فاتن شوقي تكتب
ديوان "جرة قلم" للشاعرة"زهرة يونس"الصادر عن دار الإسلام للطباعة والنشر، ديوان باللغة العامية المصرية يفتح شهية القارئ للغوصفي بحوره والإبحار في عوالمه المختلفة، فقد عرج بنا الديوان بقصائده" الستوالخمسين" إلى سماوات الوجع والقهر مرة ومرات يمشي بنا نحو الأمل المتمني ،ومرات يترك أبوابه مفتوحة لندخل منها كيفما شئنا .فالشاعرة في هذا الديوان قداتخذت ثلاثة مسارات استطاعت عبرها بث روح الحالة التي تريدها،وهي:
1ـ الذاتية المفعمة بالغنائية .
2-النقد الداخلي لشخصيات المجتمع .
3-رصد حالات القهر المجتمعي بصبغة سياسية منكسرة :
فالذاتية تتحقق بشكل كبير في الديوان . وهنا نقر حقيقة أن الأنثى مهمااصطدمت بأحجار الفساد والقهر و السياسة، لابد ها لها من مساحة فيض أنثوي ،وبصمهخالصة بها تعبر عن وجعها النفسي ،فقد لجأتإلى البوح العذب عن حالة الحب كما فيقصيدة "أشواق" تقول: (مابين الشهقة و الشهقة/ جناين شوقي ليك سابقة/خطاوي الحيرة والحرقة/ لدقات الغرام سارقة) . و يصاحب الشعر التمرد عندها ليعلوفوق حالة التفاني لتثبت قوة الأنثى عندها حين تقول في "جرة قلم" ثائرة (جرة قلم/بيها هصالح مهجتي/ وهخاصم الجرح ال/عشش ع العتب/واغزل بياض توبى/واغازلالفرح ال/مخفي ورا العتب) وكعادة الأنثى الشاعرة ، القدرة في التعبير بمهارة عن حالات خيانة الحبيب فتقول فيقصيدة " عمى الدقات "جراح قايدة/ تطفي السعد في لقانا/ وتحيي جفاه/ يعديالعمر تلقانا /على ذكراه .
الديوانبين روح بيرم وصياغة جاهين:
تسري روح الشاعر الكبير" بيرم التونسي"في جسد الديوان، حين تتجول الشاعرة في نسيج المجتمع بطبقاته ،فلم تسكن ثورةالشاعرة عند الوجع والقهر والعتاب للحبيب فقط،إنما مدت أوتار النقد اللاذع والهجاءوالسخرية الضاربة في جذور الواقع، فصادقت الفلاحة الشقيانة والعامل المطحون والدجالة صاحبة الودع ،كقولها على لسان ذكوري واصفة مأساة : ( مش هحكي غناوي وأقول موال/ أنا سايبزوجة وست عيال ، محروم من نيلك ..من خيرك/ لأجل ما يشكوا من ضيق الحال) وقولها في قصيدة "العرض الساري" موجهةسهامها إلى بعض الإعلاميين الذين يفسدونالذوق العام بقولها (مافيش حد همك /تبيع البضاعة/وإعلامنا شاري/ يحلي في مُرك/ بفنوبراعة/ يتاجر في وهمك /أوكازيون خلاعة/وأهو العرض ساري) وتصب سهامها علي من يهوىالشهرة في قصيدة الشهرة: (من كتر هوايتك للشهرة/ عمال تتكعبل/ومفكر روحك / بالقدرة.. هتخم الناس/ كان غيرك /أشهر م الجمرة/ بالوحدة اتكعبل/ ويداري ملامحه/ورا ضحكة/ فاقدة الاحساس) و تجدها في بعض القصائدو خاصة الرباعيات تحاكي الشاعر الكبير " صلاح جاهين "وتقترب من منطقته،و تدخل رباعياته ولكن بخصوصيتها الشاعرية ،تقول في " فصيدة مواطن"(عايش حكاوي ملخبطة / والفوضى ليك متخططة/ وإن قلت مرة . حقي فين/ تسمع تُهم ..متظبطة).
وقد تلجأ الشاعرة للغنائية بالروحالجاهينية،كقولها (قالوا الشعر دا وزنوقافية/وانا مداح فلاح بلا قافية/ كلمة وليها ييجي مية مغزى/ عند اللي بيفهم .. لامؤاخذة،) ويتقمص الديوان هذه الروح عبرلغة لاهثة صادمة ناقدة ثائرة متعاطفة معالمواطن الإنسان المطحون، فتتضح الفكرة مباشرة، دون حواجز أو حجاب أو تأويل ،لأنأرضية الشاعرة هي القهر المجتمعي الذي لا يحتاج إلى سدود.
