القاهرة 30 مايو 2017 الساعة 12:03 م
" ولما أتاه خبر استطلاع رمضان ، رفع يديه متضرعا وقال " اللهم بلغنا شوال .. وراح يكررها حتى قلنا : ليته سكت " ( من كتاب الشوق الرمضانى ) بهذه التغريدة الباسمة داعب الأديب أحمد أبو خنيجر رمضان عبر صفحته على الفيس بوك ، وربما كانت هناك آلاف التهانى ، غير أن ما يلفت النظر ما يشذ عن القاعدة ، وما يخرج عن المألوف ، فطبيعى أن يمدح الشعراء رمضان ويتغنوا به وتمتزج روحهم بروحانياته ، لكن المدهش أن بعض الشعراء الذين يتبعهم بعض الغاوين ، مزحوا وسخروا وضحكوا من فكرة الصيام ، ولكن ديوان الصوم لم يحفل كثيرا إلا بالشواهد الغريبة ، ولم تحفظ ذاكرته إلا المزاح ، بل إن كتاب " المراح فى المزاح " يروى قصة لطيفة عن أحد صحابة رسول الله ، فيقول الكتاب " وشكى عُيَيْنَة بن حصن إِلَى نعيمان صعوبة الصّيام فَقَالَ: صُمِ اللَّيْل فُروي أَنه دخل عُيَينة على عُثْمَان وَهُوَ يفْطر فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ: العَشآء فَقَالَ: أَنا صَائِم فَقَالَ عُثْمَان: الصَّوْم بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَ: هُوَ أَخفُّ علَّي"
_ الشاعر النصرانى :
هو الشاعر العربى الكبير جاك صبرى شماس ، والذى اشتهرت قصيدته فى مدح المصطفى ، والتى يقول مطلعها :
يممتُ ( طهَ ) المُرْسَلُ الروحانـي ** ويُجلُّ (طه) الشاعـرُ النصرانـي يا خاتمَ الرسل الموشـح بالهـدى ** ورسـول نبــــــلٌ شامـخٍ البنيـان نفس الشاعر يصادف رمضان ، فيقول في قصيدته: "أكرم الشهور"، مجلة الوعي الإسلامي العدد 409:
أَطْلَلْتَ وَجْهًا مُشْرِقًا رَيَّانَا وَغَمَرْتَ أَفْئِدَةَ الشُّعُوبِ حَنَانَا
وَسَمَوْتَ بِالأَنْدَاءِ تَرْفُلُ بِالشَّذَا وَتَسِيلُ فِي ثَغْرِ الوَرَى قطرَانَا
ــ ولا يذكر شعر رمضان وننسى ما نسب أبى العتاهية ، وأحيانا للمحاربى ، حدث بعض الرواة قال: دخل المؤمل بن أميل المحاربي مسجد الكوفة في يوم جمعة، وقد نمى إلى الناس خبر وفاة المهدي، وهم يتوقعون قراءة الكتاب عليهم بذلك، فقال رافعاً صوته:
(مات الخليفة أيها الثقلان) قال فقال جماعة من الأدباء: هذا أشعر الناس; نعى الخليفة إلى الجن والإنس في نصف بيت، وأمده الناس أبصارهم وأسماعهم متوقعين لما يتم به البيت فقال: (فكأنني أفطرت في رمضان)
قال: فضحك الناس به، وصار شهرة.
