القاهرة 11 يوليو 2017 الساعة 11:31 ص
أطلت علينا الشاشة الفضية فى شهر رمضان المعظم بمجموعة متنوعة من المسلسلات الدرامية والكوميدية التى طالما انتظرها المشاهد , وهذا الشهركانت وفرة المسلسلات دافعا إلى تفضيل مسلسل على آخر ,كما كانت أوقات العرض لدى المشاهد غالبا هى التى تحتم عليه متابعة عمل درامى او كوميدى على آخر , ولأن الفنان (عادل امام )أحد أهم عناصر المشاهدة الرمضانية فكان عمله يحظى بأهم التوقيتات التى تناسب المشاهد بل وتلاحقه قبل أن يتحرك من على مائدة الإفطار فيضطر أن يظل جالسا منتظرا هذا المسلسل حتى نهايته.
لقد حظى مسلسل (عفاريت عدلى علام )بمجموعة من العوامل الفنية والتقنية التى جعلته يحصل على أعلى نسبة مشاهدة أولها توقيت العرض , وثانيها عدد متميز من النجوم يشاركون فى هذا العمل إلى جانب النجم عادل إمام مثل النجمة (غادة عادل ) والقدير(لطفى لبيب) والكاتب يوسف معاطى الذى تخصص فى الكتابة الكوميدية لعادل إمام حتى كأنه أصبح بينهما كيمياء مشتركة فى الكتابة الكوميدية .
وتوظيف العمل لسن عادل إمام فلا هو عمل شبابى يتطلب حركة ولا هو عمل رومانسى يتطلب سنا خاصة تمارس الإبداع الرومانسى . إنما هو عمل ذهنى يتطلب جهدا غير حركى إنما جهدا ذهنيا عقليا ولغة سلسة بسيطة غير معقدة ,أما السبب الرابع من أسباب نجاح هدا العمل فهو الانفاق المادى العالى فيما تتطلبه المشاهد الداخلية والخارجية حيث اعتاد المؤلف والممثل فى هذه الحالة على صناعة عالم خاص للنجم عادل إمام يدخل فيه المشاهد ويتعايش معه ويتجاوب مع أحداثه بانتظار نتائجه بأول مثلما حدث فى أعمال سابقه مثل (مرجان احمد مرجان ), حيث يدخل المشاهد إلى عالم النجم بدلا من أن يدخل النجم إلى عالم المشاهد وهذه هى البراعة الفنية بين النجم والمؤلف .
العمل الجماعى:
لقد استخدم الفنانون الثلاثة معا الممثل والكاتب والمخرج أداة فنية لتوصيل معلومة إلى المشاهد كان الهدف هو إلقاء الضوء على الفساد الإدارى الذى طال الدولة فى أعلى مراكزها وأعلى المستويات الإدارية وصولا إلى الوزراء ورجال البرلمان الذين هم من المفترض أنهم مراقبون للنزاهة فى المجتمع , كانت الحلقات المسلسلة هى الأداة التى من خلالها يمكن توصيل المعلومة إلى الجماهير, من الشاشة الأكثر استحواذا على الجماهير , وكان النص أكثر امتاعا فى بعض مراحله إلا أنه أغرق فى الأسطورية حين تطور الحدث,
فالموضوع إجمالا عن موظف فى دار الكتب والوثائق المصرية التى أيضا طالها الإهمال والفساد والتردى الوظيفى ووصل إلى حد بيع الكتب النادرة إلى الأجانب بملايين الدولارات ,
لقد كان عدلى علام أيضا فاسدا فهو يكتب المقالات لكبار رؤساء التحرير ويكتب الكتب لهم فيطبعونها على أنها من بنات أفكارهم (وما هم كذلك ) ثم يقبض الثمن
لقد كان عدلى علام فاسدا من نوع خاص ,يبرر لنفسه الفساد على أنه ربما يصنع شيئا مهما, إلا أنه يضرب المجتمع ببنية من الكبار مهزوزة هشة ضعيفة لا تقوى على مواجهة المنصب بالأفكار الناضجة , وقد وصلت إلى المنصب من دون وجه حق من خلال الفساد والرشوة والمحسوبية فصار لدينا فى بعض الوزارات كبار لا يقوون على فك طلاسم المنصب أو معرفة بطاقة الوصف الوظيفى التى يشغلونها لكنه يحمد له أنه استطاع أن يحرر وظيفته من دنس الفساد الوظيفى من خلال الكفاءة والنزاهة والتفانى .
والنص إجمالا يوضح شبكة الفساد بعناصرها المختلفة فى المجتمع بدأ من العامل الذى يتجسس على الموظف لمصلحة المدير انتهاء بالوزير الذى يتواطأ مع وكيل الوزارة الفاسد لبيع الكتب النادرة والعبث بالتاريخ ومنظومة كتب التاريخ .
الخرافة كأداة :
لقد استطاع المؤلف أن يشير إلى مجموعة الفساد والفاسدين ولكن كيف يضع الضوء على هذه الايقونات؟
كان عليه أن يستخدم الخرافة كاضاءة على النص هذه الإضاءة غالبا ما تستهوى المشاهد ولكنها ما تزال حلولا خارقه للعادة فوق الأفق وفوق التصور أنها حلول الإحلام وليس حلول الواقع
لقد استخدم يوسف معاطى العفاريت باعتبارها مخلوقات لا ترى لا بالعين المجردة ولا بالعين الثاقبة ولا بالعين الناقدة ولا بالعين المبصرة وقد قال عنها القرآن الكريم (أنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) .