تشريح المجتمع عير زئير اللغة
"النص لغة" كما يقول دكتور "مصطفى ناصف"، واللغةهي المعبر الدلالي عن محتوى النص ،وديوان "جرة القلم" استطاع أن يطوعاللغة الشاعرة لحالة القصيدة ،واتخذ منها أداة صارخة تزأر للتعبير عن حالات غربةالذات الممتدة لغربة الوطن كما في قصيدة "بدور على الوطن" حين تقول (تايه جوه القلوب / بدور ع الوطن/ لاقيت ضهري اتحنى/ ولا شفتش غيرمحن/ دارت فرح الغلابة / جوه جيوب الكفن.) ويتجلى الوجع المعيشي واللوم الدائم لمن تسبب فيانكسار الذات وانكسار الوطن بشكل عام داخل الديوان بلغة معبرة كقولها (قبلة شراعك تاهت/هرمك يناديها/ الفرحة ..لونها باهت/ابنك معاديها/والنبت لما طابت/ ضيع معانيها) وكذلك عبرت اللغة عن معنى الانتماء الخالص للوطنو القضايا الأخرى ، وتنوعت بين الزجل كمافي قصيدة "خيرة الجند": قالوا الشعر دا وزن وقافية/ وانا مداح فلاح ..بلا قافية/ كلمة وليها ييجي مية مغزى/ عند اللي بيفهم .. لا مؤاخذة ). وقد تأتي اللغة في ثوب القصيدة الغنائية التيتحمل رتما معينا تتغنى به النفس ، مثل قصيدة وعد،تقول ( هبعد عن حضنك وانا عارفة/مش شايفة /وعد .. حنين.. حب / انا راجعة لك/ دانا قبل ماهبعد جايالك) .وقد تسكن اللغة قضية الشعر مثل قولها (منطقي/ أن المشاعر تنطفي / والخوف يحزم خصرك/ المصلوب شقا / وملاحك الدافية البريئة تختفي ) لكن الغنائية المفرطة تجعل اللغة داخل القصيدةمشبعة بالقوافي مما يضر بالصورة الشعريةأحيانا ،فيوقعها في منطقة الاستهلاك اللغوي، والمباشرة وخاصة في القصائد القصيرةجدا مثل القول (من جرح سكين الهوا / بترفآهات ودموع عينيا/ اتحجرت جوا السكات ) كما تتناثر أفعال الأمر بكثرة داخل أروقة الديوان ،والتي تقترب من صفة الإرشاديةفي بعض القصائد ،وقد تعلوا و تنصهر مع صياغة القصيدة فلا نشعر بهذا الوعظ المباشر،كقولها في محاولة يث الأمل في الروح (ارسم مشاعرك ع الورق / لونّها بالفرح السخي/تطرح بدارة .. المعجزات/ويطيب لها / القلب الشجي.)
هذاالتنوع في اللغة يعلن أن بداخل الشاعرة طاقات فنية و قدرة على صياغةالفكرة ،واللغة تسكن الصورة الشعرية وتحفر ملامحها مثل (أنين الغربة يتحنى / بلون الصبر / جنين الفرحةيتكفى/ مصيره القبر/عريس يتزف للجنة / ودمه القبر.
"جرة قلم " ديوان بنبض الشعب :
ديوان "جرة قلم" هو ديوان شعبيبالدرجة الأولى ،يناسب كافة الطبقات و يصالح الإنسان عبر قدرة الشاعرة الفنية فيالتعبير عن الوجع النفسي والاجتماعي والسياسي الذي يسكنه، ولكن الشاعرة سلكت طريقالغنائية والسعي الدائم عبر القوافي الداخلية التي تتماشي مع القوافي الخارجية،فبدت ثقلا وعبئا على بعض القصائد التي تشعر القارئ بأن القافية فيها مقحمةومصطنعة مثل قولها (لاقتني فجأة بقت رقم /واخترت لي خانة عدم) وكذلك (تشطب رتوش طايشة/ خدعت رموش عايشه).
لذلك تجد القصيدة تبعد قليلا عن قصيدة الشعر وتقترب كثيرا منالقصيدة الغنائية، وربما سعت الشاعرة لذلك ،لأنها أنسب القوالب للتعبير عن معاناةالمجتمع المباشرة ،دونما التفاف أو اعوجاج، حتى تصيب الهدف و توضح الفكرة و تفجرالجرح، فجاءت الصورة مباشرة تقريرية تصور الحالة المعاشة ،كختم وصك وتوثيق للقضية عبر القصيدة، وبرغم ذلك علتالصورة في أبيات كثيرة كما قصيدة دم الغزال تقول ( زى فرح غزالة شاردة/ في البراريوالجبال/ اتصلب فيها النفس/شوهوا فيها الجمال/ واللي معزوم ع الوليمة / شربوه دمالغزال.