القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 11:50 ص
عرض ـ هالة موسى
"حكاية سيدة مصرالقديمة" للكاتبة منال القاضي، والذي صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة،يكشف عن حياة المرأة الفرعونية بأدق التفاصيل وأندر الأحداث منذ أن كانت فتاةصغيرة وحتي أصبحت أول من تقلدت الحكم في مصر، ويجيب عن أسئلة مهمة مثل: من نحن؟..وماذا نريد؟.. قرأ الأوراق الخاصة للمرأة الفرعونية وتعرف علي عقلها وقلبها ودخلبيتها وشرح لنا كيف كانت تدير أمورها وأبناءها وعلاقتها بزوجها وحقوقها وواجباتهاوجرائمها ووظائفها.
حقاً. تبدأ المؤلفةكتابها بتقديم صورة حية عن المرأة المصرية في عهد الفراعنة.
ونحن بحاجة لهذه الكتابةالتي تكشف عن الوجه المضيئ للمرأة المصرية، وتصل حاضرها بماضيها، تأكيدا على رؤيةمستقبلها.
تفتش المؤلفة حسب ماأوردت في تصديرها للكتاب عن أوراق جدتها الخاصة ، تلك الجدة التي حملت لها كتبالتاريخ الكثير من المواقف النبيلة ، فكتبت عن " حنوت سن" وهو لقب حملتهالفتاة المصرية في العصر الفرعوني ، ومعني هذا الإسم هو " ستهم" وهو لقبلازالت تحمله الفلاحة في الريف المصري تعبيراً عن التبجيل والإحترام ، وتؤكدالمؤلفة علي أن المرأة المصرية حظيت بما لم تحظ به امرأة في العالم فهي سيدةالحضارات القديمة ومكانتها تفوق مكانة المرأة في العديد من الدول بفضل استقلاليتهاوثقافتها ونجاحها وحقها في المسااة بالرجل في الوقت الذي كانت المرأة في الهند رغمحضارتها التليدة أقل شأناً من الرجل وكذلك في بلاد الفرس فكانت المرأة هناك تعانيمن القيود التي تكبلها ومن المعاملة القاسية التي تلقاها وخاصة إذا ما أنجبت بنتاًفالمسئولية كلها تقع عليها كما أن الزوجة التي لا تنجب هناك يحق للزوج أن يستردمادفعه لها من مهر في وقت الزواج ، وتعد ولادة الإناث في الصين كارثة كبري فلابدمن قتلهن فوراً وبطريقة بشعة قد تصل إلي الحرق كما وأن من حق الزوج بيع زوجتهوأبنائه أو طلاق الزوجة وإذا تركت البيت فإنها معرضة للجلد والحبس كما كانت هناكعادة ربط أقدام الصغيرات كي تظل قدمها في حجم صغير ولتمنح الفتاة حين تكبر الفرصةللزواج ، ولم تسلم بلاد كاليابان من عادة المعاملة السيئة للمرأة في نفس الوقتالذي كان من حق الأب بيع بناته لسداد ما عليه من ديون كما كان الطلاق من حق الرجلفقط حيث يكتب لزوجته ثلاثة سطور ونصف يعلنها فيه بطلاقها منه.
كما تؤكد الكاتبة أن المدارسفي العصر الفرعوني لم تكن تغلق أبوابها فيوجه الفتيات، فيمكنهن الالتحاق بها منذ سن الرابعة، وقبل أن تستعد الفتاة للذهابإلي المدرسة، وقبل أن تتناول إفطارها كانت تغتسل كالعادة وتساعدها أمها فتصب الماءالممزوج بالنترون التي كانت تضيفه لتطهير المياه علي يديها وقدميها، مستخدمة أدواتالغسيل المكونة من أبريق وطست.
أما فطور الفتاةالصغيرة فكان عبارة عن خبز وعسل، وبعد تناول الفطور تبحث عن الأوستراكا الخاصة بهاوهي خامة رخيصة تكتب عليها هي وزملاؤها في المدرسة التدريبات التي يطلبها منهنالمعلم، وتصنع هذه الأوستراكا من الحجر الجيري.
