القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 11:56 ص
تعددت التعريفات لمفهوم النقد، بين ثقافة الاختلاف وقبول الرأي الآخر.. ورأي البعض أن النقض مُسائلة في الأساس؛ ومن ثم تم استقابله في الكثير من الحالات علي أنه اتهامـ، لاسيما وأن هناك خلط دائم في الربط بين النقد والانتقاد، من جهة الناقد احيانا ومن جانب الموجه إليه النقد في أحيان أخرى..
علي أي حال؛ يمكننا الركون –ولو قليلا- إلي تعريف مُبسط وعام لمفهوم النقد كما ورد في موسوعة ويكيبيديا علي سبيل المثال بأنه: التعبير المكتوب أو المنطوق من متخصص يسمى ناقدا عن سلبيات وإيجابيات أفعالاو إبداعات أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشرفي مختلف المجالات من وجهة نظر الناقد. كما يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف فيها، وقد يقترح أحيانا الحلول. وقد يكون النقد في مجال الأدب، والسياسة، والسينما، والمسرح..
هذا من جانب.. وعلي جانب آخر، نرى أنه تم الاعتياد علي أن يأتي النقد من (كبير) لجيل آخر (صغير)، والحديث هنا علي مستوى سنوات العمر المختلفة وليس تكبير أو تصغير الأشخاص. فإذا كان النقد يحتاج لمتخصص؛ فبالتالي لن يأتي هذا التخصص سوى بالتراكم العمري وتشعب التجربة الحياتية والفنية لابداء رأي صائب في النهاية يحمل رؤية أقرب للصواب.
ولا يعني ذلك بالطبع ان تلك الرؤية شرطها الوحيد هو التراكم الزمني؛ فكثير من الأصوات النقدية قد لمعت في فترات شبابها وامتلكت أدواتها الخاص، وأضافت الكثير إلي العملية النقدية ومفهومها الكُلي بتجربتها الجديدة الشبابية، والتاريخ النقدي يشهد علي تسجيل هذه الأسماء في الأدب العربي والعالمي.
في ستينيات القرن الماضي، كانت تقام حلقات نقاشية تُذاع علي شاشات التليفزيون العربي وقتها بين جيلين مختلفين (شباب، وكبار)، فيجلس عبد المنعم مدبولي وفايز حلاوة في مواجهة محمد صبحي وسيد زيان ووحيد سيف، يتحدثون عن الفن والتمثيل والمسرح، ويقول حلاوة رأي بكل صراحة وعادية لصبحي عن أدائه وطريقته في التمثيل، والأخر يرد ويتلقي النصيحة.
هل اختلفت ثقافة استقبال النقد من الأخر الآن عن ثقافة هذه الأزمنة؟
وهل يمكن أن يتم تشكيل وعي الأجيال الجديدة بالنقد البناء أو الهادم عل حد سواء؟ وما مدى هذا التفاعل الذي كان يحدث قديما، وإلي أي شكل أصبح يحدث في عصرنا الحديث، الذي طغت عليه ثقافة عدم تقبل الرأي الآخر؟!
