القاهرة 20 يونيو 2017 الساعة 10:36 ص
كاتب و ناشط سياسي ، وممثل ومنتج مسرحي. في مرحلة من مراحل حياته الغنية بالعناد والمقاومة السلمية، وجد نفسه ينضم إلى الحزب الشيوعي الإيطالي، ويناضل كغيره من أعضاء الحزب في صفوف الطبقات الكادحة.
ولد داريو فو في ليجونيو- سانجيامو الإيطالية عام 1926، وتلقى تعليمه في الفنون الجميلة والعمارة في مدينة ميلانو الإيطالية، ولكنه ما لبث أن اتجه إلى المسرح. وكانت بدايته في التمثيل عام 1952م. وفي سنة 1959م أسس مع زوجته فرانكا راما فرقة قام فيها بدور الكاتب والمنتج والممثل.
كان لولادته في منطقة مناهضة للفاشية أبلغ الأثر في تنشئته، إذ كان على تماس مباشر مع أوساط العمال المنبوذين والمضطهدين. ووعى على مسرح الشارع ومسرح الحكواتي، وهما المسرحين الفطريين اللذين أثرا فيه بشكل خاص. ومن ثم تابع فو دروساً في الهندسة المعمارية.
مع بداية الخمسينيات بدأ فو بكتابة مونولوجات ومشاهد مسرحية قصيرة ناقدة اجتماعياً، ومن ثم أدى مسرحيات فيها حيز واسع من الارتجال، ولكنها مستوحاة من أعمال مسرحيين كبار في عصره من أمثال فلاديمير ماياكوفسكي وبرتولد بريخت. وقد تناولت مسرحياته مواضيع سياسية واجتماعية عاصرها مثل: حرب فيتنام واغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي والقضية الفلسطينية والمافيا والفساد.
كان يشكل ثنائياً شهيراً مع زوجته الممثلة فرانكا راما التي اقترن بها عام 1954 وتوفيت عام 2013 عن 83 عاماً. وقد شاركته كل مغامراته المسرحية التي واصلها ابنه جاكوبو فو. وأطلق داريو فو مع زوجته عدة فرق مسرحية من بينها “لا كومونه” في السبعينيات، التي حملت المسرح إلى الشركات والأحياء الشعبية.
يعتبر "داريو فو" أحد أهم كتاب المسرح المعاصرين، الذين مارسوا العمل المسرحي لأكثر من نصف قرن. فلأكثر من سبعين عاماً مارس "داريو فو" فنه على مستوى التأليف وتقديم العروض المسرحية، واضعاً اسمه إلى جانب أسماء العظماء من كتاب المسرح الإيطالي أمثال "جولدوني" ، "بيرانديلو" ، "إدواردو دي فيليبو" ، وغيرهم من الكتاب العظام، ويضاف إلى ذلك غزارة الإنتاج عند "فو" وكثرة المتغيرات التي تعرض لها العالم وعاصرها كمؤلف ومخرج، وبالتالي انعكست هذه المتغيرات على أعماله المسرحية فكراً وتقنية وموقفاً سياسياً.
من الصعب على أي قارئ في تناوله لأحد نصوص "داريو فو" فهم هذا النص والتعامل معه دون التعرف على العناصر الفنية والأسس المكونة لهذا المؤلف الظاهرة.
إن مصطلح الظاهرة بمعناه العلمي ينطبق تماماً على شخصية "داريو فو" باعتباره نوعاً من الفنانين الذين لم يتكرروا كثيراً، ومن ثم فهو ظاهرة تستحق الدراسة والتنظير. فلقد عرف تاريخ المسرح فنانين عديدين قاموا بالجمع بين أكثر من وظيفة، كالمؤلف المخرج، الممثل المخرج صاحب الفرقة، المخرج المصمم للديكور .. وغير ذلك من الأنماط، ولكن لم يجمع أحد من الفنانين مثلما جمع "داريو فو"، فهو المؤلف، الممثل، المخرج، مصمم الديكور، الموسيقي، معلم التمثيل مصمم الاستعراضات، إلى جانب كونه صاحب الفرقة، وصاحب موقف اجتماعي وسياسي واضح، يطرح بدوره تساؤلاً هاماً حول وظيفة الفن، ودور الفنان وعلاقته بالمجتمع الذي يعيش فيه؟ سواء المجتمع الصغير، أي البلد الذي يعيش فيه، وانطلاقاً إلى مجتمع أوسع وأرحب، وهو ما يطلق عليه المجتمع الدولي، أو العالم.
