القاهرة 20 يونيو 2017 الساعة 11:47 ص
إلى متى تظل جوائز الدولة بفروعها المختلفة مسار انتقاد المثقفين ؟ إلى متى نظل نتخوف ونتساءل عن مدى مصداقيتها ومعياريتها الجمالية والفنية؟ في كل عام تعلن الجائزة نجد من يفرح بفوز فلان بالنيل أو التقديرية وعلان بالتفوق أو التشجيعية، لكن أيضا مع غضب الكثيرين، فهذه الجائزة بفروعها جميعها لها قيمة اعتبارية تجعل الجميع يسعى إليها، ليس لقيمتها المادية بالطبع، إنما لقيمتها الأدبية، فهي تعبربشكل أو بآخر عن اعتراف المؤسسة الرسمية بالمبدع الذي أسعده الحظ وينالها، ونحن شعب نعشق المؤسسة وإن انتقدناها ليل نهار، ونسعى لأن نتمرغ في تراب جوائزها وتقديرها، مثلما تمرغ آباؤنا وأجدادنا بتراب الميري(المؤسسة) حتى وإن اختلفوا مع هذا الميري ولعنوه سرا وجهرا.
لكن مع كل إعلان للدورة نكتشف أن الجوائز في مجملها تذهب لغير المستحقين مع قليل من المستحقين للتكريم والتشجيع وتبييض الوجه مثل فوز بعض من لا يختلف اثنان على قيمتهم مثل : الدكتور شاكر عبد الحميد والدكتور الطاهر مكي والدكتور محمد زكريا عناني والمبدع جار النبي الحلو والمبدع سمير الفيل، وبعض شباب المبدعين والنقاد. فهل العيب في المؤسسة التي توجه الجائزة لمن يقفون على يمينها ويدخلون في طوعها بشكل أو بآخر، وتقصي الذين يقفون على يسارها ويرفضون التدجين والتطويع؟ أمأن العيب لا يقع على المؤسسة وإنما يقع على الأفراد في المؤسسة الذين ينحازون لأصدقائهم ومحبيهم ورفقائهم بغض النظر عن المعيارية الجمالية، مما يفتح الباب للشللية والفساد والتحيزات؟
أم أن العيب في الآلية التي تتبعها المؤسسة في اختيار الفائزين، حيث يسمح القانون لموظفي وزارة الثقافة بالتصويت على فلان أو علان من المبدعين، وهذا يقلل من تقارير المتخصصين في الفروع المختلفة للجائزة، ويمنح سلطة للموظف الذي قد يكون مجرد موظف لا علاقة له بالإبداع أو بالمشهد الثقافي سوى أنه اشتغل في هذه المؤسسةالثقافية؟
أتصور أن الأسباب التي تجعل الجائزة تخرج عن مسارها الطبيعي الذي وضعت من أجله كل هذه الأسباب مجتمعة، فثمة غياب واضح للمعيارية الجمالية والفنية، وأن ما يجعل فلان أو علان يصل لهذه المنزلة السامية من تقدير للدولة هو رغبة المؤسسة من ناحية والشللية والفساد والتربيطات المختلفة من ناحية ثانية.
فلو أن الدولة تلاقت رغبتها مع رغبة المثقفين من أن تذهب هذه الجائزة لمستحقيها، لوجب عليها أن تتبع هذه الوصفة السحرية التي نادى بها المثقفون في محافلهم وعلى صفحاتهم الاجتماعية:
أولا أن نضع معايير جمالية واضحة ومحددة لا يختلف عليها المتخصصون في المجالات المختلفة.
ثانيا أن تكون معايير النقاد والمتخصصين المختلفة هي وحدها من تحدد الفائز ولا نلجأ لتصويت الموظفين، فهذا يجعل من الموظفين مع احترامنا الشديد لهم سلطة على المبدعين والمثقفين.
ثالثا : أن نحدد السن في كل جائزة، فمن يرشح للتشجيعية يختلف حتما عمن يرشح للتفوق أو التقديرية أو النيل، فسيف السن يُفعَّله المسؤلون حين يريدون أن يقصوا أحدا ما من الجائزة ويتناسونه حين يريدون أن يفوّزوا أحدا آخر. فقد حصل هذا العام على جائزة الدولة التشجيعية المبدع سمير الفيل ونحن لا نختلف على قيمته الإبداعيةوهو قد تخطى سن الستين، في حين أنه منذ أعوام حصل مبدع ما على أعلى درجات المصوتين على اسمه، فتنبه السيد المسؤول عن الجائزة وقتها إلى أن هذا المبدع عمره 46 عاما، فأقصاه لصالح مبدع آخر لا نعيب إبداعه،ولا ننتقص منه، لكن نعيب المعيارية التي أُقصي بها هذا وقُرّب بها ذاك.
رابعا يجب أن يوضع شرط هام جدا ضمانا للشفافية والحيادية وهو ألا يترشح أعضاء لجان المجلس الأعلى للثقافة ولا المبدعين ممن يحق لهم التصويت إذا كانوا على رأس مؤسسة ما، وحتى إن عين أحدهم في لجنة ما بعد أن يكون قد تقدم للجائزة مثل حالة الشاعرة سلمى فايد التي هي عضو في لجنة الشعر وفاز ديوانها بالتشجيعية وأعلنت أنها تقدمت للجائزة قبل أن تعين في لجنة الشعر، على هذا العضو أن يحترم نفسه ومشروعه الإبداعي وأن يستقيل من الجائزة أو يترك اللجنة أو ينسحب من الجائزة ضمانا للنزاهة.
خامسا على الدولة إن كانت تحترم نفسها، وتحرص على قيمة وتثمين تقديرها لمبدعيها أن ترفع أيديها عن الجائزة، فلا تجعلها الجزرة أو العصا وإلا سنظل ندور جميعنا في فكرة "الحظيرة" التي أعلنها فاروق حسني منذ سنوات، حين وعد نظام مبارك أن يُدخل المثقفين الحظيرة. المثقفون ضمير أي أمة محترمة، فلا يجب أن يتحولوا لمجرد بهائم يدخلهم القائمون على المؤسسات الحظائر!!.