أسئلة كثيرة قد تطرح نفسها في هذا الموضوع، في الفن عامة وفي المسرح بالأخص.. لهذا كان لذاما أن نعقد مناظرة أخرى حديثة وسريعة تُعيد مناقشة مفهوم النقد وثقافة قبول الآخر.. بين عدة أجيال مختلفة من المسرحيين بالطبع:
قلة النقاد المهتمين بالمسرح ، وقلة المنابر الحقيقية
د. علي خليفة .. أستاذ الأدب العربي المساعد بجامعة العريش وجامعة الطائف، يتسائل في البداية: كيف كان النقد المسرحي قديما ؟ وما أثره على المسرحيات التي كانت تؤلف وتعرض آنذاك ؟
ثم يجيب:بأن النقد المسرحي ظهر متأخرا بعض الشيء عن نشأة المسرح ، وأن بداية نشأته كانت من خلال تضمينه في بعض المسرحيات ، كما نرى في مسرحية الضفادع لأرسطوفان ففيها يقيم أرسطوفان مناظرة بين فني أيسخيلوس ويوربيديس في التراجيديا ، ومن الواضح استحسانه لفن يوربيديس المسرحي لما فيه من تغليب للتمثيل على الأناشيد والمونولوجات ، ولكنه مع ذلك فضل عليه فن أيسخيلوس التراجيدي لعوامل أخلاقية وتربوية،، والحقيقة أيضا أن النقد المسرحي القديم لم يكن مفيدا في بعض الأحيان ، ففي تصوري أن كتاب فن الشعر لأرسطو أضر أكثر مما أفاد ، فهو لم يقدم فيه رصدا للمسرح اليوناني كما كان في تنوعه ، ولكنه قدم فيه تصوره هو للمسرح من خلال نماذج مسرحية معينة كمسرحية أوديب ملكا لسوفوكليس ، وحاول أن يلزم كتاب المسرح باتباعها مما عمل على إخماد جذوة الإبداع والسير في فلك القوانين التي تقتل الإبداع كثيرا ، وزاد بوالو في قيوده للمسرح في كتابه فن الشعر ، مما جعل المسرح الإليزابيثي الذي تحرر من القوانين الصارمة وعمل بروحها يتفوق على المسرح الفرنسي الكلاسيكي الذي تمسك كتابه بهذه القوانين وبخاصة في التراجيديا ، ومع ذلك فالنقد مهم ما دام لا يقيد المبدع ولا يجرحه في شخصه أو في إبداعه، وما دام هدفه هو إنارة العمل المسرحي من داخله وإعادة قراءته بما يتناسب مع ذوقه وذوق الناس في عصره.
وإذا اعتبرنا أن النقد هو رد الفعل المرتبط بالفعل الأول وهو الفن أو العمل المسرحي؛ فذلك هو السبب الرئيسي في ظهور النقد متأخرا عن الحركة المسرحية، التي كانت هي الفعل أولا ثم يأتي من بعده رد هذا الفعل في صورة نقدية..
إلي أي مدي يمكن أن تؤثر حركة النقد الحديثة في المشهد المسرحي؟
يقول د. خليفة :إن الأنشطة والتجارب المسرحية الحالية في مصر هي جهود أفراد أكثر منها جهود مؤسسات ؛ولهذا فالمسرحيات التي تقدم تفتقر كثيرا للإمكانيات ،وأحيانا يجبر فقر الإمكانيات بعض المهتمين بالمسرح للجوء للمسرح الفقير والدي لا يحتاج لديكور فخم وملابس غالية ومسرح كبير ، ولا بأس بأن تتواجد هذه النوعية من المسارح عندنا ،ولكن أن تكون هي الشائعة فهذا لا يؤدي لنهضة مسرحية حقيقية ، وآمل أن يكون للدولة دور أكبر للنهوض بالحركة المسرحية، وفِي الستينيات ـ تلك الفترة التي نهض فيها المسرح المصري ـ تنوعت العروض المسرحية ، وكان للدولة إشراف كبير عليها في دعمها ، وكان النقد مواكبا تلك النهضة في مجلة المسرح وغيرها من الصحف والمجلات التي أفردت صفحات منها للمسرح ، بل إن النشاط المسرحي الكبير في تلك الفترة أغرى بعض كتاب القصة والرواية والمقال بكتابة المسرحيات ،وأغرى كثيرا من النقاد المهتمين بأنواع أخرى من الأدب بالاهتمام بالنقد المسرحي ،فأدى كل هذا لنهضة مسرحية حقيقية في الستينيات. والنقد المسرحي الآن في حالة ضعف شديد عندنا ؛لأسباب عديدة منها ضعف الحركة المسرحية بشكل عام ، ومنها قلة النقاد المهتمين بالمسرح ، ومنها قلة المنابر الحقيقية التي يمكن من خلالها أن يوصل هؤلاء النقاد أصواتهم في المسرحيات التي يرونها تعرض في مختلف المسارح في مصر ، ومنها أيضا ضعف مستوى كثير من النقاد المهتمين بالحركة المسرحية عندنا. كيف يستقبل شباب المسرحيين النقد الموجه لهم؟ في ظني أن عمليات التجريب المستمرة في المسرح أضرت أكثر مما أفادت ، والتجريب في المسرح في الغرب محصور في قطاعات معينة من الكتاب ، ويؤدى في مسارح معينة ، ولا يلغي هذا التجريب ـ في الغرب ـ عرض المسرحيات الأخرى مع تنوع أساليبها: القديم منها والحديث، ولكن أكثر شباب المسرحيين لدينا لا يَرَوْن من المسرح إلا صور التجريب فيه ، وأكثرهم يجرب في الكتابة والتأليف والإخراج دون أن يكون لديهم معرفة جيدة بأشكال المسرح في العالم ومراحل تطوره ، وانعكس اهتمام أكثر شباب المسرحيين عندنا بهوس التجريب في المسرح بعرضهم مسرحيات تفتقد الروح والمقومات التي تشد الجمهور إليها وتضمن بقاءها لسنوات تالية، وعلى عدم اهتمامهم بالنقد الذي يوجه لهم؛ بحجة أنهم يجربون والتجريب فوق النقد. ويبقى الأمل في إحداث نهضة مسرحية حقيقية لدينا في اهتمام الدولة بالمسرح على أنه وسيلة لإشباع عواطف الإنسان ومشاعره ، ومن خلاله يخرج الشباب مواهبهم ، ويبعدهم بممارستهم له وغيره من الأنشطة الثقافية المختلفة عن التأثر بأفكار سوداء ينتج عنها أعمال إرهابية تدمر ولا تبني.
