القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 11:46 ص
المتحف البريطانى صرح ثقافي كبير. وتم تأسيسه فى عام 1753. وكان أول متحف وطنى فى العالم كله يتم السماح فيه لعامة الجمهور بدخوله بالمجان لجميع الأفراد. وباستثناء فترة الحربين العالميتين، ظل المتحف يفتح أبوابه يوميا منذ اليوم الأول، مع زيادة تدريجية فى ساعات الافتتاح، وارتفاع ملحوظ فى عدد الزائرين.
وترجع أصول المتحف البريطانى إلى التركة الأثرية والثقافية التى أهداها له السير هانز سلون (1660-1753 ميلادية) الذي عمل كطبيب وعالم طبيعة وكان جامعا نهما للروائع والدرر والتحف الفنية من مختلف العصور والحضارات.
وشهدت باكورة القرن التاسع عشر الميلادى عددا من عمليات الشراء والاقتناء الشهيرة لمعروضات جديدة مثل الحصول على حجر رشيد (1802 ميلادية). وفى عام 1823 ميلادية، أدى قيام الملك البريطانى، الملك جورج الرابع، بمنح مكتبة والده (مكتبة الملك) إلى الأمة البريطانية، إلى تشييد مبنى
المتحف الأصلى الذى نراه اليوم، حيث أشرف على تصميمه المعمارى البريطانى المعروف السير روبرت سميرك.
ويعتبر قسم المصريات فى هذا المتحف العظيم من أهم القلاع الثقافية التى تشد إليها الرحال من كل بقاع المعمورة؛ نظرا لما يحويه من آثار تشهد بفرادة وعظمة الآثار المصرية الموجودة به والتى تمثل قمة إبداع الحضارة المصرية التى نشأت على ضفاف نهر النيل العظيم منذ أقدم العصور، معبرة فى تناغم ليس له مثيل عن عطاء الإنسان المصرى، ذلك البناء العظيم المحب للتحضر والتشييد والبناء أبد الدهر.
وتعد حضارة مصر القديمة أكبر هاد للبشرية عبر تاريخا المجيد التليد، وشاهدة على عظمة حضارة مصر التى قامت على قيم وأسس أخلاقية عديدة منها حب الحق والخير والتمتع بالجمال وإقامة العدل.
وتضرب دوما مصر القديمة المثال الواضح على حضارة قامت على احترام العلم وتقديس الدين وتطبيق العدالة بدقة وتبجيل الحق والإعلاء من شأن الإبداع والجمال. وتعد حضارتنا المصرية القديمة مثالا صالحا فى كل زمان ومكان لكل الحضارات قديما وحديثا للاقتداء بمصر وحضارتها واعتبارها نموذجا يقتدى به ونبراسا يهتدى به فى لجة الظلمات التى قد تحدق بحضارة ما فى وقت معين من تاريخ عالمنا قديمه وحديثه.
وشكلت القطع الأثرية المصرية القديمة نواة مجموعة المتحف البريطانى منذ بداية تأسيسه؛ إذ ضمت المقتنيات التي أهداها السير هانز سلون إلى الأمّة عند وفاته فى عام 1753 حوالى مئة وخمسين قطعة من مصر القديمة.
ويحتوى قسم الآثار المصرية فى المتحف البريطانى حاليا على أكثر من مئة ألف قطعة. وهى مجموعة كبيرة من التماثيل وأعمال النحت التى تعود إلى عشرة آلاف سنة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
وبدأ الولع الأوروبى بمصر ينمو بعد أن غزا نابليون بونابرت مصر فى عام 1798 ميلادية خصوصا وأن حملته المصرية اصطحبت معها مجموعة من العلماء المتخصصين لتسجيل مختلف المعلومات عن مصر. وعندما هزم البريطانيون فرنسا فى مصر عام 1801 ميلادية، اشترطت معاهدة الاستسلام أن يتنازل الفرنسيون عن عدد من القطع الأثرية، وكان من بينها حجر رشيد، الأشهر بين كنوز المتحف البريطانى؛ إذ أعطيت هذه الآثار فى عام 1802 إلى المتحف باسم الملك البريطانى، الملك جورج الثالث.
وبعد ذلك خضعت مصر لحكم محمد على وخلفائه الذين كانوا حريصين على الترحيب بالأجانب فى بلادهم واهدائهم بعض من الآثار المصرية. وسرعان ما بدأ القناصل الأجانب المقيمون فى مصر ينهبون آثار مصر ويشحنون مجموعات كبيرة من الآثار المصرية الفريدة والمهمة إلى بلادهم ومتاحف عواصمهم الأوروبية.
