القاهرة 23 ابريل 2017 الساعة 10:46 ص
بعد 70 عاما من تأسيسه بات صندوق النقد الدولي معتادا على الأزمات المالية وخطط المساعدة الدولية ، وهذا ينذر يانهيار التحالف الثلاثى الذى مازل يسيطر على منطق سياسات الاصلاح الاقتصادى الدولى ما بين الصندوق الدولى والنك الدولى والولايات المتحده لامريكيه، لكن سيكون عليه مواجهة تحد جديد يتمثل في إدارة أمريكية جديدة معارضة لرؤاه. ونقاط الخلاف كثيرة بين إدارة ترامب وهذه المؤسسة التي تضم في عضويتها 189 دولة وتعقد اجتماعاتها الربيعية 2017 بواشنطن. ووعد ترامب بتليين الضوابط المالية التي اعتمدت في الولايات المتحدة إثر أزمة 2008، في المقابل يؤكد صندوق النقد الدولي، أن مثل هذا الإجراء “سيزيد من احتمال” إثارة عاصفة مالية في المستقبل. كما أن صندوق النقد الدولي يحذر من الأثر الاقتصادي للتغير المناخي، في حين تنفي الإدارة الأمريكية صحة ذلك وتريد إعادة تنشيط صناعة الفحم الحجري وتهدد بالانسحاب من اتفاق باريس حول خفض الانبعاثات الملوثة. غير أن أشد المسائل الخلافية بين الصندوق وأهم دولة مساهمة فيه، تتمثل في ملف التجارة الدولية. فمنذ عدة أشهر وأثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية وحتى اليوم، ما انفك صندوق النقد الدولي يحذر من “الانغلاق” الاقتصادي والتضييق على الهجرة أو من شبح “حرب تجارية” ويدافع عن العلاقات المتعددة الأطراف.
ويؤشر كل ذلك إلى تشكيك ضمني في أجندة ترامب، الذي يهدد بنصب حواجز جمركية والحد من الهجرة ويندد بالتبادل الحر، الذي تدافع عنه منظمة التجارة العالمية، ووقع مرسوما للتشجيع على شراء المنتجات الأمريكية للمشاريع الحكومية. وبالرغم من الانتقادات المبطنة، أفلت صندوق النقد حتى الآن من عقاب الرئيس الأمريكي، لكن وزير التجارة الأمريكي فيلبور روس لم يخف في مقابلة حديثة مع فايننشال تايمز نقده. وقال “في كل مرة نقوم بشيء ما لندافع عن أنفسنا يصفون ذلك بأنه نزعة حمائية، هذه تفاهات”. وتحض الولايات المتحدة صندوق النقد الدولي على مزيد من المراقبة لتدخلات الدول الأعضاء في اسواق الصرف وتصحيح عدم التوازن خصوصا التجاري الذي يؤثر على الولايات المتحدة مستهدفة بالخصوص الصين وألمانيا. وقال دوغلاس ريديكير الممثل الأمريكي السابق لدى صندوق النقد “بوضوح تام عبر البعض في إدارة ترامب عن تشككهم التام إزاء تعددية الأطراف وإذا انتصر خطهم، فإن مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي ستعاني”. وتتعارض هذه الخصومة مع التناغم النسبي لسنوات عهد أوباما التي كان يجد فيها صندوق النقد آذانا صاغية في البيت الأبيض حين يدعو إلى رفع الأجر الأدنى الأمريكي ويهاجم غياب المساواة أو يدعو إلى تعزيز حضور الدول الناشئة.