ويبقى أيضا لوسائل التواصل الحديثة دور مهم في نهضة الحركة المسرحية في عالمنا العربي من خلال تواصل المهتمين العرب بالمسرح من خلالها ، فعلى سبيل المثال نرى بعض النقاد العرب يكتبون على صفحاتهم على الفيس بوك نقدا مسرحيا بناء لا هدف لهم من ورائه سوى العمل على نهضة الحركة المسرحية في بلادنا العربية ،وأزعم أن صفحتي على الفيس بوك ـ وما أقدمه من نقد مسرحي فيها ـ قد اجتذبت بعض المهتمين بالمسرح العربي ، وأزعم أيضا أنها أثرت بالإيجاب فيهم.
النقد آلية مهمة جدا كوسيط بين الفنان والجمهور
تؤكد الناقدة الفنية، امل ممدوح علي اهمية النقد كآلية بين الفنان والمتلقي، ...وانه موجه بالأساس للجمهور لتثقيفه فنيا وتنمية قدرته على قراءة الأعمال الفنية بشكل جيد أو فني لكنه بالطبع يساعد الفنان نفسه فقد يقدم له الدعم والتقدير المشجع لجهده إن قدم اللائق فنيا أو يدعمه بشكل آخره بمساعدته على مواجهة نفسه بمشاكله الفنية التي قد لا يكون منتبها لها أو مقدرا لتأثيرها من خلال رؤية عامة وتفصيلية في نفس الوقت فإن أراد الاستفادة والاهتداء بهذه الآراء النقدية الاستشارية وليس بالضرورة تطبيقها حرفيا فقد يفيده ذلك بشكل ملحوظ وقد يوفر عليه خطوات كثيرة وتخبطات في بعض الأحيان..
فالنقد دعم للفنان لا حالة هجوم عليه ولذا يجب أن يكون موضوعيا ومترفقا بالفنان ، والحقيقة أن هناك اهتمام كبير من قبل الفنانين بالاسترشاد برأي النقاد والحرص على تقييمهم خاصة لو كانوا في أولى خطواتهم المبكرة تحديدا بل وشغف كبير وخاصة وهو ما لاحظته فنانو الأقاليم المتعطشين بحق ، أما إن كان قطع شيئا ولو بسيطا من الطريق فالواقع يخبرنا بأن الأمر هنا للألسف كثيرا ما يختلف فأرى أن الفنان يسعد بالناقد طالما يشيد بعرضه ويبدأ في مقاطعته وربما عدائا إن تطرق موضوعيا لمسالب في عرضه أو تفنيد أفضى لإظهار خلل أو مواطن خلل أو عدم توفيق .. وأكرر أنه ليس عليه التسليم برأي الناقد لكن تقبل فكرة الرأي الآخر واحترامه كعمل يقابل عمله دون أن يشعر بأن الأمر شخصي أو متعمد ؛ هذه النقطة غائبة نوعا ما عن الكثيرين ممن بدأ بروز اسمهم .. وفي النهاية للفنان ما اختار ..
