القاهرة 06 يونيو 2017 الساعة 10:29 ص
في ظل إعلان رأس الدولة أن عام 2017 هو عام المرأة فهل ثمة خطط للقائمين على تحليل الخطاب في مؤسسات الثقافة المختلفة أن يقوموا بتحليل خطاب الأمثال الشعبية التي تنال من المرأة وأن يكشفوا عنها بهدف تغيير الصورة الذهنية للمرأة في الأمثال والثقافة الشعبية؟!
ثمة خطاب ضدي يؤدي للتمييز ضد النساء ففي الأمثال الشعبية التي هي صوت الشعوب والمعبر عما تؤمن به من أفكار وأيديولوجيات، وتأتي خطورة هذا الخطاب الضدي من أن الأمثال الشعبية سريعة الانتشار والتأثير في مختلف الفئات الاجتماعية ، لسهولة تمثله واستيعابه ولبنائه التركيبى وقدرته التعبيرية التى تجعله يعكس مختلف أنماط السلوك البشرى ، ثم لاستمرارية حضوره وانتقاله من جيل لآخر ، إضافة إلى طبيعته المتميزة بالتكثيف وبقدرته المجازية الكبيرة ، ويعبر هذا الخطاب عن الواقع ويختزن صوراً مختلفة عن الواقع البشرى ، من ضمنها صورة المرأة .. ونقصد بهذه الصورة هنا ، ذلك البناء الذهنى الذى يتم على مستوى الذاتية والرمزية والخيال ، والذى يرتبط بالواقع الإنسانى .. من منطلق أن الإنسان بقدر ما يعى العالم المحيط به وعياً مباشراً ، من خلال حضور الأشياء بذاتها فى العقل ، فإنه يعيها بطريقة غير مباشرة ، حيث تتواجد الأشياء فى الشعور عبر الصور .
وبالنظر إلى خطاب الأمثال ، فهو فى جوهره خطاب ذكورى ، ودراسة الأمثال الشعبية تتيح الكشف عن صورة المرأة فى المجتمعات العربية وفق مبدأ المركزية الذكوريةandrocentrique ، هذه الصورة التى تنتقل من جيل لآخر ، عبر فعل التنشئة الاجتماعية ، والذى تشكل الأمثال الشعبية أحد روافده الأساسية . والمفارقة أن المرأة مسؤولة إلى حد ما عن تكريس صورتها السلبية ، باعتبارها فاعلاً أساسياً فى مجال التنشئة الاجتماعية ، فالوضع الدونى للمرأة فى الأسرة والمجتمع ، لا تعبر عنه الأمثال الشعبية ( والثقافة الشعبية بشكل عام ) فحسب ، وإنما تعمل على تكريسه ، بفعل التنشئة الاجتماعية ، ووصف المرأة باعتبارها الكائن الناطق الأكثر خضوعا للتقاليد والأعراف والعادات وللموروث الثقافى بصفة عامة .
وما هى صورة المرأة العربية فى المعتقد الشعبى ؟
المعتقدات الشعبية إرث تناقله الأبناء عن الآباء والأجداد ، فلازمهم طوال مسيرة حياتهم ، وأصبحت المعتقدات هاجساً يشغل بال الناس ويسيطر على تفكيرهم فيشعرهم بالتفاؤل والفرح حيناً ، والخوف والتشاؤم حيناً آخر، وهناك الكثير من المعتقدات الشعبية الخاطئة عن المرأة في المعتقد الشعبي العربي ، فكثيراً ما تصورها الأمثال الشعبية العربية على أنها كائن ضعيف خاضع للرجل ، والمثل الشعبى يقول " لما قالو لى ولد انشد ظهرى واتسند واما قالو لى بنيه انهدت الحيطه عليا " ، وهناك الكثير من الوسائل التى تسهم فى توجيه ثقافة الشعوب ونظرتها للمرأة العربية ، وعلى سبيل المثال نجد أن الأمثال الشعبية العربية قد تناولت العديد من الموضوعات والمعالجات التى كان لها تأثير مباشر وغير مباشر فى تكوين فكر وقناعة الشعوب العربية .
وعند تناول الأمثال الشعبية العربية بالدراسة نجدها تتعرض للمرأة ومكانتها تعرضاً كبيراً ، واختلفت الأمثال الشعبية العربية فى تناولها لقضايا المرأة ، حتى نجد أن هذا التناول يصل إلى درجة عالية من التناقض والتطرف أيضاً .. فهناك أمثال شعبية عربية عظمت من مكانة المرأة ورفعت قدرها وجعلتها صاحبة الدور الأساسى فى تكوين الأمم العظيمة .. وهناك أيضاً مجموعة كبيرة من الأمثال الشعبية التى تكرس من دونية المرأة وتقلل من شأنها بناءً على الثقافة السائدة فى المجتمعات العربية والتى تعلى من قيمة الرجل وتميز بينه وبين المرأة ، رغم أن هذا الإعتقاد يخالفاً ما نادت به الشريعة الإسلامية التى كرمت المرأة منذ بداية الإسلام ، كما أن للمرأة مكانة كبيرة فى المجتمع بسبب حرصها على شغل الوظائف والمناصب القيادية المنافسة للرجل ، وكثيراً ما تنادى المنظمات الاجتماعية بالحفاظ على حقوق وواجبات المرأة والمساواة بينها وبين الرجل والاهتمام بقضايا المرأة وعدم التمييز بينها وبين الرجل وعدم العنف ضد المرأة ، ومازالت المجتمعات العربية تعمل على ترسيخ القيم والعادات الاجتماعية الخاطئة ، وتعمل على نقل الأمثال الشعبية التى تقلل من وضع المرأة رغم ما يشهده العالم من تقدم وتطور.
.يجب أن تعي الدولة عبر منظومتها الثقافية أهمية اتخاذ كافة التدابير التى تضمن الحقوق المدنية والسياسية العادلة للنساء على جميع المستويات وإتاحة الفرصة العادلة لتعيين المرأة فى كل مواقع اتخاذ القرار كنائبة لرئيس الجمهورية ورئيسة للوزراء ووزيرة ومحافظة ورئيسة مدينة وعمدة ورئيسة جامعة ومديرة ، وغير ذلك من المناصب القيادية فى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
بل يجب ِأن تطلع مؤسسات الدولة بدورها التنويري والثقيفي، لإيقاف مثل هذه الخطابات التي تنال من المرأة بالتصدى الثقافى والإعلامى والدينى لكل دعاوى الردة إلى الوراء التى ترمى إلى تهميش المرأة وحرمانها من مكتسباتها التى حققتها طوال قرن ونصف من النضال الوطنى للمصريين نساء ورجالاً.
إن إعلان رئيس الدولة أن العام 2017 عام المرأة يجعلنا نشدد على أهمية أن تحرص مؤسسات الدولة على ضرورة احترام وتقوية وإعمال القانون وتنفيذ أحكامه القضائية خاصة فيما يتعلق بحقوق الأسرة والطفل والمرأة وبما يوفر الأمن المجتمعى ويمنع العنف , وان يتخذ هو وحكومته الاجراءات التى تؤدى إلى تغيير الموروثات الخاطئة التى تسئ إلى صورة المرأة والتدنى بها