القاهرة 04 يوليو 2017 الساعة 09:52 ص
رغم ما أحدثته التغيرات السياسية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة على العقل الجمعي للشعب المصري إلا أن مساهمتها في إحداث حالة تنويرية عامة وثورة ثقافية تقضي على الموروثات السلبية كانت محدودة إلى درجات لا يمكن قياسها في مقابل الحراك الذي استطاع أن يحدثه مؤخرًا المفكر المصري الدكتور يوسف زيدان، فبعيدًا عما دونه ويدونه دومًا إلا أن ذلك أسهم في جعل كثير من المصريين يبحثون في الأمر بغض النظر عما يصلون إليه من قناعات، اخر تلك المعارك التي أشعلها «زيدان» بين المثقفين والشباب وفئات عديدة من المجتمع المصري كانت حول تاريخ «صلاح الدين الأيوبي» التي بالكاد كان له أثر بالغ في جعل كثيرون يعيدون قراءة تاريخ هذا الرجل من زوايا وروايات عديدة.
إننا نعيش حالة عامة من الجمود الثقافي والفكري التنويري، وبالرغم من هذا الأمر إلا أننا شاهدنا خلال فترة الفوضى التي أعقبت ثورات الربيع العربي إقبال كثير من الشباب على الجهر بـ «إلحادهم» عملت خلال هذه الفترة على دراسة هذه الحالة من خلال الاحتكاك المباشر بهذه المجموعات، وجدت بعضهم قد اتطلع على العديد من الكتب والروايات والموسوعات العالمية التي تبحث في مادية الكون وهؤلاء لا أخشى على الوطن منهم، بل على العكس، لكن الصعقة الكبرى تكمن في الجانب الآخر وجدت كثيرون لا يجدون مبرر لأي شيء، ولا لوجودهم في الحياة، ولا إلى من ينصت إليهم، حينها حاول كثير من المثقفين "النبش" في هذا الأمر وبين هذه المجموعات من الشباب ومناقشة أفكارهم في المجتمع سواء بغرض دعمهم في مواجهة المجتمع الذي لا يقبل حتى الآن بحقهم الكامل والمطلق بـ «حريتهم في اعتقادهم» أو بغرض التعامل معهم باعتبارهم ظاهرة قد تضر بأمن وسلامة واستقرار المجتمع وضرب ثوابته الاجتماعية والأخلاقية (باعتبارهم رعاة للدين والأخلاق) إلا أنهم ما استطاعوا أن يحدثوا حالة حرك فكري حقيقي في المجتمع تسهم في تنويره.
حالة الجمود العامة، استطاع أن يكسرها الباحث في التراث الإسلامي «إسلام بحيري» والذي قدم نموذجًا من خلال برنامجه الذي كان يذاع عبر فضائية القاهرة والناس، ساهم بشكل كبير في إحداث صدمة أدت إلى حالة نقاش عامة حول ما جاء في برنامجه، بعض من الناس تسارعوا من أجل وأد أفكار «إسلام» ومعلوماته وبعض آخر هرع إلى الدفاع عنه وعن حقه في التعبير عما يجول بخاطرة، ورغم أن هذا الأمر انتهى بإيداعه في السجن إلى أن صدر له عفوًا من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي ضمن مجموعة من السجناء على خلفية قضايا رأي وفكر، إلا أنه استطاع أن يحدث حالة حراك فكري في المجتمع، بغض النظر عن موقفنا الشخصي من مضمون المحتوى الذي طرح في هذه الوقائع المشار لها في هذا المقال. «في كثير من الأحيان يكون القول والحديث أفضل من الصمت والعكس».
شهد التاريخ المصري والعربي على ميلاد عشرات بل آلاف المبدعين والمفكرين من قادة التنوير المصريين بينهم «رفاعة الطهطاوي رائد النهضة والتنوير في العصر الحديث، والإمام محمد عبده، والمفكر قاسم أمين الذي استطاع كسر حدة البداية بإصداره كتاب بعنوان «تحرير المرأة» عام 1898م، ورائد الاقتصاد الوطني طلعت باشا حرب، الذي لعب دورًا رياديًا وتنويريًا في هذه الحقبة المبكرة من تاريخ مصر، وطه حسين الذي رفع شعار "التعليم حق لكل مصري كالماء والهواء" والمبدع الراحل نجيب محفوظ، والمؤخرين» لا تكفي المساحة هنا إلى الإشارة لأسمائهم فقط، السنوات الأخيرة شهدت حالة خمول عامة لا يجب علينا أن ننظر إليها ولا أن نتوشحها، فما تخوضه الدولة من معارك ضد التطرف والإرهاب يحتاج إلى قيام المعارك الفكرية لتواجه المتطرفين والإرهابيين أنفسهم وتعمل على وأد أفكارهم، وتنير عقول الشباب المصري حتى لا يكونوا عرضه للتطرف فكريًا أو الانضمام لهذه الجماعات المتطرفة،ـ علينا أن نحارب حالة الركود الفكري والثقافي وندعم كل نشاط وكل مؤسسة وطنية سواء رسمية أو خاصة وكل شخصية يمكنها أن تسهم بقدر في إثارة الأفكار في العقول بغرض تنويرها.