إما الاستماع برحابة لكل الاراء وليس بالضرورة تنفيذها أو عدم الاستماع إلا لما يطرب أذنه لكن عليه الانتباه هنا أنه اختار أيضا ألا يستمع إلا للإطراء الذي سيضره إن أحاط نفسه به عاجلا أو آجلا .. فالرأي الآخر في حد ذاته يحافظ في الفنان على عدم الوصول للتشبع الذي يقضي عليه ويدعم إحساس شغفه الذي يجب أن يظل متقدا .
النقد يُفسر للمبدع ذاته بعض من إبداعه
وفي نفس الصدد تؤكد الناقدة، داليا همام علي اهمية النقد.. التي لايدركها البعض فهو إلى جوار تفسيره وتحليله لكل مايخص العملية المسرحية،بما تحتوية من نص وعرض .هو أيضا فى كثير من الأحيان، يفسر للمبدع ذاته بعض من إبداعه، الذى قد ينتجه بدافع لاشعورى ابداعى لايدرك كنهه. للنقد مهام مختلفة كتقويم ولفت نظر المبدع لمكامن الضعف فى عمله الفنى ومحاولة تقويتها ،وايضا القاء الضوء على اماكن القوة والتأكيد عليها ،هدف النقد الاساسى هو التدعيم والارتقاء بكل جوانب العملية المسرحية . فى الماضى القريب كان الاصغاء للنقد وسيلة المبدع فى تطوير أدواته الابداعية ،اما الان فقد يعتبر بعض المبدعين آراء النقاد بعض من التنظير الذى لايحتاج اليه،ولذلك لم يعد الإصغاء للناقد كما كان فى الماضى، ومع هذا فان بعض المبدعين تهمهم آراء النقاد ويسعون إلى معرفتها فى محاولة منهم لتطوير ذواتهم الابداعية،فى النهاية لايمكن ان يتطور الإبداع المسرحى الا بتضافر جهود كل المشتغلين والمهتمين به .
لاتوجد حركة نقدية فى مصر
اما المخرجة المسرحية عبير علي، فلا ترى حركة نقدية فى مصر بالمعنى الحقيقى، ولكن توجد صحافة مسرحية بإستثناء بعد التميزات الفردية لبعض النقاد وهم لايتعدون أصابع اليد الواحدة..فالناقد هو عقل العملية الإبداعية المسرحية هو من يقوم بعمل قراءة تحليليةمحترفة للمنتج المسرحى وعناصره من تمثيل وسينوغرافيا(ديكور/ملابس/إضاءةوموسيقى الخ).. الناقد هو من يؤرخ وينظر لولادات جديدة ولمدارس وإتجاهات مسرحية حديثة ويتابعها بالعرض والتحليل ليساعد المتلقى فى القراءة والتلقى للمفاهيم الإبداعية الجديدة بمعنى للناقد دور مع المبدع فى تحليل وتطوير إبداعه ودور آخر مع الجمهور لتطوير أبجديات التقى وتدعيم التفاعلي المبدع والمتلقى.
ومن هنا تطرح سؤال مهم حول عدد النقاد الذين يقومون بهذا الدور؟
تقول: مهنة النقد اختيار وملكة وعلم اختيار لأنه يبدع فى القراءة النقدية للمنتج الابداعى و ليس لانه فشل كمبدع فقرر أن ينقد ملكة وعلم فهو يحتاج لقدرة ودراسة وليس حفظ لمفاهيم الدلالات البصريةوالسمعية الناقد يعى تماما أن مادرسه هو ماوصل إليه السابقون وهو الآن يقف مابين إنجاز الماضىواكتشافات الحاضر فلا يقوم بمحاكم تفتيش ولا بإرهاب اصولى على المبدعين كم ممن حولنا يفعل ذلك؟
الناقد لايلعب سلطة تهديدية للمبدع أن لم ينتج أعماله التى لن أقول بائسة ولكن لاتلائم ذوق المبدع الناقد ليس بوق دعاية لسلطة ثقافية ولالعمل فنى ليضمن له سفرا أو عمل فى لجنة ما السؤال هل نرى تلك النماذج حولنا؟
لأن النقد هو خبر ودعاية عند الكثير ولأن هناك جيل لم يربى على فكرة أن الناقد شريك وعقل العملية الابداعية فهناك حساسية من النقد الحقيقى أن وجد وهذا يحتاج أن يكون فى كل العروض ندوات نقدية بعد العروض يومى الافتتاح والخميس والختام ويضمن ذلك ضمن ميزانية إنتاج العرض أيضا مفهوم المناظرات النقدية لدعم مناخ تعددية وجهات النظر فى المنتج الواحد ويكون ذلك يوم الختام.