وقال ناتان شيتس، مساعد وزير المالية السابق المكلف القضايا الدولية، “ستكون هناك توترات لكن ثقل الولايات المتحدة لم يمنع صندوق النقد الدولي من أن يتحدث بشكل مباشر وصريح في تقييمه للإجراءات الأمريكية”. ويتمسك صندوق النقد الدولي حتى الآن بموقفه المناهض للنزعة الحمائية، لكنه يسعى أيضا إلى التهدئة، مشيدا بخطة الاستثمارات الموعودة من ترامب والتزامه بخفض الضرائب على الشركات في الولايات المتحدة. وقالت مديرة صندوق النقد كريستين لاجارد 17-4-2017، “إن الرهان على إنعاش الميزانية وإصلاح ضريبي أشاع تفاؤلا”. وقبيل تولي ترامب مهامه كانت مؤسستها رفعت بشكل واضح توقعاتها للنمو الأمريكي (إلى 2,3% في 2017) وأبقت عليها في تقريرها الجديد الثلاثاء رغم “الشكوك” الكبيرة بشأن البرنامج الاقتصادي. وفي الواقع، فإن صندوق النقد الدولي مجبر على خوض اختبار توازن يتمثل في تأكيد استقلاليته دون الخضوع لأكبر دولة مساهمة فيه. ومع أن واشنطن لا تملك الأدوات القانونية لقطع تمويل صندوق النقد، فإنه يمكنها إزعاجه وكبح تحول المؤسسة التي تسعى إلى الانفتاح على القضايا الاجتماعية والبيئية ومنح مزيد من الوزن للصين وروسيا. ويؤكد شيتس، أن “إدارة ترامب ستكون قادرة على التأثير على أجندة الصندوق”. كما يمكن أن يتأثر من ذلك الملف اليوناني الشائك، إذ دعا الأوروبيون الصندوق إلى المشاركة في خطة المساعدة القائمة مع اليونان، لكن على الصندوق أن يقنع الولايات المتحدة بصواب تقديم مساعدة جديدة. وتوقع شيتس “أن تكون الإدارة (الأمريكية) أكثر ترددا في دعم استخدام موارد صندوق النقد الدولي في اليونان”.
هذا وقد التقى كبار المسؤولين الماليين في العالم بالعاصمة الأمريكية 19-4-2017 ، في مسعى لدفع سياسات رئيس البلد المضيف، التي ما زالت تحت التطوير، بعيدا عن الحماية التجارية وكي يظهروا دعما واسعا للتجارة المفتوحة والتكامل. وتضع اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أعضاء المؤسستين، البالغ عددهم 189 عضوا، في مواجهة مع جدول أعمال الرئيس دونالد ترامب، الذي يتصدره شعار “أمريكا أولا”، حيث يعقدون لقاءاتهم على بعد مبنيين فحسب من البيت الأبيض. وقال دومينيكو لومباردي، المسؤول السابق لدي صندوق النقد، الذي يعمل حاليا مع مركز الابتكار في مجال الحكم الدولي، وهي مؤسسة بحثية كندية، “هذه الاجتماعات ستكون كلها عن ترامب وآثار سياساته على جدول الأعمال الدولي”. وأضاف أن مديرة صندوق النقد كريستيين لاجارد تهدف إلى إشراك الإدارة الجديدة في جدول أعمال الصندوق والتأثير على خيارات الإدارة في شتى السياسات. وأصدر صندوق النقد تحذيرات من خطط ترامب لتقليص العجز التجاري الأمريكي من خلال إجراءات محتملة لتقييد الواردات قائلا في أحدث توقعاته الاقتصادية إن سياسات الحماية التجارية ستؤثر سلبا على النمو العالمي الذي بدأ يكتسب قوة دفع. ويهاجم مسؤولو إدارة ترامب في الوقت الحالي تلك التحذيرات، قائلين إن هناك دولا أخرى أكثر تبنيا للحماية التجارية من الولايات المتحدة.