ــ هل يصوم الحمار ؟
ومن أطرف ما تجده حول الصوم ، ما جاء فى كتاب " التحف والهدايا "لأبى بكر محمد بن هاشم الخالدي، ، و أبى عثمان سعيد بن هاشم الخالدي ـ في ذكر من استهدى شيئا فمنع منه أو مطل به فذم واستبطأ بشعر
قال: أهدى أبو جعفر بن سطام إلى إبراهيم بن عيسى الزمن حمارا فلم يحمده، فكتب إلى أبي جعفر يذم الحمار ويعرض بأبي الصقر بن بلبل، وكان يعاديه:
قل "لأبي جعفر" في عيركم ... خمس خلال من "أبي الصقر"
مبلد يغمز من حقوه ... مع رقة الحافر والظهر
فامنن لهذا العير يا سيدي ... بقوته للشهر والدهر
فوقع: ليطلق له العلف في كل شهر. قال: فتأخر في بعض الشهور، وكان في شهر رمضان، فكتب إلى أبي جعفر:
يا "أبا جعفر" بعيشك هل أبــــــــــــــــــصرت عيرا يصوم شهر الصيام
جاءني الصك للحمار ولكن ... لم أحصل سوى استماع الكلام
فعلى حسب ذاك سوف أجازيــــــــــــــــــــــــــك وآتيك شاكرا في المنام
فأمر أن يسلف لعشر سنين.
أما عمر بن عبد العزيز ، فقد امتنع عن مقابلة الشعراء ، فقال له ضيفه : يا أمير المؤمنين إن رسول الله مدح فأعطى وفيه أسوة لكل مسلم قال صدقت فمن بالباب ، فأخذ يعدد له ، وعمر يرفض بعد أن يستشهد بشعركم على فساد عقيدتهم ، حتى قيل له الأخطل ، فقال : أليس هو القائل
ولست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيسا بكورا ... إلى أطلال مكة بالنجاح
ولست بقائم كالعبد يدعو ... قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح.
ــ ليله ونهاره :
غير أن العجب كل العجب فيمن يغضبه الصوم نهارا والتراويح ليلا ، فهذا محمد بن إسحاق الطرسوسي ، وكان ماجنا خليعا:
نهار الصيام حلول الشقاء ... وليل التروايح ليل البلاء
تمارض تحل لك الطيبات ... وبعض التمارض كل الشفاء
وإن كان لا بد من صومه ... فأكثر من الصوم بعد العشاء
أنا الطرسوسي طر الهدى ... وسوس التقي وأبو الأشقياء «
وربما لم يستقبل شاعر شهرنا الكريم أسوأ من ابن الرومى ، ومن طالع ديوانه سيجد ذما وذما وذما فى رمضان ، ورغم ذلك يجرؤ على تهنئة الخلفاء والسادة بقدومه ، ولذا وجدنا "الراغب الأصفهانى " فى "محاضرات الأدباء " يذكر ابن الرومى بعد ذكره لهذه الواقعة لمجوسى "
أسلم مجوسي فأطل عليه شهر رمضان فعجز عن الصوم فقيل له: كيف ترى في الإسلام؟قال:
وجدنا دينكم سهلاً علينا
شرائعه سوى شهر الصيام
ويقول ابن الرومي: شهر الصيام وإن عظمت حرمته
شهر ثقيل ٌ بطيء السير والحركة يا صدق من قال: أيام مباركة إن كان يكنى عن اسم الطول بالبركه!
وجاء فى الأغانى مصير من يبالغ فى كراهيته لرمضان ، فنقرأ: حدثني من شهد المأمون ليلة وهم يتراءون هلال شهر رمضان وأبو عيسى أخوه معه وهو مستلق على قفاه، فرأوه وجعلوا يدعون. فقال أبو عيسى قولا أنكر عليه في ذلك المعنى. كأنه كان متسخطا لورود الشهر، فما صام بعده. قال: أبو عيسى بن الرشيد:
دهاني شهر الصوم لا كان من شهر وما صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الإمام بقدرة على الشهر، لاستعديت جهدي على الشهر
فناله بعقب قوله هذا الشعر صرع، فكان يصرع في اليوم مرات إلى أن مات، ولم يبلغ شهرا آخر.
ولكن لا شىء أعجب مما نقل عن عمرة بنت الحمارس الأعرابية في شهر رمضان:
فقدت شهراً تركَ الأحراحا ....... كل حِرٍ تحسبه ذباحا
مغضّناً لا يعرف الفتَّاح