أخيرا لابد من وجود ناقد( دراماتورج) من بداية البروفات يساهم فى مناقشة وتطور أفكار العمل مع العاملين ويسيد ذلك فى آلية الانتاج أيضا المهرجان القومى للمسرح تخصص جائزة لأفضل مقالات نقدية كتبت خلال العام.
النقد البناء
يحلم الممثل المسرحي محمد عصام، بالنقد البناء.. ويرى أن الرأي يجب أن يأتي من الناقد في الفنان وليس العكس: لكن المشكلة ان فى نقد بناء جدا ويساعد على النمو الذهنى المسرحى كممثل،ولا يخلو الأمر من تواجد نقد آخر بشكل غريب حيث تجده يخيب املك فى النص والاخراج والتمثيل، والذي ينتقض في المطلق من اجل الاحباط وفقط، لكن بوجه عام نحن الشباب نحترم النقاد لأنهم يدفعونا إلى الأمام بالنقد البناء
أذمة النقد هي أذمة مجتمعية
وهذا ما يراه الناقد المسرحي خالد رسلان، حيث أصبح المجتمع في العموم يعاني من أذمة الحوار وقبول الرأي الاخر دون معارضة، ولا يمنع ذلك من أن الامر يشوبه بعض السلبيات في الحركة النقدية..
- غياب النقاد الكبار عن الساحة اما بالموت او بالتقدم في السن، والذين كانوا قادرين علي ممارسة النقد بشكل موضوعي وثقافي بعيدا عن اي اهواء او اغراض.
- النقد بالانطباع الشخصي علي العمل المسرحي الذي يمارسه البعض.
- دخول محرري الصحف الثقافية والصحفيين للحركة النقدية بنقدهم الانطباعي الذي لا يعتمد علي اي خلفيات ثقافية، وبالتالي لا يمتلك ادوات النقد الصحيح. فالنقد في حاجه دائمة لثقافة حقيقية!
ويعيب رسلان علي الحركة النقدية عدم تطورها الملائم؛ ويُرجع السبب في ذلك لقلة المنافذ الكتابية المتخصصة ، في مقابل مساحات فنية عامة في الصحف والجرائد، تخاطب المتلقي العادي بالاساس..
ولهذا، فإن الحل لتلك الاذمة يمكن ان يتم بواسطة اتباع بعض الاليات، منها:
- تعدد المنافذ الكتابية المتخصصة.
- عودة مجلة المسرح والاصدارات المتوقفة.
- افساح المجال اكثر للكتابة المتخصصة في الصحف والجرائد.
- عودة الندوات الثقافية للمناخ المسرحي..
