القاهرة 16 يوليو 2017 الساعة 01:56 م
صورة المرأة في دراما رمضان: تمرير العنف الجسدي والنفسي ضد المرأة
جيلان صلاح
تحمست كثيراً لمسلسل حلاوة الدنيا عند بداية عرضه؛ المسلسل ناعم وراق، يضع بطلة نسائية في قلب الحكاية، محركة للأحداث من حولها ويتابع رحلتها في العلاج والبحث عن الأمان وسط ظلمة ووحشة المرض والخروج من دائرة الأمان المجتمعي والانساني.
ولكن، في الحلقات الأخيرة، وتحديداً بعد شفاء البطلة أمينة من اللوكيميا، أخذ المسلسل مساراً متردياً من حيث معاملة بطلاته النساء. في أحد المشاهد، تتحدث أمينة عن عدم رغبتها في العودة لعملها، بالرغم من أن الشخصية في بداية المسلسل كانت امرأة طموحة، ترقت مهنياً حتى وصلت لمنصب مديرة، بعد أن استعادت عافيتها وتماثلت للشفاء، تحدثت أمينة إلى صديقتها عن أنها تعمل منذ تخرجت من الجامعة وأنها "مش عايزة أقعد ألف في الساقية دي دلوقتي"، قد يكون هذا مقبولاً في حالة أن سليم زوجها الوسيم الثري والذي لا يحتاج للعمل هو الآخر قد اكتفى بالزواج والحب، لكن لأنه رجل فهو عاد للعمل منذ تماثل جزئياً للشفاء. كالعادة، تصور الدراما المصرية الحديثة –في مجملها للأسف- المرأة على أنها تترقى مهنياً وتسعى في العمل، حتى تجد فارس الأحلام الوسيم، والذي تتخلى من أجله عن أي طموح آخر، تحولت أمينة من امرأة مستقلة، تسير في رحلة الحياة متشككة فيما تريد ولا تريد، إلى زوجة مهووسة بتفاصيل حياتها الزوجية، من حمل إلى متابعة زوجها، إلى محاولة تغيير كل تفاصيل حياتها لتلائمه. تحولت أمينة من المرأة التي تحاول أن تجرب كل يوم حدثاً جديداً أو مغامرة حياتية، إلى الزوجة التي تسيطر عليها هواجس الحمل والإنجاب، وتستمتع بفكرة الزواج من رجل ثري، بحيث
يخلو العالم من أي فكرة سواها تقريباً.
موضوع أمينة لا يُقارن بقصة أختها عاليا، والتي في البداية بدت فتاة هيبية فوضوية، تبحث عن عمل تحبه، وهدف لحياتها أكبر من مجرد الخروج مع الأصدقاء والسهر إلى الصباح، فإذا بها تجد ضالتها في "الشاطر حسن"، ثري آخر، يمتلك مطعماً ويقف إلى جانبها في محنة مرض أختها. في البداية كان الموضوع لطيفاً، فعاليا ازدادت نضجاً بعد مرض أختها مما مكنها من تقبل علاقتها برجل أرمل لديه طفلة، ودفعها للبحث عن عمل في مطعمه، وتحملها المسئولية لأول مرة في حياتها، ثم تطور الأمر إلى علاقة abusive بمفهومها النفسي والبدني، بحيث أصبح حسن الرجل الغيور العنيف يسيطر على أدق تفاصيل حياة عاليا، حتى تطور الأمر إلى ضربها لمجرد أن رجل عاكسها في الشارع، وما كان من عاليا إلى تقبل اعتداءه الجسدي عليها بكل هدوء وأريحية، وانتهى الأمر به إلى مصالحتها ببوكيه ورد وعدة اعتذرات كلامية خائبة.
طبقاً لتعريف الامم المتحدة، العنف ضد المرأة هو: “أي إعتداء ضد المرأة مبني على أساس النوع، والذي يتسبب باحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في اطار الحياة العامة أو الخاصة”.