قالت ثاني أعلى مسؤولة تنفيذية في البنك الدولي، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستعمل في غير صالح أجندتها التي ترفع شعار “أمريكا أولا” إذا قامت بتقليص دور الولايات المتحدة القيادي في المؤسسات المتعددة الأطراف ومن بينها البنك الدولي. وقال كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية العامة للبنك الدولي18-4-2017 ، إن اجتماعاتها مع مسؤولي إدارة ترامب لم تكشف حتى الآن عن أي رغبة في الانسحاب من المؤسسات المتعددة الأطراف. وقالت جورجيفا خلال منتدى في بداية اجتماعات الربيع بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “لم أسمعهم قط وهو يقولون ‘نحن نريد الانسحاب‘”. ويهدف اقتراح إدارة ترامب الذي يعرف باسم “الميزانية الهزيلة” إلى خفض تمويل بنوك التنمية المتعددة الأطراف بما فيها البنك الدولي بواقع 650 مليون دولار على مدى 3 أعوام مقارنة مع الالتزامات التي تعهدت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. غير أن الكونجرس الأمريكي هو من سيتخذ القرار النهائي بشأن مستويات الإنفاق في السنة المالية المنتهية في الأول من أكتوبر 2017، وليس البيت الأبيض. وقال جورجيفا إن الميزانية تظهر أن الإدارة الأمريكية تقدر مكانتها في المؤسسات، والولايات المتحدة هي أكبر مساهم في البنك الدولي حتى الآن وتحوز نحو 17% من القوة التصويتية فيه. وقالت أثناء اجتماع مع لجنة بريتون وودز “تجاهل مكانتكم في المؤسسات التي تتمتعون فيها بصوت مؤثر ومهم للغاية لا يتسق كثيرا مع شعار ‘أمريكا أولا‘”. وأضافت أن تمويل البنك الدولي على الأرجح “ليس على رأس” الأولويات الكثيرة لدى الإدارة الجديدة مؤكدة أن البنك يعتمد على التمويل الذاتي في كثير من النواحي. وأشارت إلى أن أحد الأسباب التي ترى أنها ستدفع إدارة ترامب للحفاظ على دورها في البنك الدولي هو عمل البنك على تحقيق الاستقرار في مناطق تمزقها الحروب وللولايات المتحدة مصالح فيها. وقالت “نحن في العراق وأفغانستان، ونأمل أن نكون في سوريا يوم ما، وهذه أماكن تحتاج إلى استثمارات من أجل إحلال الاستقرار، لا أعرف كيف يمكن أن يتضرر أي من مساهمينا بأن يكون العالم أكثر استقرارا”.
تجول نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في أكبر مسجد بجنوب شرق آسيا خلال زيارة لإندونيسيا 19-4-2017 وبعد لقائه بالرئيس ويدودو قال بنس إن إدارته تريد علاقة تجارية أكثر عدلا مع أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا. وإندونيسيا واحدة من ضمن 16 دولة تضعها واشنطن قيد المراجعة لوجود فائض تجاري لصالحها مع الولايات المتحدة. وتشير البيانات الرسمية من وزارة التجارة الإندونيسية إلى أن مجمل المعاملات التجارية بين البلدين بلغ 23.44 مليار دولار في 2016 مع تسجيل إندونيسيا فائضا قدره 8.84 مليار دولار. وتصدر إندونيسيا للولايات المتحدة منتجات أهمها المنسوجات والأحذية والمأكولات البحرية وتستورد منها بالأساس الطائرات والآلات وفول الصويا. وخلال زيارة لمقر رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أكد بنس أن ترامب سيحضر ثلاثة اجتماعات قمة في آسيا في شهر نوفمبر 2017. وأضاف بنس أن ترامب سيحضر قمة آسيان والولايات المتحدة وقمة شرق آسيا في الفلبين وقمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبيك) في فيتنام. وقال إن إدارة ترامب ستتعاون مع آسيان فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والتجارة وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي. وتقول الصين إن لها حقوقا في السيادة على معظم بحر الصين الجنوبي لكن ذلك يتعارض مع مطالبات عدد من دول جنوب شرق آسيا بالسيادة على أجزاء منه.
وهناك نموذجين لاداره الجوانب السلبيه لازمه العولمه الليراليه اولا نموذج السوق الاجتماعى وثانيا نموذج راسمال الاجتماعى .
