القاهرة 06 يونيو 2017 الساعة 02:26 م
د. تغريد عرفة
من منا لا يعرف محافظة الفيوم من منا لم يسمع عنها أو لم يذهب لزيارتها أماللنزهة وزيارة أجمل الأماكن المصرية بحيرة قارون ووادى الريان وهما من أجملالمحميات الطبيعية أو لزيارة أحد أقاربه هناك كلنا بالطبع نعرفها جيدا وهىمن أجمل محافظات مصر الحبيبة ولكن هلسمعتم من قبل عن مدينة كرانيس والتى تعرفأيضا باسم مدينة الزعيم أو السيد . بالطبع العديد لم يسمع عنها من قبل ولكنهابالفعل تقع هناك و تحمل الآن اسم ( كوم اوشيم) ويبدو من اسمها للوهلة الاولىالغرابة والغموض ويتضح لنا من وقع اسمها السحر المحيط بها ولقد سافرت إلى الفيومعدة مرات ووجدت العديد يعرفونها ومنهم من مر عليها من قبل وسمع عن الكثير عماتحويه من حكايات واسرار ارتبطت بهذه المدينة والتى يشب من عبير ذكرها حكايات لمتحكى بعد فهى مدينة قديمة صغيرة بالفيوم وجد بها العديد من البرديات التىتروى لنا الحياة اليومية والأسرار المختلفة عنها خلال هذه الفترة الزمنية والعديدمن المعاملات انذاك ونتيجة للنقص الشديد فى المعلومات عن هذه المدينة فقد ارجعالعلماء نشأة هذه المدينة إلى العصر البطلمى حيث يشار إلى أنه مع بداية العصرالبطلمى بالتحديد فى عصر الملك بطليموس الثانى (فيلادلفيوس) نشأت مدينة صغيرة اطلقعليها اسم (كرانيس ) استمرت قرابة الستةقرون من الزمان ولقد قرأت وسمعت عن هذه المدينة الكثير والكثير من قبل العلماءوالباحثين ولكنى قررت أن أقوم بزيارتها بنفسى .
تقع مدينة كرانيس عند مدخل الفيومعلى بعد 30 كم إلى الشمال من مدينة الفيوم وإلى الشرق من بحيرة قارون فى نقطةالتقاء الطريق الصحراوى من القاهرة بأرضالمنخفض الزراعية وعلى بعد 60 كم إلى الجنوب الغربى من مدينة الجيزة ونظرا لأهميةالمدينة والتى ازدادت بعد الكشف عن أوراق بردى طواها النسيان منذ أكثر من 60 عاماوالتى كشفت الباحثة الالمانية (د. كورنيليا ايفا رومر)المتخصصة فى علم البرديات واستاذ علم البردى بجامعة عين شمس النقاب عن مجموعة فريدة من اوراق البردى التىتعود الى القرن الثانى الميلادى فى مخازن المتحف المصرى بالتحرير وتعد هذهالبرديات جزء من البرديات التى تسمى (ميتشجان) وهى عبارة عن مجموعة كبيرة منالبرديات تحوى نصوصا باللغة اليونانية اكتشفتها بعثة جامعة( ميتشجان اناربور)الامريكية بين عامى 1924_1926.
وقد قامت الجامعة باهداء مصر جزء منهذه المجموعة عام 1952 ليقوم من يهتم بهذاالمجال بالاطلاع عليها ودراستهاوبالفعل تمت دراسة تلك البرديات وهى نصوص من ارشيف(سقراط) جابى الضرائب وقد كان (سقراط) من الاسكندرية ولد حوالى عام 90 ميلادية عاشفى قرية (كرانيس) بمحافظة الفيوم كان رجلا طموحا حيث عثر فى بيته على سجلات واجزاء من كتب وهو مايشير الى ان بعض سكان(كرانيس) كانوا يعرفون القراءة وهو من قام بالكشف عن جوانب وتفاصيل الحياةالاجتماعية والسياسية والثقافية فى بدايات القرن الثانى الميلادى.
ولقد قمت بالتنسيق مع( د. كورنيليا)والمجموعة البحثية كى نتفق على ميعاد لزيارة هذه المدينة المثيرة للاكتشاف وقمنا بالحصول على التصاريح والموافقات الأمنيةاللازمة وعمل الاجراءات الخاصة بالزيارة من قبل وزارة الآثار. بدأ التجمع للزيارةأمام المعهد الالمانى للآثار بالزمالك فى تمام الثامنة وكانت( د. كورنيليا) بمثابةالقائد للرحلة وكان معنا مجموعة من الفتيات الباحثات بجامعة عين شمس من المتخصصاتفى دراسة اوراق البردى بعضهن حاصلات على درجة الماجستير واخريات على درجةالدكتوراه كما كان هناك ايضا مجموعة منالباحثين الالمان بمعهد الآثار الالمانىبالقاهرة وكان الجميع يحمل معه بعض الاطعمة الخفيفة والمشروبات التى سيحتاجها خلال الرحلة وبالرغم من معرفتى للمكانوالمعلومات الكثيرة والاخبار المتناقلة عنه وزياراتى له من قبل إلا أن إحساسى فى تلك المرة كان غاية فالاختلافعن المرات السابقة وغاية فى الخصوصية.
