القاهرة 08 يوليو 2017 الساعة 06:22 م
محمد علي
يعتبر فيلم نظرة في السديم لثيو انجيلوبولوسشاعري لأقصي، حيث يعبر فيه فريقالعمل عن الإنسان عندما يواجه الحياة كطفلوليد لا يعرف عنها شيء سوي إنها المستكشف الأول لتلك الأرض.
يبدأ الفيلمعلى محاولة فاشلة لفولا وألكسندر للصعود للقطار المتجهة من أثينا إلى المانيا حيثيمكث الأب. وفي اليوم التالي يستقلان القطار حتى يتعرض لهماالمفتش الذي يرجعهم إلى خالهم وبالتالي نتعرف على حقيقة الأب الوهمي الذي كان مناختلاق أمهم، فيرفضان الفكرة ويستكملانطريقهما....
الهدف:
هو الذي جعلهم يخوضون مسيرة الحياة والذي منخلاله تعاملوا مع خلاف البشر أثناء مسيرتهم للوصول للأب المختلق وحقهم في معرفة منأين جئنا هنا؟ فبدون هذا الهدف لم يكن للطفلين مسعي وسيتم تحوليهم إلى مجرد هائمينفي الأرض بلا هدف أو وجهه، مثل شخصية اوريستيس التي كانت مجرد "يرقة تنزلقإلي العدم، لا وجهه لها.". ربما يكون الهدف هنا نقد للاستقراء ولكن كارل بوبرقد دلل في نقده لاستقراء على إن الكثير من النظريات العلمية كانت في الأصل أفكارخرافية وميتافيزيقية.
الفكرة: لذلكجاءت الفكرة غير خاضعة للمنطق لكونها مختلقة من قِبل الأم. ولكن حتما يجب أن يكونفي الحياة ما هو مؤسس على ما هو خرافي أو لا عقلي كي تستمر حياتنا أو بالأحرى كيتبدأ حياتنا فا ألكسندر وفولا قد بدأ حياتهم منذُ أن قرروا خوض الرحلة في البحث عنالأب. بينما أوريسيتس ظل بلا هدف يفرض عليه وجهته وبلا اكتشافات جديدة في الحياة.
الإنسان:
منذ أن بدأت الرحلة تبدأ فولا في مناجاة الأب منخلال أرسال رسائل شفاهية تتضمن ما يحدث لهم بعرض لحالتها هي وألكسندر. حتى تمرالأيام ويبدأ كل منهم في التعرف على خصال البشر. من أول ضابط شرطة المحطة ومعرفتهمبأسلوب التهديد وشعورهم بالخوف، إلى حاله الخال الذي يظهر لهم حقيقة قصة الأب. إلىالفتي اوريستيس الذي شفق عليهم من مشقة السير في البرية والصعود معه لشاحنة المسرحوقد تجسد لهم الخير في هذا الشاب حتى إن أحبته فولا رغم السفر وعدم الاستمرار. حتىسائق الشاحنة النقل الذي عرض عن الطريق وقام باغتصاب فولا مجسدا الشر الذي يلاقاالإنسان في مسيرة الحياة. وجندي المحطة الذي كان بمثابة المنقذ عندما أعطي لهمالنقود لشراء التذاكر حتى وصلوا إلى المانيا في النهاية التي جاءت على صورة الشجرةالتي يحوم فوقها الضباب بعد سماع طلقات الرصاص الحدودية.
التيمة المتكررة في سينما أنجيلوبولوس هي رمزية الأب كما قال عنها ذات مرة تتجاوز الأب كشخص وتتحول إلىعلامة ومعنى نبحث عنه ونؤمن فيه.. حتى يتحول البحث عنه إلى البحث عن هوية وانتماء.هذه الفكرة بالذات هي من دفعت الطفل “أليكساندر” ذو السنوات الخمس, وأخته “فاولا”ذات الحادية عشرة من العمر والتي تقف على عتبات المراهقة أخطر مرحلة في الحياةللبحث والارتحال إلى ألمانيا نحو ذلك الوالد الذي لم نعرف عنه أي تفاصيل.. سوى بعضالتشكيك الذي سمعناه من خال الطفلين الذي التقياه على الطريق فأعطانا انطباعاً أنهما من أب وما من ألمانيا.. بل إنها كذبة مختلقة زرعتها الوالدة لدى طفليهااللاشرعيين لتمسح بها أسئلتهما عن وجود الوالد, فيما تراءى لها أن “ألمانيا” بعيدةعن اليونان, وأن طفليها لن يكلفا نفسيهما بسبب هذا البعد عناء البحث عن الحقيقة..ومن يدري فقد لا تكون الأم أساساً هي الأم..! وإن كان الفيلم لم يرِنا الوالدة فيالأساس ولم تكن حاضرة كثيراً في أذهان الطفلين, بل إنه لعل غيابها عن الطفلينكثيراً من أوقات النهار وشعورهما بالحاجة إلى الحب والرعاية الكثير من الدوافعالتي دفعتهما إلى رحلتهما الساذجة… فإن طيف الوالد كان جاثماً على الأغلب فيأحلامهما المتعاقبة كبارقة أمل وهدف بعيد المنال -لكن ليس مستحيلاً- وحلم وردييطبع الحياة بالأمان والحنين والدفء والقوة المفقودة.. حلمٌ في المفابل يأخذ هيئةمسيرة في مجهول مخيف تتكرر في غماره أسئلة الطفلين لبعضهما “هل أنت خائف” “لا تخفسأحكي لك قصة”.. لتؤكد لنا أن روحيهما الصغيرتين مرتعدة من الداخل ومرعبة حتىالإشباع, رغم جسارتهما الخارجية.