اولا، السوق الاجتماعى، هو نموذج اقترحة الألمانيان "ألفريد أرماك " ولودفيغ إيرهارت يجمع بين اقتصاد السوق الحر، مثل قدرة اقتصادة متطورة عالية الكفاءة وتوفير المنتجات، وفي نفس الوقت تلافي مساوئ طرق المنافسة الشرسة وعدم السماح بالانفراد بتصنيع المنتجات (منع الاحتكار) ومن استغلال العاملين وذلك عن طريق السماح بتكوين نقابات عمال قوية وعدم السماح لعمليات تجارية تسيئ إلى النظام الاجتماعي. فالغرض من اقتصاد السوق الاجتماعي هو تحقيق أكبر مستوى للرخاء مع تأمين المجتمع والعاملين. وفي ظل هذا النظام لاقتصاد السوق الاجتماعي لا تتصرف الحكومة سلبيا كما هو في اقتصاد السوق الحر، وإنما تتدخل الحكومة على هامش مجرى الاقتصاد الذي يكون إلى ابعد الحدود في القطاع الأهلي المدني، مثل تحفيز النشاط الاقتصادي، وضع سياسات تضمن منافسة أمينة سليمة، وسياسات اجتماعية تخص العاملين والمواطنين. " ويقر وزير الاقتصاد السابق في ألمانيا - وكان قد زار مصر في الستينيات من القرن الماضي بغرض تقديم اقتراحات إلى الحكومة المصرية أنذاك - يقر لودفيغ إيرهارت أن السوق من نفسه إجتماعي. ويوضح تلك الفكرة بتأكيده على أن الاقتصاد يكون أكثر اجتماعيا كلما زادت حريته. أما ألفريد أرماك فهو يرى في اقتصاد السوق الاجتماعي أنه " يحاول الجمع بين مثالية العدالة، والحرية، والنمو الاقتصادي في أنظومة متوازنة معقولة "
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها ألمانيا مدمرة تماما، اتبعت اقتصاد السوق الاجتماعي الذي وضعه لودفيج إيرهار، فأسس المجتمع المدني شركات تساهمية للإنتاج وإعادة البناء تعززها في ذلك المصارف والبنوك، نعرف منها اليوم شركات مثل مرسيدس بنز وفولكسفاجن وباير للأدوية والصناعات الكيميائية، وشركات مساهمة للحديد والصلب مثل كروب وسيمنز وغيرها حتى إنتاج الكهرباء تقوم به شركات مساهمة أهلية تمتلك نحو 19 مفاعلا نوويا لإنتاج الكهرباء. ولكن كل هذا ليس إلا الجزء الصغير مما يظهر من جبل الثلج فمعظمه تحت الماء. إذ تعززها شركات أهلية تبدأ صغيرة ربما ب 5 أشخاص وتكبر وتنمو مع الأيام والسنين لتحوي بعد ذلك 200 عامل مثلا. تقوم تلك الشركات المتوسطة بإنتاج قطع تحتاجها المصانع الكبيرة فتشتريها منهم مرسيدس مثلا وتركبها في سياراتها من ضمنها الزجاج مثلا أو جلود الكراسي أو زيوت التشحيم أو الاطارات. وتقوم تلك الشركات المساهمة المتوسطة أيضا بإنتاج العديد من المنتجات التي يحتاجها الأفراد كالصابون، ومعلبات الغذاء، والزجاج، والأثاث، عربات نقل أسماك مثلجة ، والخزف، السيراميك والكتب والأدوات اليدوية، ومزارع للدجاج والبيض، وبالطبع أيضا شركات الخدمات والتسويق وغيرها. وفي الشركات المتوسطة الأهلية يعمل أكثر العاملين فهو الضمان للعمالة ووجود فرص العمل في ألمانيا. في الأزمات الاقتصادية حيث تسرح الشركات والمصانع بعضا من عامليها بغرض التوفير، فيكثر عدد العاطلين، وهنا تشجع الحكومة الأشخاص على إنشاء مشروعات صغيرة يرتزقون منها وتكون بمثابة شركة صغيرة يمكن أن تنجح في السوق فتكبر ويزداد عدد العاملين فيها. وتشجيع الحكومة يأتي في صورة قروض صغيرة أو متوسطة بفائدة قليلة بحيث تتيح للأفراد التشجع ودخول سوق المنافسة. سواء في تأسيس شركات لصيد الاٍسماك أو النقل، أو الزراعة، أو فتح محل تجاري، وكلها تحتاج المجهود الشخصي الدائب، فيتمكن الناجح منهم من اعالة أسرته وقد تنشأ يكبر المشروع ويستطيع تعيين آخرين من العاطلين . كما يأتي تشجيع الحكومة الألمانية أيضا في إقامة نودوات وحلقات اعلامية لتعريف جمهور المنتسبين المستفيدين بطرق إنشاء مشاريع تجارية اقتصادية وشروط دعمها ومعاملتها الضرائبية واحجام القروض وغيرها.