بدأت الرحلة وركبنا جميعا فىالسيارات التى سوف تقلنا إلى هناك وكانتمعى( د. كورنيليا) وبعض الباحثات وقامت (د. كورنيليا) بلفتة لطيفة جدا حيث اصطحبتمعها نموذجا من الكارتون لشخصية جابى الضرائب (سقراط) الذى كشف عن التنوع الثقافىفى مصر قبل 1900عام ولقد تطوعت بحمله إحدىالباحثات وتدعى (سوزان سليمان)وهى حاصلة على درجة الماجستيرفى مجال علم البردىوكان معنا هذا النموذج طوال الرحلة بداتالرحلة وكانك تسافر للماضى وتناولناالعديد من الأحاديث العلمية والمناقشات وبدات( د. كورنيليا) تروى لنا عن بدايةمشروع نشر بعض برديات ميتشجان والذى بداته فى يونيو 2010 وحكت لى أنها فتحت 150مظروفا من برديات ميتشجان فى المتحف وكان ذلك بدعم من معهد الآثار الالمانىبالقاهرة وقام فريق من شباب المرممين بالمتحف بالعمل الجاد بلا كلل بتنظيف البرديات وتسجيلها ثم تصنيفها وكانتسعيدة جدا اثناء الطريق وتنوعت المناقشات العلمية الغنية والثرية بينى وبين الباحثاتالمصريات والالمان عن هذا العالم وبمجرد الخروج من القاهرة وكلما قل عددالسيارات واصبح الطريق اكثر هدوء اشعروكاننا قد وصلنا وكان كل دقيقة قادمة هى دقيقة الوصول وكشف الستار عن (كرانيس)بدات تنتابنى مشاعر مختلفة وكانى ذاهبة الى رحلة فى اعماق التاريخ رحلة تكشفالغموض عن حياة كاملة فى مدينة قديمة جدا وغامضة تحوم حولها الحكاياتوالاساطيرالمختلفة.
كان المشهد كالتالى : الرمال الممتدةعلى مرمى البصر تجمع بين درجات اللون الاصفر واللون البنى وسماء تغيب الشمس عنهابينما الجو يميل الى الحرارة ولا يوجد على الطريق الا سيارات الطاقم والسيارةالتى تقلنا كان احساسى وانا فالطريق كانى داخل الة الزمن كما فى القصص الخياليةوكانى فى رحلة زمنية تاخذنى للماضى لا منمكان الى مكان فقط رغبة قوية بداخلى تدفعنى الى المكان الى الاكتشاف والبحث الىتصور كيف كانت الحياة وقتها فى هذه القرية وكيف كان التعامل فيما بينهم لا انكرانى تمنيت لو كنت ملكة احيا فى هذا الوقت اعيش الجانب الانسانى كيف كانت العلاقاتالانسانية تقوم فيما بينهم الحب الاعجاب التعبير عن المشاعر بالاضافة الى الثقافةطرق التفكير الطقوس اشعر بجو من الغموض والاثارة والتطلع الشديد الى معرفة ذلكبدات دقات قلبى تتسارع ونحن نقترب الى ان وصلنا بالفعل كان فى استقبالنا رجالالامن والحراس لاستخراج التصاريح اللازمةللتصوير والزيارة وترتيبات الامن وايضا كان هناك الغفير بالزى التقليدى الجلبابوعمة الراس و قاموا بالترحيب بنا وسالوا ايضا عن تصاريح الزيارة للباحثين الاجانب وقامت (د. كورنيليا) بالتحدثببعض الكلمات العربية الممزوجة باللهجة الالمانية وتم الاطلاع على التصاريح منالمفتشين هناك وتوقفناعند بداية المنطقة الاثرية اخذت اتخيل كيف كان شكل هذهالمدينة وهى اهلة بالسكان كان المكان يحملعراقة الماضى حتى الهواء تتنفس التاريخ من خلاله ومن خلال اشكال التلال الرمليةتشعر وكان الارض تخفى كنوز الاجداد لتحميها تشعر ان هناك حياة كاملةمخفية تود لوظهرت كما كانت وقتها لتشاهد حياة لم تشاهدها من قبل وبرغم الصمت الشديد والهدوء الذى يحيط بالمكانتشعر وكانه يتحدث ينطق بكل ماتخفيه الرمال عن الاعين.