وكانت الفتاةالصغيرة تحلم بالحصول علي قلم من البوص والكتابة علي أوراق البردي الثمينة فمهنةالكتابة كانت مهنة جليلة، فطلبة المدارس كانوا يتدربون كثيراً علي حسن الحظ وكانوايكتبون علي الأوستراكا الخاصة بهم مقاطع من الكتب الشهيرة مثل »تعاليم الملكأمنحات« و»تعاليم خيتي« و»أنشودة النيل«.
وفي هذا السياقأشارت د. منال القاضي إلي كتاب ألفه »أمنوبي« وقالت عنه: إنه يبدو أنه كان يتداولبين طلبة المدارس، ويحتوي هذا الكتاب علي أسماء كل الأشياء المحيطة بمؤلفه، فمثلاًتحت عنوان »السماء وما فيها« يذكر الشمس والنجوم والقمر والسحاب وأشعة الشمسوالفجر والظلام، وتحت بند الأكل يذكر 48 نوعاً من اللحم المطبوخ، و33 نوعاً مناللحم النيء و24 نوعاً من الشراب، وكل هذا يمكن للفتاة المصرية أن تتعلمه وتتقنهحتي لو ولدت في أسرة متوسطة.
وإذا تركنا العلموالتعليم في العصر الفرعوني وانتقلنا إلي اللعب والترفيه، فنكتشف أن الفتاةالفرعونية كان لديها العديد من اللعب المسلية، مثل النحلة الدوارة والتماسيح ذات الفكوكالمتحركة، والشخاشيخ، والأقزام الراقصة، وعرائس صغيرة من الخشب، وعربات من الطينالنضج، وحيوانات من الخشب مزودة بعجلات وتجر بأحبال.. وكانت الفتاة المصرية تمارسالعديد من الرياضات مثل لعب الكرة وكن يمارسن رياضة الجري والقفز.
حق التملك
وكانت ست »المرأة«في الدولة الفرعونية - كما ذكرت د. منال - لها الكثير من الحقوق التي كفلها لهاالقانون فكان لها حق التملك وحق الإرث وحق التقاضي، وأن تهب من تشاء من ممتلكاتهاوحقوق أخري تكشفها مواثيق الزواج.
كما كانت تتميز بذمةمالية مستقلة ولم يكن زواجها يعني أنها تفقد الحرية في التملك والتصرف في أملاكهاالخاصة، فكانت تديرها كيف تشاء دون تدخل من زوجها، وتهب منها ما تشاء.
وروي الكتاب قصصاًعديدة تؤكد علي ذلك منها قصة »تينفر« المرأة التي عاشت في الدولة الحديثة وكانتتدير أملاكها بنفسها، بل كانت تعقد الصفقات لبيع ما تنتجه أراضيها، وقصة أخري حدثتأيام حكم إخناتون، إذ قامت إحدي السيدات بتأجير خادمتها لمدة عشرة أيام مقابل قدرمعين من المال، وتم تحرير وصل بذلك.
ولم تكن المرأة تحتوصاية أبيها أو زوجها، بل كانت تتصرف في حرية تامة، وكان يمكنها اللجوء للقضاءلتأخذ حقوقها المالية، حتي لو اضطرت لرفع قضية علي أبيها، كما فعلت السيدة »تحنوت«التي عاشت سنة 1785 ق. م حين استولي والدها علي بعض أملاكها وقام بكتابتها لزوجتهالثانية.
الميراث
المرأة الفرعونيةكان لها الحق في الإرث مثلها مثل الذكر، وفي مصر القديمة كانت البنات يرثن أنصبةمتساوية مع إخوتهن الذكور بل أحياناً كان الأب يفضل إحدي بناته.