ثانيا، راسمال الاجتماعى، أظهرت فترة الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم اهتماماً متجدّداً في المجتمع المدني. وعزى كُثر سقوط الشيوعية في الكتلة السوفياتية إلى حركات المجتمع المدني التي وقفت في وجه الحكم الشيوعيّ. ثمّ ازدادت الأبحاث التي تتناول المجتمع المدني، ومعها ارتفعت المخاوف من أنّ المجتمع هذا بدأ يضعف. وانصبّ الاهتمام على العمل الذي قام به العالم السياسي روبرت بوتنام (Robert Putnam) فهو ركّز على ما أسماه "الرأسمال الاجتماعي"، هذا المورد الذي طوّره المجتمع المدني حتّى يحافظ على اقتصاد وديمقراطيّة سليمين.
اعتمد بوتنام (1993) في عمله على بحثٍ موسّع في إيطاليا حيث عاين سلامة المؤسسات المدنية والسياسية والاقتصادية. ووجد أنّ شمال إيطاليا أحرزت نتيجة أفضل من الجنوب الفقير نسبياً في هذه المؤشرات كافة. وعزى بوتنام هذا للفروقات في المجتمع المدني، شارحاً أنّ "الرأسمال الاجتماعي" يولّد نتائج اقتصادية وسياسية أكبر. واستند مفهوم بوتنام على عمل قام به علماء الاجتماع الاقتصاديّون مثل جيمس كولمان (James Coleman) ومارك غرانوفيتر(Mark Granovetter). وعمل كولمان مع عددٍ من الاقتصاديين العقلانيين البارزين بمن فيهم غاري بيكر (Gary Becker) في جامعة شيكاغو. وطبّق منهجه الاقتصادي على تحاليله الاجتماعية مستخدماً وسائل مثل نظرية الألعاب.
واستند قسم من عمل كولمان (1990) على طريقة تغلّب المجتمعات على مشاكل العمل الجماعي وقد رأى أنّه من الصّعب أحياناً على النّاس العمل من أجل المصلحة العامة. وشرح (1990) أنّ ظروفاً عدّة تشبه "معضلة السجينَين" بما أنّ المحفزات الفردية تعيق التعاون مع العلم أنّ التعاون يفضي إلى نتائج أفضل للجميع. وأكّد كولمان أنّ الناس استطاعوا في عدد من الظروف التغلب على هذه المعضلة عبر بناء معايير اجتماعيّة قويّة دفعت النّاس إلى اتّخاذ قرارات جماعية منطقية أكثر. وعرّف هذه المعايير بالرأسمال الاجتماعي، ما سهّل الثقة بين الناس وأتاح لهم العمل معاً لغاية مشتركة بدون الحاجة للاستثمار في مراقبة مكلفة أو تكاليف مفروضة. وبالتّالي شرح غرانوفيتر (1973) كيفية تسهيل مختلف أنواع الشبكات الاجتماعيّة أنواع التصرّف المتنوّعة. يبني على سبيل المثال عدد كبير من الأشخاص روابط وثيقة مع مجموعة صغيرة من النّاس يشبهونهم تماماً مثل أفراد عائلتهم وأصدقائهم المقرّبين. وتسهّل هذه الروابط المتينة الأعمال المرتفعة الكلفة كإعداد حساءً لصديق مريض. وعلى عكس ذلك، نقيم علاقات ضعيفة مع عدد كبير من النّاس نلتقيهم في العمل والأندية الاجتماعية. ويبدو أنّ هذه الروابط الضعيفة تكون مع أشخاص لا يشبهوننا تماماً، ونختلف معهم في مسائل مرتبطة بالعرق والدين والتّربية وهم لا يسهلون تأديتنا لأعمال مرتفعة الكلفة، فنادراً ما نطبخ لزملائنا في العمل أو نقرضهم مبالغ جمّة. إلا أنّ هذه الروابط تسهّل النفاذ إلى موارد جديدة قد لا تكون ضمن شبكتنا العائلية المباشرة (مثل الحصول على فرصة عمل جديدة).
