القاهرة 18 ابريل 2017 الساعة 12:11 م
نادرا ما انفعل المستمعون بأول نغمة تغنيها أم كلثوم، بل ينفعلون بأول عبارة، فأداؤها للكلمات هو ما يهمهم. ولذا قالت أم كلثوم: «تعتمد الأغنية قبل كل شىء على الكلمات»، وأضافت: «الكلمات فى رأيى هى الفائدة من الموسيقى». وعندما طُلب منها أن توضح المقصود بكلمة «الطرب»- وهى حالة الافتتان التى ينجذب فيها المستمع تماما إلى الأغنية- قالت: «إن المستمع يصل إليها عندما يشعر بمعنى الكلمات».
كانت الألحان التى تغنيها ألحانا من نتاج تفكير متأنٍ فى أغلب الأحيان، لقد تعلمت كيف تملك ناصية المقامات، ولا يكاد يكون من بين أغانيها أغنية لا تعتمد على المقامات وتتشكل بنيتها وفقا لشكل العقد المألوف فى الموسيقى العربية: فتبدأ منخفضة فى مدى المقام، ثم تتصاعد فى المقام الاستهلالى، وأخيرا يتحور المقام وينزل لتختتم الأغنية بالمقام الأصلى. واستخدمت أغانيها مقامات معروفة ومحبوبة كثيرا: الرست والبياتى والنهاوند والحزام.
ولم تغن أم كلثوم بيتا واحدا بطريقة واحدة مرتين. فأهم خدمة قدمتها أم كلثوم للأغنية العربية هى براعتها الفنية فى تأدية كل أغنية من أغانيها، لقد غنت أغانى ملحنة سلفا صارت مع مضى الوقت مألوفة للجماهير وكانت تعيد فيها ارتجالات ناجحة، فقدرتها على الإبداع الغنائى كانت تمكنها من ابتكار نسخ معدلة من البيت الشعرى الواحد من وحى اللحظة، وصلت- طبقا للقصص التى تحكى عن حفلاتها- إلى أكثر من خمسين تعديلا متتاليا. وكما هو معروف يقدم الملحنون للمطربين إطارا هيكليا يتكون من نص ولحن وإيقاع، وإلى هذا الإطار الهيكلى يضيف المطربون الزخارف وصيغ القفلات ويرتجلون أقساما كاملة. وبهذا فإن مسؤولية المطرب عن المادة الصوتية للأغنية تعادل أو تفوق مسؤولية الملحن.
ويعلق عبد الوهاب على قفلات أم كلثوم (الدافئة التى تلهب العواطف وتسحر الجمهور) بأن أم كلثوم تتميز بطريقتها فى الأداء وقفلتها المصرية الصميمة ونطقها الواضح للنص. ويضيف: «اشتهرت بقفلاتها: فلم يحدث بالمرة أن قفلة واحدة قد فاتتها أو فقدت سيطرتها عليها».
كانت أم كلثوم قد صرحت فى عام 1952 بأنها تبحث عن ملحنين جدد. وكان هذا البحث نتيجة لأسباب عملية وفنية فى آن واحد. فعلاقتها بزكريا أحمد كانت قد انقطعت بسبب الدعوى القضائية التى رفعها عليها، وخاب أملها أكثر من مرة فى ألحان القصبجى. ولم تكن قد عملت مع أى ملحن آخر غير زكريا والقصبجى والسنباطى منذ عام 1931، وكان آخر ملحنيها الأوائل قد توفى فى عام 1931، مما جعلها تعتمد على السنباطى وحده. وهذا لم يكن وضعا مريحا لأى منهما، فهى كانت فى حاجة إلى مزيد من التنوع فى أغانيها، والسنباطى الكتوم عادة كان يشكو من أن العمل معها يقتضى تعديلات لا تنتهى وفقا لآرائها، كان من الواضح إذن أنها فى حاجة إلى ملحن جديد. وكان أول ما فكرت فيه، على ما يبدو، مؤلف الأغانى الشهير أمين صدقى، ولكنها لم تصل إلى نتائج مرضية، فالتفت إلى الملحنين محمد الموجى وكمال الطويل وبليغ حمدى، وكانوا جميعا قد لحنوا أغانى ناجحة للنجم الشهير عبد الحليم حافظ والمطربة الشابة نجاة الصغيرة، فلحن لها كمال الطويل «والله زمان يا سلاحى» وأغنيتين من أغانى فيلم «رابعة العدوية». ولكن قيامهما بأعمال مشتركة انتهى بعد ذلك بوقت قصير. أما الموجى فقد بدأ عمله معها بأغان وطنية وأغنيتين لفيلم «رابعة العدوية». وأدى نجاح أغنيته العاطفية «للصبر حدود» إلى أغنية أخرى هى «اسأل روحك». وفى عام 1957 التقت ببليغ حمدى، وكان المطرب والملحن «محمد فوزى» هو الذى قام بتقديم كل منهما للآخر، ولحن بليغ أولى أغانيه العاطفية لأم كلثوم، وهى أغنية «إنت فين والحب فين»، وهى أول أغنية تقوم شركة «مصر فون» لمالكها محمد فوزى بتسجيلها لأم كلثوم. وفى أواخر مسيرتها الفنية عملت مع سيد مكاوى، وهو صاحب أسلوب يماثل أسلوب «زكريا أحمد» فى عمقه. وجاءت أغنية «يا مسهرنى» عام 1972 لتكون النتيجة الوحيدة المكتملة لعملهما معا، فقد توفى قبل أن ينتهى من أغنية أخرى كان يقوم بتلحينها لها.