اليوم كتبت :
- جليل بندارى يكتب "من هو رسول السحاب للسحاب ؟
- "انت عمرى اطول واجمل اغنية عربيه
مصطفى امين كتب فى عموده :
(لم يحدث وان بقى شعب باكمله ساهرا حتى الصباح يضع اذانه على اجهزة الراديو كأنه يتوقع ان يسمع نبأ هائلا! الازواج عادوا الى بيوتهم مبكرين
الاطفال طلب ابائهم اليهم ان يغلقوا افواهم !!
(كل شئ قد سكت وصمت لان أم كلثوم ستغنى اغنية من لحن عبد الوهاب ).
ومن اقوى ماكتب مصطفى امين فى عموده (هذا وبعد مئات السنين سوف تحسد الاجيال القادمه الذين عاشوا فى هذا العصر ،وراوا كل كل مافيه من معجزات ،فقد احتشدت فيه الاحداث بحيث اصبحنا لا نعرف هل نعيش فى التاريخ الكبير ، أم نحن هو هذا التاريخ الكبير )
وكأن مصطفى أمين كان يتنبأ بالمستقبل حقا حينما قال ان جيلنا والاجيال القادمة سوف تحسد الذين عاشوا فى هذا العصر ،حقيقة احسست اثناء كتابتى لهذا المقال بشعور مختلط بين الفخر والحسرة ،فخرى بمصرية كل من عبد الوهاب وأم كلثوم وطربهما المصرى الاصيل الذى تغنى به الملايين العربيه ،وحسرة على عدم معايشتى لهذا الزمن الجميل بكل انجازاته ،زمن كانت فيه الدقه والتمهل من اساسيات اخراج عمل فنى جيد ورائع يملؤه الاحساس والرقى بكل كلمه وكل نغمه حتى يصبح العمل خالدا على مدار سنوات تسمعه اجيال واجيال دون ملل وكأن "أنت عمرى " ولدت أمس !!
نحن الاجيال الجديده ننحنى بكل فخر تحية لهؤلاء العظماء من ذلك الجيل الذى أمتعنا معه ومازلنا نستمتع معه .