وبنى بوتنام على هذه النظرية حتّى يشرحوا كيفية إنتاج هذه الروابط الاجتماعية لأنواع مختلفة من الرأسمال الاجتماعي، ومن شأنها أن تقرّب بيننا (روابط متينة) أو تبني جسوراً بين مختلف المجتمعات المحليّة (روابط ضعيفة). وقال إن الرأسمال الاجتماعي يتألف من المعايير الاجتماعية والشبكات الاجتماعية التي تسهّل التصرف? والعنصران متكاملان. وبصفتهم مواطنين منخرطين في المؤسسات المدنية كالنوادي الرياضية وبرنامج "وجبات على عجلات" (Meals on Wheels)? استطاعوا أن يطوروا عدداً أكبر من الشبكات الاجتماعية ويبنوا الثقة مع الآخرين. هذه الموارد ستسمح لهم فيما بعد أن يعملوا معاً بسهولة أكبر بغية تحقيق أهدافهم المشتركة. تبنى البنك الدولي أفكار بوتنام بعد أن تعرّض للنقد بسبب بعض السياسات التى اعتمدها والتي ركزت على بناء بنى تحتية ضخمة وأهملت الدول النامية الرازحة تحت وطأة ديون كثيرة يصعب عليها سدادها. رأى البنك في الرأسمال الاجتماعي أساساً بديلاً لسياسات التنمية. فبدل التركيز على الأصول المادية فحسب كالسدود والطرقات، سعى إلى بناء مؤسسات قوية وإرساء تدابير الحوكمة في الدول النامية (على سبيل المثال Dasgupta & Serageldin 2000). غير أن النقاد على غرار عالم الاقتصاد السياسي بن فاين (Ben Fine) (2010) ارتأوا أن هذه الطريقة لم تأخذ بعين الاعتبار السلطة وانعدام المساواة في داخل المجتمع وفي الأنظمة التجارية العالمية على نطاق أوسع. وبالتالي سيصب البنك الدولي كامل اهتمامه على بناء الثقة ضمن المجتمع من دون الإقرار حقاً أن نقص الثقة قد يكون نتيجة السلطة غير المتكافئة أو الفقر الناتج عن التجارة غير العادلة. وتجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي لم يستخدم الرأسمال الاجتماعي كما استخدمه بيار بورديو (Pierre Bourdieu) (1986). فبالنسبة إلى بورديو يشكل الرأسمال الاجتماعي ثروة فردية (وليس ثروة للمجتمع برمته) تكون ثمرة معارف وعلاقات مع أشخاص أثرياء أو نافذين. وهذا المفهوم مماثل لمفهوم الرأسمال الثقافي الذي كوّنه إذ حدد الآليات الاجتماعية والثقافية للمحافظة على الميزات وانعدام المساواة. برأيه من غير المنطقي أن يعتبر الرأسمال الاجتماعي ثروة للفقراء في المقام الأول. تطبق نظرية المباره (
2001Varoufakis ) مبادىء الخيار العقلاني? ما يظهر كيف يتصرف الناس بطريقة استراتيجية بغية الحصول على النتيجة المثلى. ولكنها تسلط الضوء أيضاً على بعض المواقف حيث قد تؤدي العقلانية الفردية إلى نتيجة غير عقلانية جماعية? ما يخلف تبعات على المجتمع المدني والرأسمال الاجتماعي. تشكل معضلة السجناء المثال الكلاسيكي لذلك. فهي قصة السجناء قيد الاعتقال والتحقيق من قبل الشرطة. يعرض الشرطي اتفاقاً على كل