وتحدثنا مؤلفةالكتاب عن قصة أحد الآباء وقد وهب إحدي بناته بعض أملاكه، لأنه كان يحبها بشدة،علي أن يكون لها نصيب متساو لأخواتها فيما تبقي من أملاكه.
وأشارت د. منال إليإحدي البرديات التي وصلت إليها وتسمي بردية »كاهون« وفيها يجعل أحد الأزواج زوجتهواصية علي إرث أبنائه، حتي يكبروا ويصلوا إلي سن البلوغ.
الزواج والطلاق
وبقراءة متأنيةللتاريخ الفرعوني نجد تشابهاً كبيراً في أساليب وقواعد وأنماط الزواج والطلاق،فيما يحدث حالياً، فكان من حق المرأة الفرعونية اختيار زوجها، ولم يكن الزواج يعنيأن تفقد المرأة حقوقها وتكون مجرد تابع لزوجها، بل احتفظت بشخصيتها وأدارت شئونهاالمالية بنفسها، وكان من حق المرأة أن تحصل علي الطلاق، ولكن أحياناً كان الطلاق يحدثبواسطة الزوج ودون أن يكون هناك تقصير من الزوجة، عندئذ كان يجب إعطاء المرأةالمطلقة حقوقها.
. ومن بين هذه الحقوق- كما ذكر الكتاب - كانت ست »المرأة« المطلقة تحصل علي النفقة ومؤخر الصداق ويبدوأن بيت الزوجية - كما قالت د. منال - كان من حقها وكان الطلاق يتم شفوياً، ثم يتبعذلك تقديم الوثيقة الخاصة بالطلاق، التي تؤكد للمجتمع أن امرأة ما حصلت علي الطلاقوصارت حرة ومن حقها أن تتزوج بآخر.
وكان الحفاظ عليحقوق المرأة إذا حدث وتعرضت للطلاق أو الاستهانة يبدأ قبل إتمام الزواج.
وذكر الكتاب قصةطريفة لأحد العمال، وكان سوف يعقد قرانه علي إحدي فتيات القرية، أقسم هذا العاملأمام رئيس العمال والكاتب وعدد من الشهود، أنه إذا بدرت منه إساءة في حق زوجتهالمقبلة، فهو إذن سيكون مستحقاً للعقاب، والطريف أنه قام بنفسه بتحديد هذا العقاببأن يجلد مائة جلدة، ليس هذا فقط، ولكنه مستعد أن يفقد أملاكه جزاء تلك الإساءة.
جرائم المرأةالفرعونية
لقد كان القانونالمصري القديم في صالح المرأة الفرعونية طوال الوقت، فكفل لها حق الزواج والطلاقوحق التملك والإرث، وحق وهب ما تملك لمن تشاء دون وصاية من أحد.
ولكن حين تقترفجرائم مختلفة، لم تكن تترك إلي حال سبيلها، بل كانت تعاقب مثلها مثل الرجل ومن بينالجرائم التي اقترفتها المرأة وكانت تعاقب عليها، جريمة الخيانة الزوجية، وتفاوتتالعقوبات من عصر إلي آخر، ومن بين هذه العقوبات كانت قطع الأنف أو النفي.
أما الشهادة الزوركان يحكم علي المرأة فيها بالعبودية، وجريمة التشهير فيحكمون عليها بالضرب بالعصا.
وأخيرا تؤكد المؤلفةأن :" المرأة الفرعونية لم تكن معفاة من الخضوع للقانون حتي ولو كانت ملكةوضربت لنا مثلاً قصة »أمتسي« زوجة الملك »بيبي الأول« وقد اتهمها الملك »بيبي«بالتآمر علي وزيره، ورغم أنه فرعون مصر، لم ينفرد بالرأي ولم يجزم بتورطها، فأمرالقاضي »وني« أن يحقق في الأمر، ورفع نتيجة التحقيقات إلي »بيبي الأول« ورغم أن ماحدث ل »أمتسي« غير معروف لدينا، ولكن هذه الحادثة تكشف أهمية القانون والقضاء فيمصر القديمة".