نحن أسرى للماضي في لاوعينا
يقول الكاتب المسرحي يوسف مسلم: أن هناك قطيعة حقيقية بين الحركة النقدية والحركة المسرحية في مصر، وعلى المستوى الشخصي لا أعيد ذلك إلى انعدام المناخ الديمقراطي في مصر بل إلى فقدان الرغبة في التطلع إلى خلق مناخ ديمقراطي حقيقي، فالمسرح هو أكثر الفنون ديمقراطية، فكل أفراد العمل المسرحي وعناصره يقفون على قدم المساواة، فلا وجود لما يسمى دكتاتورية المخرج، كذلك لا وجود لما يسمى سلطة النص، وبالضرورة لا وجود لمركزية الممثل، بينما لدينا ـ نظرا لأننا أسرى للماضي في لاوعيناـ فإننا نمارس التسلط بعفوية دون أن ندري، وهذا مرض يضرب المسرح المصري والعربي ذلك، ومن هنا تأتي حالة إنغلاق المبدع المسرحي على ذاته، وعلى ما يعرف وما يعلم، فلا تكون ثمة رغبة لديه في التطور وبالتالي فإن أي انتقاد لعمله يكون ـ في وجهة نظره ـ عمل مغرض، بالفعل البارانويا تتحكم في السياق المسرحي المصري الآني، بينما في الستينات على سبيل المثال ـ وإن كنت غير مؤمن بما يسمى نهضة الستينات المسرحية ـ فإن الوضع كان أفضل من الآن، فعلى الرغم من الدكتاتورية السياسية التي كانت ترزح مصر تحتها نيرها، إلا أن المجتمع كانت ماتزال فيه رواسب عصر التنوير في بدايات القرن العشرين، عصر طه حسين وأحمد لطفي السيد وإسماعيل أدهم ومحمد عبده، إن مسرحيي السيتينات هم إفراز هذه الحقبة التاريخية وليسوا إفراز حقبة إنقلاب يوليو وبالتالي كانت رغبتهم في خلق ديمقراطية رغبة حقيقية وبالتالي لم يكن غريبا أن يطلب كرم مطاوع مثلا من فاروق عبد القادر أو عبد الفتاح البارودي أن يحضر معه بروفات مسرحية ما ليقدم له ملاحظات نقدية أثناء صناعة العمل المسرحي، كان الناقد وقتها شريك خفي في الحركة المسرحية، بينما الآن الرغبة في الديمقراطية غير حقيقية وبالتالي فإن ذلك ينعكس عمليا على سياق العمل بمعادلة من يكون الرابح في إدارة الصراع وبالتأكيد هو صاحب المركز الأكثر قوة، في العروض الاحترافية الكبيرة القوة في الصراع تكون من نصيب النجم الذي يفتح شباك التذاكر باسمه فيتحكم في اختيار الممثلين وتعديلات على النص وهو تدخل صارخ وفج في عمل المخرج والمؤلف، أما في عروض الشباب قليلة الإنتاج فمركز القوة يكون من نصيب المخرج صاحب السطوة وهو أيضا يمارس تسلطه على العناصر الفنية كافة، في ظل هذا المناخ من الصعب وجود تفاعل بين الحركة المسرحية والحركة النقدية.
مطلوب جيل جديد يستطيع قراءة خشبة المسرح
يري د. سيد الامام أن النقد الحديث تم تقسيمه لثلاث مراحل؛ ما قبل الخمسينيات والستينيات وما بعد ذلك الي الان، حيث بدأ بشكل تكويني يخضع الناقد من خلاله لاليات التخديم علي العملية الابداعية ما بين النقد والصحافة في ظل العلاقات الاجتماعية بين الناقد وبعض المسرحيين.
ثم افرز جيل طه حسين مرحلة جديدة بعد ثورة يوليو وكان علي رأسهم الناقد الراحل محمد مندور علي سبيل المثال، وكان النص المسرحي منذ ذلك الحين وما بعده يتبع الادب في العموم وبالتالي يُمارس مدارس النقد الادبي الصرف، ويبتعد بشكل او باخر عن مفردات العملية المسرحية، وبالتالي ظهرت فجوة فيما بعد بين ما يتم انتاجه من العملية النقدية وبين الاتجهات الحديثة في المسرح ووظائف العناصر المستحدثة التي تم التأثر من خلالها بعدة اتجهات مسرحية عالمية..
لم يكن هناك فهم حقيقي لدور المخرج في الفترة التي تم تسميتها بهيمنة النص؛ حتى أن بعض الكتاب الكبار حاولوا اخراج اعمال مسرحية لهم كيوسف ادريس ونعمان عاشور، حتى تم التحرر من تلك الهيمنة في نهاية القرن التاسع عشر، بعيدا عن هيمنة دولة الادب وتم ادراجه تحت ما يسمى بفنون الاداء، ومنذ بدايات القرن الجديد بدأ تشكيل جيل جديد في الثمانينات وتحديدا منذ ظهور مجلة فصول، حيث بدأ هذا الجيل وبالتوازي مع ظهور المهرجان التجريبي بالتغذية البصرية والتعرف علي مدارس النقد المختلفة الحديثة عالميا..
ومن ثم فالمطلوب حاليا جيل جديد يستطيع قراءة خشبة المسرح ومن ثم يكون علي دراية بدراسات تفاصيل الفعل المسرحي، بعيدا عن الحكم القيمي او الانطباعي..
