القاهرة 30 مايو 2017 الساعة 01:20 م
الفن الشعبي هو ممارسة جماعية شأنه شأن الممارسات الاجتماعية الأخرى ، والتي يلجأ إليها المجتمع الشعبي في حياته اليومية ،بالإضافة إلى أن إنتاجه الفني يكتسب معظم صفات وخواص المكان وسمات الإنسان. فالفن الشعبي يشكل جزءاً من تراث الإنسانية ،فهو يمثل تقاليدها ،وذاكرة شعوبها ،والمتحف الحي لحضاراتها ،وهو عرضه للتبدل والتقلب مثل الكائن الحي ،أو يتغير إطاره ويوائم ويحور ،فهو يعتبر صورة للإنسان الذي يبدعه .
والإبداع في الفن الشعبي له صفة خاصة تتمثل في تأثره بظروف البيئة التي تحيط به ، فهناك عوامل تؤثر أحياناً على المهارة المكتسبة والعادة الموروثة للفنان المبدع ،وتدفعه الخبرة إلى التجربة ثم إلى الخلق والابتكار(9) .
وقد شملت الفنون الشعبية ملامح الثقافة المادية ،مثل أساليب الزراعة وأشكال العمارة وعلاقتها بالأجناس وبالتقاليد المتوارثة عبر الزمان .وبالإضافة إلى ذلك شملت التقاليد المنقولة شفاهة أو كتابة على مر الأجيال ،وعبر وسائل التعبير التلقائية التي ابتدعها الوجدان الإنساني. وحديثاً اتسعت الفنون الشعبية لتشمل الأعياد والموالد والرقصات الشعبية ،وكذلك الأساطير المحلية والحكايات الخرافية ،والحكم والأمثال والطرائف ،مما يشكل عقلية الإنسان الواعية واللاواعية لمجتمع ما وفى عصر معين.
وكانت الحركة الرومانسية قد صورت مفهوم الفن الشعبي الذي يشكل عنصرا أساسياً في مذهبها ، على أنه يمثل ظاهرة " طبيعية " في مقابل الظواهر المصطنعة ،فنظراً لأن أنواع من أنماط الفن ومنها الأغاني أو الرسوم الشعبية لا تنسب إلى مؤلف محدد ،فذلك في رأى الرومانسيين هو دليل على قدرة الجماعة على الإبداع التلقائي(10) .
فالفن الشعبي هو أداة أثيرة الإبداع والتعليم ونقل القيم ،نظراً لقدراته الشعرية وقوته الرمزية ،وهو بمعناه الواسع المتمثل في ثقافة تقليدية وشعبية لا غنى لنا عنه ،إنه المرآة التي تكشف عن أصولنا وجذورنا ، وهو يصدر عادة عن جماعة معينة وينهض على التقاليد ،وتعبر عنه الجماعة أو بعض أفرادها كانعكاس للذاتية الثقافية والاجتماعية للمجتمع. وتنتقل معايير الفن الشعبي وقيمة شفاهه أو بطرق المحاكاة أو بطرق أخرى.ومن أشكاله الأدب والموسيقى والأساطير والحكايات والرسم والمعمار وسائر الفنون اليدوية والتشكيلية.
والخلاصة أنه يمكن القول أن الفن الشعبي كالإنسان صاحبه ،فهو فن ينبع عن إحساس إنساني ليوقظ به شعور الآخرين ،وذلك بحساسية قادرة على تجسيد الحقائق المرئية ،بالإضافة إلى التصورات الذهنية للمأثورات الشفهية ،أو بالإضافة أيضاً إلى نوعية من الفن يمكن من خلالها توظيف خامات متعددة لتخدم بإنتاجها المجتمع في حياته.
الفنون الشعبية.. لماذا ؟
بعد ما سبق من وصف لماهية الفنون الشعبية كان لابد من أن نخصص الكلام عن أوجه الأهمية لدراسة الفنون الشعبية (موضوع البحث ) بصفة عامة أولاً:-
1-إسهام الفنون الشعبية في دراسة تاريخ الثقافة والحياة الاجتماعية.
2-دراسة الفنون الشعبية تقدم تحليل بعض عمليات التغير الثقافي والتخطيط (العوامل ـ السرعة ـ الاتجاهات ـ النتائج)(11) .
3-موضوعات الفن الشعبي عالمية ولكن تفاصيل المعالجة الفنية وطريقتها ،هي التي تحمل الطابع المحلى ،وبالتالي فهي تهتم بدراسة الطابع القومي وتحليل علاقات التفاعل المتبادل بين الثقافات(12) .
4-لدراسة الفنون الشعبية أثر كبير في خدمة قضايا التنمية وتطوير الثقافة المصرية.
5-المأثورات الشعبية مادتها ما كان موجوداً في الماضي وما زال يمارس في الحاضر وإن أصابه بعض التغيير. فبتقدير أن الحياة الاجتماعية في تغير مستمر فالمأثورات الشعبية بطبيعتها مادة حية ،مستمرة ،جارية ،تنمو بنمو المجتمع لا فضل فيها لجيل سابق على جيل لاحق ،ولا يتميز فيها جيل لاحق على جيل سابق. فالكل يصنع حلقة متكاملة هي الشكل النهائي للعمل الشعبي الفني ،أبدعها الشعب تلقائياً ،ويصور من خلال موضوعاتها قصة الحياة على أرضه ، وتحمل قيمها عناصر من مقومات وجوده الإنساني الحي النشيط .
6-الفن الشعبي هو كما قال " وليم جون تومز" في مقدمته المطولة لتعريفه " دراسة مخلفات الماضي الذي لم يدون"(13) ،فهو ذلك الجانب من الثقافة الذي يطابق المأثورات القديمة ،وبخاصة المأثورات الروحية خاصة " التراث الشفوي" ،وبذلك فهو امتداد للماضي وحضاراته التي قد تكون فرعونية أو قبطية أو إسلامية ،فهو البوتقة التي تلتقي فيها هذه الحضارات فأسطورة إيزيس وأوزوريس هي في الأصل فرعونية ،ولكنها امتدت حتى أصبحت من المأثورات في الفن الشعبي (14) ،كذلك حكاية الملك عمر النعماني التي تعكس أحوال الدولة الإسلامية في حقبة من التاريخ ،تدهورت فيها أحوال الدولة في الداخل والخارج(14). وكل هذه الحكايات يلاحظ أن للحب والكراهية فيها الأثر الكبير والعظيم ،في تحريك وتوجيه الأمور حتى امتدت لتشمل الأمور السياسية للدولة وقيام الحروب والمعارك.
7-للحب والكراهية دور عظيم في الفن الشعبي المصري بصفة عامة ،وفن المعلقات النسجية بصفة خاصة ،فيمكن اعتبراهما أصول وأساس التراث الشعبي المصري ،وكل هذا سيتضح لنا فيما بعد من خلال البحث .
فالشعب المصري قد عبر عن اهتمامه الروحي (الممثل في الحب والكراهية) بحوادث عصره في كل حقبة من تاريخه ،ويلاحظ أن جوهر مشكلة الشعب واحد في جميع العصور ،فهو دائماً يكره الظلم والسيطرة الغاشمة ويصارعها ،ويحب الجمال المتمثل في كل شيء جميل ،أي ما يؤدى إلى الحياة الاجتماعية السعيدة.