القاهرة 06 يونيو 2017 الساعة 11:14 ص
د. هويدا صالح
حين يتحول الإعلاميون إلى دواعش يفتشون في النوايا، ويحاسبون من يُلحد ومن يُؤمن، فنحن لسنا فقط على حافة الخطر، بل في عمق الخطر، فالإعلامي الذي من المفترض أنه صوت التنوير ومحاربة الأفكار المتطرفة والداعشية يتحول ببساطة إلى مفتش في نوايا ضيوفه، ويحاول أن يكشفهم أمام الشعب، بل قل: أن يسلمهم للارهابيين حتى يصفوا حساباتهم الظلامية معهم!!.
سنوات طويلة يعاني العالم العربي من برامج المقالب والسخرية منذ أن انتقلت إلينا من الغرب من خلال تقليد برامج" الكاميرا الخفية" لكن جرى العرف أن الإعلاميين الذين يقدمون هذه المقالب، وهذه البرامج يأخذون موافقة الضيوف قبل إذاعة الحلقة، لكن ما حدث مع الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة لم يكن بموافقته، وتمت إهانته على الهواء مباشرة، وطالبوه أن يعلن إسلامه، وينطق بالشهادتين أمام الكاميرا، بعد أن أُشِيعَ عنه أنه أعلن إلحاده، فنصّب الإعلاميون من أنفسهم حكاما وقضاة وفقهاء ومفتشي في النوايا من أجل أن يحاسبوه أمام ملايين من العامة والبسطاء الذين قد تأخذ أحدهم الحماسة ويترصد للرجل ويقتله!! ألا نذكر ما حدث مع المفكر المصري فرج فودة حينما قُتل على يد من لا يعرفه ولم يقرأ له حرفا؟ ألا نتذكر أن من اغتاله اعترف أنه سمع شيوخه يقولون له إن فرج فودة كافر؟ ألا نتذكر واقعة محاولة اغتيال الأديب المصري العالمي الكبير وصاحب نوبل "نجيب محفوظ" حينما حاول أحد الشباب اغتياله، فقط لأن شيوخه أخبروه أنه فاسق ويكتب ما يدعو للإلحاد؟! ماذا أراد هؤلاء الدواعش من رشيد بوجدرة؟ هل أرادوا فعلا أن يُسلموه للعامة والدهماء كي يقتلوه على هويته الدينية؟!لا يعقل أن نصمت على هذه الأداءات الإعلامية الداعشية التي تنصب من نفسها حكاما؟ لا يعقل ككتاب ومثقفين أن نصمت على فعلة مثل هذه وأن نتركها تمر مرور الكرام دون فضح الإعلام الفضائحي الذي يكرس للهمجية وتغييب الوعي والتفكير الخرافي، ويحارب الفن والأدب والثقافة والتفكير العلمي؟!.
إن الإعلام العربي بات يروج لكثير من الخطابات السطحية والتافهة بغرض تغييب وعي الشعوب، وهزيمتها النفسية؛ كي تتقبل مطرقة الاستبداد الديني والاستبداد السياسي.
لا حرية ولا ربيعا عربيا ولا كرامة إنسانية للشعوب العربية حتى يُدرك الإعلام دوره الخطير والمؤثر في الجماهير.
أذكر قبل شهور أنني كنت أسير في شارع" 26 يوليو" في قلب القاهرة، وقابلني شابان أراد إجراء محادثة معي أمام الكاميرا، فأول سؤال سألته لهما لأي قناة أنتم، فأخبروني أنهم يسجلون لصالح "القاهرة والناس"، فكان السؤال التالي لأي برنامج، فقالوا أنه لبرنامج "نفسنة" فاعتذرت منهما، وقلت لهما في حرج واضح: أنا كاتبة وأكاديمية ولا يليق بي أن أظهر في برنامج ساخر، فسامحوني لن أسجل معكما. تفهم الشابان ما قلت لهما وشكراني وانصرفت لحالي، لكن لو أنني سجلت معهما دون أسئلة حول القناة والبرنامج كيف كان يصبح شعوري ساعتها، وخاصة أن السؤال كان عن علاقة الرجل بالمرأة، وحتما كان يمكن أن أتحمس وأشارك بخطاب نسوي منحاز للمرأة، تخيلوا معي ضيفة تحدثهم بخطاب النسويات، وتذكر لهم مقولات جوليا كرستيفا وسوزان برنار وسيمون دي بوفوار وغيرهن في برنامج تعلن فيه "انتصار" و"هيدي" و"بدرية" بضحكاتهن الصاخبة عن مواقفهن مما يحدث بين الرجل والمرأة؟! حتما هذا موقف لم أكن أحب مطلقا أن أوضع فيه، فما بالك بخطاب تكفيري داعشي إرهابي تعرض له الروائي الجزائري رشيد بوجدرة؟!
لذا كنت من أوائل من تضامن معه عبر التوقيع على البيان الذي رفض فيه المثقفون العرب ما حدث لبوجدرة، وأتمنى أن يتبنى اتحاد كتاب العرب وبقية اتحادات الكتاب في العالم العربي هذا الموقف حتى يتوقف هذا العبث غير المفهوم!.