الكارثة تقبع في الصحافة الانطباعية
المبدع والناقد طرفان مهمين في المعادلة المسرحية، هكذا يبدأ المخرج ناصر عبد المنعم حديثة، ويؤكد علي حتمية انتهاء (الحساسية) ما بين الطرفان بأن يتقبل المبدع النقد الحقيقي القائم علي الدراسة والذي يبتعد عن الصحافة النقدية، ومن خلال الناقد لابد أن يبذل المجهود الاكبر كونه هو الدليل اذا جاز التعبير وهمزة الوصل بين المبدع والجمهور في قراءة العمل المسرحي وتفنيد تفاصيله الفنيه، ومن ثم فالمسئولية مزدوجة بين الطرفان في هذا الصدد..
أما عن هذه العلاقة قديما فقد ازدهرت في فترات معينة، حيث كان يتواجد عروض خاصة للمتخصصين والنقاد قبل العرض العام علي الجمهور، وكانت اراء النقاد بعد هذه العروض بمثابة شهادات نجاح وضمان لتميز العرض المسرحي او عدم تميزه، الشيء الذي تفتقده الحالة المسرحية حاليا، حيث اغلب ما يقدم من حركة نقدية لا يتعدي الصحافة الانطباعية بعيدا عن الدراسات المتخصصة..
الناقد والمبدع ونظرية الجُزر المنعزلة
يقول الناقد خالد حسونة، نفتقد حاليا التواكب الحقيقي من الناقد لميلاد العرض المسرحي؛ حيث كان الناقد يحضر مراحل انتاج العمل المسرحي المختلفة، ومن ثم يقوم باضفاء بعض التوجيهات كما يري وعلي المخرن ان يأخذ بها او يرفضها، بدلا من التعامل مع العمل بعد انتهائه وانتقاد سلبياته وفقط بنفس الشكل الانطباعي الذي اشار اليه الجميع، ويعتبر النقد الانطباعي الحالي احد اهم العوامل المؤثرة في العلاقة بين الناقد والمبدع..
بالتالي لا توجد حركة فنية حقيقية تواكبها الحركة اللازمة بالشكل الامثل، علي خلفية اتجاه الكثير من المسرحيين باستيراد الافكار الجاهزة من الخارج وتنفيذها، ومن هنا فكل طرف يتعامل بمعزل عن الاخر واصبحت الحالة الابداعية – النقدية قائمة علي فكرة الجزر المعزولة عن بعضها البعض..
موت الناقد الرسول
يؤكد الكاتب الكبير السيد حافظ علي ان النقد لا يأتي من فراغ؛ بل يأتي نتيجة تيار ابداعي، وبالتالي هذا التيار هو الاخر يأتي بدوره من وجود استراتيجية ثقافية في الاساس، ومن اجل ذلك ازدهرت الحركة النقدية في مرحلة الستينيات، وتبعات الحلم الناصري والقومية العربية، وتلك الافكار الكبيرة التي اجتمع عليها اسماء عديدة من النقاد، كان دور الناقد وقتها كالرسول الذي يحمل رسالة التنوير علي العمل المسرحي، ومن ثم تتم معاملته بهذا القدر، فهو الوسيط بين المبدع والمتلقي لتبليغ الرسالة الفنية من العمل..
وعقب نكسة 67 وانهيار هذه الاحلام الكبيرة، والي وقتنا الحالي، اصبحنا نعيش عصر يشبه كثيرا عصر المماليك؛ فاذا نظرت للحركة المسرحية تجد ان معظم المسرحيات المقدمة لا تخرج عن كونها اسكتشات تشبه فن الاراجوز في العصر المملوكي، بالتوازي مع الاختفاء المستمر لقيمة الناقد الرسول الذي يقول الحقيقة ..
حتى ان د. مندور صرح في اخر مقالة له قبل مماته وقال: كتبت كثيرا عن المسرح فلم ينصلح حاله، وقلت انه قادر علي تغيير الجماهير فلم يتغير احد.. فهل كنت اسير في الطريق الخطأ!
ويُنهي مُداخلته: ولو تأملت المشهد قليلا ستجد اننا في نهايية مرحلة تاريخية، ليس علي مستوى مصر فقط؛ بل علي مستوى المنطقة العربية بأكملها!!