منهما: الوشاية بالآخر والإفلات من السجن? فيما يحكم على الآخر بالسجن مدى الحياة. إذا وشى الإثنان تكون العقوبة خفيفة وتقتصر على بضع سنوات في السجن. ولكن بسبب عدم كفاية الأدلة إذا ما التزم كلاهما الصمت تكون العقوبة مخففة ويدفعان غرامة. قد يظن المرء أن السجينين سيصمدان. لكن وفقاً لنظرية الألعاب النتيجة مختلفة. فلنأخذ منظور السجين الأول: تعلم أنه لو صديقك وشى بك? من الأفضل أن تقوم بالمثل أنت أيضاً? فبضع سنوات في السجن أفضل من السجن مدى الحياة. وتعلم أيضاً أنه من الأفضل لك أن تشي بصديقك حتى لو لم يشِ بك (فتفلت من العقاب من دون أن تدفع غرامة). إذاً مهما فعل صديقك? عليك أنت أن تشي به. تتوقع اللعبة أن يشي الاثنان ويمضيا بضعة أعوام في السجن? فيما كان باستطاعتهما أن يدفعا غرامة لو أنهما تحليا بقليل من الثقة (أو الرأسمال الاجتماعي) ببعضهما بعض. من هذا المنطلق? طبق واضعو نظريات الامباريات المنطق ذاته على مواقف أخرى مختلفة كالحفاظ على موارد البيئة أو التطوع في المجتمع. ويظهر هذا المثال "الجانب الشرير" من الرأسمال الاجتماعي الذي قد يقود إلى تصرفات سيئة في بعض الأحيان بدل التصرفات الحسنة.
طبق بوتنام لاحقاً مفهوم الرأسمال الاجتماعي على الولايات المتحدة الأميركية حيث لاحظ تدهوراً مهماً في المشاركة المدنية. العام 2000 ابتكر عبارة "لعب البولينغ المنفرد" ليظهر كيف كانت تتلاشى بعض المؤسسات كاتحادات لعبة البولينغ. سمى عدداً من المذنبين المحتملين واعتبر أن جزءاً من التبرير يعود إلى الأجيال. فأولئك الذين عاشوا الحرب واختبروا اليأس طوروا حساً للمشاركة في المجتمع أقوى من أولئك الذين ترعرعوا في أوقات الازدهار والفردانية. ومن الممكن أن تكون التغيرات الاجتماعية كضم المرأة إلى اليد العاملة. قد منحت الأفراد وقتاً أقل للمشاركة في الأندية الاجتماعية. غير أن السبب الرئيس، بنظر بوتنام هو التلفاز الذي سرق وقتنا وجعلنا اجتماعيين أقل من ذي قبل. ارتبط تراجع مستوى المشاركة باستهانة مضطردة بمؤسسات الحكومة. فقد عكست استطلاعات عالمية ثقة متدنية بالحكومة ورجال السياسة. بالإضافة إلى ذلك? هبطت نسبة عضويات الأحزاب والتصويت في الانتخابات. اعتبر بوتنام أن هذه الاتجاهات مرتبطة بالرأسمال الاجتماعي المتراجع.
يبّرت بيبا نوريس (Pippa Norris)(2002) عن رأي مختلف، إذ اعتبرت أن المواطنين غيروا طريقة مشاركتهم في المجتمع المدني بكل بساطة. فبدل الانضمام إلى منظمات شعبية، باتوا يفضلون المشاركة في تجمعات في الشارع، أو مقاطعة سلعة ما لأسباب أخلاقية أو بيئية، أو إمضاء العرائض. وأشارت نوريس إلى أن المشاركة السياسية تغيرت بطريقة مماثلة للمشاركة الاجتماعية التي باتت تتمثل في تنظيم تحركات اجتماعية جديدة.