و"داريو فو" نموذج أيضاً، فهو نموذج للفنان الذي يملك أدوات الفن المسرحي، وعناصره بشكل كامل، بحيث يمكننا أن نطلق عليه لقب (رجل المسرح)، فلقد مارس جميع الأدوار الفنية بشكل حقيقي، وأكسبته هذه الممارسة خبرة جعلته يلم بتقنيات فنالمسرح من حيث الكتابة وتقنيات خشبة المسرح عرضاً وعلاقة مع الجمهور. وقد انعكست هذه الخبرة على النصوص التي يكتبها بحيث أصبح (يكتب للعرض المسرحي) ليحسم الصراع الدائر حول علاقة النص بالعرض والصراع بين المؤلف والمخرج، ومحاولات البحث عن نظرية خاصة للعرض المسرحي تميزه عن النظريات الأدبية التي حاصرت النص المسرحي، والتي جعلت المسرحيين يتمردون عليه ويسعون أحياناً لتعديله، وأحياناً للتخلص منه.
"بريخت" وهو رجل المسرح الذي يشترك معه "داريو فو" في مجموعة من النقاط أهمها (الأهداف السياسية) من حيث انحيازهما إلى الطبقات البروليتارية (العاملة) وسعيهما إلى إيقاظ الجمهور من خلال طرح قضايا العمال والطبقات الفقيرة ومناقشتها، فمن ثم فإن "فو" قد اتجه إلى تقديم عروضه المسرحية في المصانع والملاعب الرياضية والساحات، وصولاً إلى التبرع بإيراد تلك العروض لصالح العمال وأسرهم ولدعم النقابات العمالية. ويشير "فو" هنا إلى أنه لا يهتم بالسياسة قدر اهتمامه بالعدالة، وقد تسبب هذا الاهتمام في هجوم "فو" الدائم واحتكاكه بالمؤسسات الراسخة سواء في إيطاليا أو خارجها، كالحكومة والبوليس، الفاتيكان، الأحزاب، عصابات المافيا، المؤسسات الاقتصادية الرأسمالية، وحتى الحزب الشيوعي الذي كان يدعم "فو" وفرقته في وقت من الأوقات، سرعان ما حدث التصادم بينهما نتيجة انتقاد "فو" لسياسات الحزب وقادته، ووصولاً إلى انتقاد الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها ومحاولة الهيمنة على العالم.
التقنيات الملحمية:
يشير "داريو فو" في مرحلته المتأخرة التي ارتبطت بالسياسة والعدالة والحركات العمالية إلى أنه كان يعيد كتابة نصوصه ويعدها وفقاً للواقع الذي يتغير ويختلف، أي أنه يعيد كتابة النصوص المسرحية وفقاً للأحداث الجارية التي تقع حتى يكون مواكباً ومناقشاً لها مع الجمهور. وكما كان "برتولد بريخت" يكتب (بورولوج) في مقدمة العروض المسرحية يوماً بيوم، ويغير فيها طبقاً للأحداث التي تقع، فإن "فو" قد انتهج هذا النهج لدرجة أنه وصف بعض مسرحياته بأنها (مسرح الصحيفة)، وأنها (مسرحيات للحرق)، أي أنها لن يكتب لها الخلود مثل غيرها من النصوص لارتباطها بأحداث وشخصيات معينة، وأنها لن تحصل على الخلود إلا في حالة واحدة وهي تحديث الموضوعات والشخصيات والأحداث التي يتم تناولها بشكل مباشر طبقاً للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الاحتفاظ بالشكل الفني فقط.
إن "داريو فو" مع فرقته لا يكتفي بميوله اليسارية، ولكنه يطمح أن يكون هو وأفراد فرقته (مناضلين) من خلال تكوين الفرقة بحيث يحصل الجميع على نفس الأجور، وعدم تحديد الأجور مسبقاً، وكذلك من خلال المواقف السياسية التي تتبناها الفرقة.