والجن أو العفاريت لا تستطيع تقديم الحلول التي قدمتها عفاريت عدلي علام والعفاريت ليست لديها القدرة الخارقة التي صورها المؤلف إنما هى لديها القدرة الخارقة على التخفي والإبهار دون أن تحدث أى آثر في الواقع فالقرآن الكريم يقول عنهم (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم )
فالساحر لا يسحر إلا العين فقط لكنه لا يغير فى المادة الموضوعة ولا يضيف إلى الواقع جديد ولما إرادت العفريته ( سلا )أن تعطيه أموالا أخذت من مرتب المدير 5642جنيه وكاد موظف الحسابات أن يدخل لسجن لولا أن (عدلى علام) فهم الموقف وتدخل عند وكيل النيابة فى اللحظة المناسبة , إن استخدام الخرافة فى حلول الواقع هو دلالة الإفلاس العلمى فى مواجهة الواقع المأزوم إلا أن المؤلف يبحث عن الفانتازيا والحلول الماورائية لمواجهة واقع مستعصى على الحل .
لقد كانت العفاريت وما زالت منذ الأزل لم تحل مشكلا لبنى آدم ولم تعرفه حتى طريق الحل أو أسلوب أو أدوات الحل ,بل أنها تسعد في أن تقوم بأحداث الورطة لبنى البشر
إن استخدام العفاريت هو استخدام للخرافة فى مواجهة العلم ,بل أنها تؤدى إلى إزاحة جانب العلم ليتفوق جانب الخرافة وما أكثر الذين تستهويهم حكايات العفاريت خصوصا فى مجتمع يتسم نصف سكانه بالأمية والنصف الآخر المتعلم لا يفكر بالحلول العلمية السببية والأطروحات التى يطرحها الواقع والأفكار التى تتناسب والإشكاليات الاجتماعية
لقد قدمت العفاريت خلال الحلقات المسلسلة عدة حلول لمجموعة من الاشكاليات التى قدمها لهم عدلى علام حلول فانتازية لا تمت إلى الأشكاليات بصلة ,
بل أن أحدهم استقال من منصبه حين سمع عن مفردات إحدى المشكلات التى تواجهها مصر ,ويعد استخدام العفاريت فى العمل الإعلامى هو من قبيل تسفيه العقل البشرى وعدم احترامه واستسهالا للحلول الواقعية التى يمكن الحديث عنها ولا يمكن العمل بها
كلنا يعلم إن الله قد سخر الجن والشياطين لسليمان يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات فلم يكونوا يبتكروا حلولا لسليمان إنما كان يبتكر لهم مايشاء فهم مخلوقات خفيه تظل خفية إلى آخر الزمان الارتباط بهم يظل كذلك فى الخفاء وفى الظلام وهم كانوا وسيظلون فى الخفاء وفى الظلام إلى أن تنتهى الدنيا
كما أن استخدام مثل هذه الفكرة هو من قبيل إبعاد المسئولية الاجتماعية عن الدولة والافراد والقائها فى ملعب آخر غيرملعب المسئولين السياسين وموظفى الدولة كأحد أهم أركان الفساد أضف إلى ذلك أنها من قبيل الإلهاء عن الحلول الواقعية فهى لا تقدم توعية حقيقية بقدر ما تقدم نوعا من التسلية الرخيصة التى قد تتسب فى الضحك ولكنها لا تمثل إثارة للوعى العام أو تحريكا لمشهد من المشاهد الاجتماعية ونقله إلى الوعى العام
إن مهمة الفنان هى نقل الواقع المأزوم من الواقع إلى الوعى وإحداث حالة استثارة توعوية للذهن كى يتحرك إلى اتخاذ موقف ما إزاء هذا الواقع لكن الواقع أن العمل الفنى (عفاريت عدلى علام ) انتهك حرمة العقل المصرى ولم يضف إليه كثيرا بل أنه استلب منه وعيه ووضع مكانه أفكار عفاريتيه مضحكة فالإشكاليات التى قدمها لنا معروفة سلفا للكل ولكن الحلول التى كنا نتوقعها لم تأت ولم تتواكب مع ما يريده العقل ولا مع ما يريده المشاهد
الاصل فى الأشياء إنك تقدم فكرة موضوعية للعقل فاذا قدمت فكرة غير موضوعية فإنها تقوم بإزاحة للأفكار الجيدة ليحل محلها أفكار شيطانية غالبا سيئة لا تمت إلى الواقع بصلة , بل أنها فى الخيال فقط,
وبالتالى إزاحة الأفكار العلمية ليحل محلها الأفكار العبثية والاستسهالية أن العقل البشرى إذا اعتاد على الحلول العبقرية يتعود عليها ويمارسها , وإذا اعتاد الحلول العبثية يتعود عليها ويمارسها , وإذا اعتاد الحلول التافهة يتعود عليها ويمارسها , هذا العقل البشرى فما بالنا بالعقل الجمعى للمجموع العام وجموع أبناء المجتمع فى وعيهم العام أن استخدام العفاريت هو سلب للمنطق من العقل فيصبح العقل بلا منطق والمنطق بلا وجود, واختفاء الحلول الواقعية المحترمة هو ابتزال للواقع, وتقزيم من قدرة الفرد على مواجهة الأزمة التى تواجهه,ووضعه فى خانة( ليس فى الامكان ابدع مماكان ) ومحاولة الصاقة بالراضين بالواقع الذين يضغط الواقع عليهم ولا يجدون منه فكاكا فيقولون بمنطق المغلوب ( الله غالب ), ونفى المسئولية الاجتماعية عن الآخر المتسبب فيها وهو المسئول الذى يجب أن يحاسب ويقدم التبرير الواقعى أو يتنحى .