بدأنا نتحرك مع القائد (د.كورنيليا)واخذت اتحدث مع واحدة من الباحثات تحمل درجة الدكتوراه فى عالم البردىاليونانى وهى (د. رشا المفتش) وروت لى (د. رشا) عن عملها ببرديات ارشيف سقراط او(سقراطيس )
وهى عبارة عن وثائق رسمية وكان هناك ايضا العديدمن الاشعار واعلان عن وفاة شخص او خطابات شخصية وانقطع الحوار حيث توقفت (د.كورنيليا) عند المنزل الذى كانت تقيم به بعثة جامعة ميتشجان قبل ان تستكمل السيرنحو اعلى مكان كى تحكى لنا عن المدينة.
كان المكان غاية فى البساطة منزلمتواضع جدا ويبعد عن المعبدين هناك بمسافة ليست كبيرة تجمعت المجموعة المكونة من10 افراد تقريبا وبدات تروى عن بداية اكتشاف المدينة والتى تعود الى نهاية القرنالتاسع عشر واوائل القرن العشرين فقد حصلمجموعة من الفلاحين على تصريح من الحكومة للقيام بنقل اجزاء من تربة كوم اوشيمالمتحللة لاستخدامها كسماد للارض وذلك لانها اثبتت بالفعل نتيجة ممتازة كسمادللتربة واثناء العمل باستخراج تلك التربة عثر الفلاحون على بعض القطع الاثرية وبعضالبرديات وتلك البرديات التى الهمت عالمين انجليزيين هما) جرنفل وهنت ) ليتخذا الخطوة الاولى لاكتشاف الاثار وكانالجميع ينصت باهتمام الى ماترويه لنا (د. كارنيليا) عن مدينة (كرانيس ) ولكنهااختارت ان تكمل الحكايات والاسرار فى مكان اخر واخذ كل منا يتجه نحو المعابدويكتشف تلك المدينة والجميع يتحدث ويسال كيف كانت الحياة فى هذا المكان انذاك وقداعطت لنا البرديات التى عثر عليها فى( كرانيس) صورة متكاملة عن الحياة اليونانيةالرومانية ومنها الخطابات التى كتبها العامة الى بعضهم البعض والاطعمة وانواعالغلال التى قاموا بزراعتها والملابس التى نسجوها وصناديقهم الخشبية التى حفظوافيها كنوزهم ومنتجاتهم الزجاجية والفخارية لعب الاطفال الرسوم التى زينت جدرانالمنازل والمعابد .
كما كانت البرديات تحتوى على تفاصيلالحياة ومنها الشكاوى واسماء اهل المدينة الذين يدفعون الضريبة وقد كان هناك اكثرمن ضريبة منها ضريبة الارض والتى كانت تعدمرتفعة الى حد كبير وضريبة الراس وكانتتفرض على الرجال من عمر 14 وحتى عمر 60 وبعد ذلك يتم الاعفاء منها كما كانت هناكايضا بعض الفئات تعفى من الضرائب .
كنا نتخيل انا والمجموعة شكل الحياةمن خلال دراسة كل باحث وباحثة للحياة الاجتماعية حيث كان يتخذ البناء الاجتماعى فىمصر شكلا هرميا يحتل قمته المواطنون الرومان وهم الفئة التى طرات على المجتمعالمصرى بعد الفتح الرومانى وتتكون من كبار الموظفين والجنود ورجال الاعمال والتجاروهى فئة لم تكن كبيرة العدد مقارنة بباقى السكان وكان افرادها يتمتعون بكافةالامتيازات وكان لابد ان نقوم بزيارة لمعبدى مدينة كرانيس المعبد الشمالى والمعبدالجنوبى والمعبدين كرسا لعبادة سوبك الاله التمساح بهيئتى ( بيتسوخوس وبينيفيروس ) وكان معنا احد الباحثين الالمان وهو مهندسمعمارى ويعشق الاثار المصرية واليونانية الرومانية واخذ يصف لنا تخطيط المعبداثناء زيارتنا.
كانت الرحلة اكثر من رائعة وثرية جدابالمعلومات مر الوقت سريعا لم نشعر به من شدة الاعجاب بالمدينة وحكاياتها شعرت انى بالفعل قد انتقلت بالزمن الى التاريخالقديم وعاصرت اجواء جديدة ادهشتنى معرفتها لم امر بها من قبل وفى نهاية الزيارةتوجهنا للعودة الى السيارات التى حملتناالى هذة المدينة الساحرة وقمنا بتوديع الحراس ورجال الاثار والامن وشكرناهم جميعاعلى المجهود العظيم لحمايةالمدينة وحمايتنا ونحن نحمل الحكايات والاسرار الشيقة واخبرتنى (د. كورنيليا) انهاسوف تعود مرة اخرى للزيارة واخذ الجميعيتحدث باعجاب عما شاهدناه فى هذه الزيارة وعراقة المكان وعظمة الحضارة وشعرت ببعضالجزن وانا مغادرة وكان المكان يدعونىللعودة اليه وينادينى ولكن سرعان ما تبددالحزن بالفرحة وأنا أجد أن معظم الفريق سوف يكرر الزيارة وأنها كانت ناجحة وقد حازت على إعجاب الجميع .