ما هو تفسير علاقة حسن بعاليا سوى أنها علاقة abusive كما قال الكتاب؟ أن يحاول صناع العمل تمريرها على أنها علاقة ملتبسة، أو حتى طرح تساؤلات خائبة من نوع "لو مكان عاليا تقبلي اعتذار حسن ولا لأ" هو أمر مرفوض بكل المقاييس، بل هو جرس إنذار يُدق في نعش صورة المرأة الذهنية والجنسية في الدراما والسينما، والتي مازلنا نعاني من تشويهها وندرة النماذج الإيجابية المطروحة فيها، لكنه أيضاً يلقي بالتساؤل على دور الفن في تمرير العنف البدني والنفسي والجنسي ضد المرأة على أنه شيء طبيعي، بل ومستساغ، كونه أحد علامات الحب، وصفة من صفات الرجل الشرقي الغيور. ففي مسلسل "طريقي" ظهرت شخصية نادية الفتاة الجميلة الشبقة المعتدة بنفسها، لينتهي بها الأمر إلى علاقة إيذاء بدني مازوخية، تتمتع هي فيها بالزوج الذي يضربها ضرباً مبرحاً، وتستلذ دور المرأة الضعيفة الضحية التي يعتدي عليها زوجها بالضرب مراراً، فلا تجد في نفسها غضاضة لهذا بل وتتقبل تبريره بأنه "لا يستطيع السيطرة على نفسه"، في تبرير عظيم لاستمراره في إيذائها بدنياً. الطريقة التي تمثل بها ياسمين صبري دور الزوجة المعتدى عليها، تصور الأمر وكأنه متعة جنسية، علاقة سادومازوخية تتمتع هي فيها بالإيذاء البدني، ولكن دون الإشارة إلى أنها مجرد نموذج فردي من النساء، له منطقه الجنسي الخاص به، بل يتعامل المسلسل على أنه هذا هو العادي؛ فامرأة مثل نادية من الطبيعي أن يعاملها زوجها هكذا بعد الزواج، نظراً لتعدد علاقاتها الغرامية قبل الزواج به. منطق ملتو، ومحاولة لإسقاط نظام التقييم في المجتمع البطريركي للنساء الخارجات على المألوف على شخصية تفاعل معها الجمهور بصفتها امرأة مختلفة، جميلة، تلعب دورها ممثلة محبوبة.
ما لا تصوره هذه الأعمال الفنية، هي مقدرة الرجال المعتدين السيطرة على الضحايا من النساء بالاحتيال والتلاعب العاطفي emotional manipulation وهو ما يفعله حسن في "حلاوة الدنيا" بعاليا، من تحكمه في أدق تفاصيل حياتها، ومحاولة عزلها عن أهلها وأصدقائها، مع التحقير والتقليل من أي شيء خاص بها، حتى والدتها شخصياً. شخصية حسن التي تهيم بها الفتيات حباً وتنشر بوستات عن وسامته وجماله على الفيسبوك، تظهر مدى تأخر الفكر عند الغالبية العظمى من الفتيات المصريات والعربيات بصفة عامة، في تقييمهم للرجل اللاتي تحلم كل منهن بالارتباط به؛ وسامة، ثراء، ورجولة فظة عنيفة، تنتهي أغلب حالاتها بالمرأة وقد خرجت مدمرة نفسياً وبدنياً بعد علاقة استنزفت فيها طاقتها الانسانية والعاطفية.
تصوير العلاقة العاطفية أو الارتباط أيضاً على أنه نهاية المطاف وغاية المراد بالنسبة للمرأة، هي إحدى المشكلات التي يعاني منها الفن المصري عامةً، مثل فيلم "تيمور وشفيقة" الذي انتهى ببطلته شفيقة متنازلة عن طموحها المهني بأكمله لأجل عيون حبيبها تيمور، حتى بعد أن ترقت وأصبحت وزيرة، وفي مقارنة مجحفة للفيلم الكوميدي السطحي، انتقدت الناقدات النسويات أن ينتهي الحال بالمرأة المصرية هكذا في السينما الحديثة، بعد أيقونات مثل "مراتي مدير عام" و"كرامة زوجتي" للمخرج العظيم فطين عبد الوهاب، واللذان مثلا قمة التحرر والتمكين للمرأة في علاقة نديّة مع الرجل، حتى مع انغماسها في علاقة عاطفية جياشة معه.
في الختام، ينبغي الإشادة بمسلسلات مثل "واحة الغروب" والتي على إظهارها شخصية مستكينة مظلومة مثل كاثرين، إلا أنها أظهرت امرأة وحشية بالمعنى الحرفي للقالب السيكولوجي المعروف وهي مليكة ابنة الواحة، ونعمة الجارية السوداء التي ترفض البقاء إلى جانب سيدها، لرفضه الاعتراف بحبه لها. قد يكون هذا لأن المادة التي تم بناء العمل الفني عليها هي رواية أدبية رصينة للأديب بهاء طاهر، أو قد يكون هذا لأن الواقف وراء الكاميرا؛ امرأة.