وبالفعل نهب القنصل البريطانى الشهير هنرى سولت مجموعة كبيرة من الآثار المصرية بمعاونة وكيله الشهير بلزونى الذى كان مسئولا عن إزالة التمثال النصفى للفرعون الأشهر الملك رمسيس الثانى، والمعروف باسم "ممنون الأصغر"، وأهداه إلى المتحف البريطانى فى عام 1817 ميلادية.
وجمع القنصل هنرى سولت مجموعتين مهمتين شكلتا محور مجموعة قسم الآثار المصرية القديمة فى المتحف البريطانى. وفى ثلاثينات القرن التاسع عشر الميلادى حصل المتحف على عدد كبير من مجموعات البرديات والآثار المهمة. وبحلول عام 1866 ميلادية، كانت المجموعة تتألف من حوالى عشرة آلاف قطعة من كنوز مصر القديمة التى لا تقدر بثمن.
وبدأت الآثار المستخرجة المصرية من الحفائر ترسل تباعا إلى المتحف البريطانى فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى، بمساعدة من صندوق استكشاف مصر (والذى صار جمعية فى الوقت الراهن). ودون شك ساهمت جهود عالم المصريات البريطانى المعروف إي. إيه. واليس بادج، أمين قسم المصريات فى الفترة من 1894-1924 ميلادية، فى إثراء مجموعة المتحف البريطانى من الآثار المصرية العريقة وكانت مصدرا رئيسا آخر للآثار المهربة لقسم المصريات به.
وزار بادج مصر بانتظام وشحن مجموعة واسعة من البرديات والآثار الجنائزية حتى وصل تعداد المجموعة إلى حوالى سبعة وخمسين ألف قطعة عندما تقاعد عام 1924 ميلادية.
وتقلصت برامج الحفائر فى السنوات التالية. ولم يعد تهريب الآثار المصرية من مصر إلى المتحف البريطانى ممكنا فى الفترة الحالية؛ نظرا لقوانين حماية الآثار المصرية التى حرمت ذلك ومنعت بذلك طوفان الآثار المصرية المسروقة والمرسلة إلى خزائن المتحف البريطانى فى لندن.
وتتواصل فى الوقت الحالى دراسة مجموعة الآثار المصرية الموجودة فى المتحف البريطانى ويتم إجراء البحوث العلمية عليها. ولم تتوقف أعمال البعثات الأثرية التابعة للمتحف والتى تعمل فى عدد من المواقع الأثرية فى الأرض المصرية وذلك ضمن تنفيذ برنامج المتحف البريطانى للأعمال الأثرية الميدانية في أرض مصر الثرية بالآثار.
ويحفل قسم المصريات بالمتحف البريطانى بلندن بعدد كبير من الكنوز التى لا يقاوم سحرها إنسان. من آثار عصور ماقبل التاريخ إلى نهاية العصور اليونانية-الرومانية. ولا يمكن لأحد أن ينسى حجر رشيد، والتماثيل الملكية المعروفة مثل تمثال الملك رمسيس الثانى الشهير، ورأس الملك أمنحتب الثالث المعروف، وتمثال الملك أمنحتب الثالث الشهير على شكل أسد، ومقبرة ومقصورة النبيل نب آمون التى تجسد قيم ومفاهيم الحياة والموت فى مصر القديمة وتصور المدعو نب آمون فى مشاهد عدة مثل المنظر الرائع الذى يصوره يصطاد فى أحراش الدلتا المصرية، وكذلك برديات كتاب الموتى الفرعوني، وتماثيل المعبودات الفرعونية كالربة باستت، والأبواب الوهمية، ومناظر المتوفى جالساً إلى مائدة القرابين، وتماثيل الأفراد الجماعية، غيرها الكثير من الآثار المصرية الساحرة.
وسوف يظل قسم الآثار المصرية القديمة فى المتحف البريطانى واجهة المتحف الثقافية الكبرى التى يأتى إليها كل زائر للمتحف من كل حدب وصوب، قاصدا التعرف على حضارة سادت العالم القديم كله، وأثرت فيه بقوة، وما تزال تؤثر بامتياز فى كل كائن كان عبر فضاء المعمورة الفسيح. إنه سحر مصر القديمة الذى لا يقاوم أينما كان، والذى سوف يظل جاذبا لكل العقول والأفئدة مهما اختلفت العصور وتغير الإنسان وتعددت الأزمان.