القاهرة 30 مارس 2017 الساعة 10:21 ص
انه كنج كونج تلك الغوريلا العملاقة، التى كانت جزءا من سلسلة أفلام الوحوش فى هوليوود و التى من ضمنها " جودزيلا " الديناصور الأسطورى العملاق، و " الفك المفترس " القرش الأبيض العظيم، و أيضا الديناصورات التى بدأت بأفلام العالم المفقود الذى لم يتغير من حقبة العصر الطباشيرى ،و هو الذى ظهرت فيه الديناصورات منذ ملايين السنين، و انتهت بالنسخة الجديدة من العالم المفقود و هو سلسلة " جوراسيك بارك " أو حديقة الديناصورات .
و يبقى القرد العملاق أحد ايقونات السينما الأمريكية ،فبالرغم من أن تلك الاصدارت من الأفلام تتفق جميعها فى تفاعل الانسان مع تلك الوحوش التى تفوقه حجما و قوة ،و التى تبدأ فى افتراسه حتى يتمكن بعقله و ذكاؤه من القضاء عليها، الا ان كنج كونج به جزء يختلف تماما عن زملاؤه فى حديقة حيوان هوليوود ،و هو الجزء الذى ينتمى الى عالم البشر أكثر منه الى عالم الحيوان و هو جزء المشاعر و العواطف.
و ربما استثمرت هوليوود الحقيقة العلمية عن الشبه الكبير، الذى يجمع بين القردة العليا و الانسان من حيث التركيب الفسيولوجى و النفسى، فقد أثبتت البحوث العلمية أن قردة الشمبانزى تتشابه مع الانسان فى فكرة العدوان على الأخر، ليس من أجل الطعام و لا التزواج و لكن العدوان من أجل العدوان ، و ظهرت تلك القردة و هى تقوم بغزوات على قردة فى مناطق أخرى، لكى تستولى على منطقة نفوذها و هو سلوك لا يقوم به الا الانسان ، لذا فقد قررت هوليوود أن تعطى قردها مشاعر و أحاسيس البشر .
بدأت فكرة القرد العملاق فى بداية العقد الثالث من القرن العشرين، فى صورة كابوس راود المخرج و الكاتب الأمريكى " ماريان كوبر "، الذى حلم ذات ليلة بقرد عملاق يروع مدينة نيويورك ،و قرر كوبر أن يحول الكابوس الى فيلم سينمائى ،و لكنه كان يدرك أن الفيلم سيتكلف مبالغ طائلة، و لكن فى تلك الفترة و بواسطة صديقه المخرج ديفيد سيلزنيك، استطاع ان يلتحق بالعمل فى شركة الانتاج السينمائى " RKO " ،و قد بدأت الفكرة لديه بجعل قرده العملاق يصارع تنين كومودو، و لكنه أدرك أن تقنية التصوير التى سيستخدمها ستفشل فى اضفاء الواقعية على الفيلم ، و قد بدأ فى معالجة الفكرة عام 1931 و بعدها بفترة وجيزة بدأ فى اختيار الممثلين، رغم أنه لم يكن قد انتهى بعد من كتابة السيناريو، و الذى اشترك فيه معه عدد أخر من كتاب السيناريو منهم " الروائى و كاتب السيناريو الانجليزى الشهير " ادجار والاس " .
و قد ذهب كوبر الى اعطاء الفيلم لمسة انسانية، غابت عن باقى أفلام الوحوش التى تنتجها هوليوود، فقد بدأ برسم الشخصيات الرئيسية فى الفيلم ،فى المشاهد الأولى منه رغم اعتراض نقاد شركة " RKO " ،الذين كان من رأيهم أن يبدأ المشهد الأول بلقطة للقرد العملاق، و لكن كوبر خالفهم الرأى، و رأى أن يبدأ بداية درامية هادئة، تتجسد فيها شخصيات أبطال الفيلم كى يتم اعداد المشاهد لباقى أحداث الفيلم، التى تقوم فيها تلك الشخصيات بتحويل مجريات الأحداث ، فمنها شخصية المخرج السينمائى الأنتهازى ، و فتاة الاستعراض العاطفية ، و الكاتب صاحب المبادئ ، و فى النهاية يبدأ طرحه الرئيسى فى الفيلم و هو أن حتى الوحوش يمكن أن تتحلى بمشاعر و صفات انسانية، فهو يحب الفتاة التى قدمت له كأضحية بشرية فلا يقتلها و يأكلها، بل على العكس يحميها و يرعاها، و يضحى بحياته فى نهاية أحداث الفيلم من أجل انقاذها .
تدور أحداث الفيلم فى العشرينات من القرن الماضى، و هى تحكى عن مخرج سينمائى" كارل دنهام " يصور فيلما عن القبائل البدائية فى الجزر الغير مكتشفة بالمحيط الهادى، و لكنه يفشل فى اقناع منتجى الفيلم باستكمال تمويله، فهم لا يصدقون فكرة أنه توجد فى هذا الوقت من القرن العشرين جزر غير مكتشفة فى المحيط الهادى ، و تزداد مشاكله عندما يحاول استكمال الفيلم و الرحيل بالسفينة التى استأجرها الى موقع الجزيرة فى المحيط الهادى و لكنه يفاجأ باعتذار بطلة الفيلم التى تعاقد معها، و يبحث بصورة محمومة عن فتاة تحل محل البطلة ،و تضع الصدفة فى طريقه فتاة الاستعراض المغمورة " آن دارو " و التى توافق على السفر معه عندما تعلم بشخصية كاتب الفيلم " جاك دريسكول " ، فهى من اشد معجبيه.
و يستقل طاقم الفيلم السفينة التى تحملهم الى الجزيرة المهجورة، و فى الجزيرة يختطف السكان البدائيون الفتاة البيضاء ليقدموها كأضحية بشرية، لذلك القرد العملاق الذى يقدمون له القرابين ، و لكن القرد لا يأكل الفتاة بل يحملها معه الى عرينه، و هناك تكتشف الفتاة شيئأ عجيبا أن هذا الوحش المخيف لا يريد بها شرا و لا يريد أكلها، بل انه يرعاها و يحميها من باقى وحوش الجزيرة ، و يحاول طاقم الفيلم انقاذ الفتاة و بالفعل يستطع الكاتب " جاك دريسكول " أن يختطقها بينما كينج كونج نائما، و يثور الوحش لهروب الفتاة و يلحق بها هى و منقذها.
و لكن المخرج كارل دينهام يقرر أن يقدم للجمهور فيلما واقعيا، بدلا من مجموعة من الصور، فيقوم بمساعدة طاقم الفيلم و بحارة السفينة باصطياد الوحش و تكبيله، و العودة به على ظهر السفينة الى نيويورك، و هناك يقوم كارل دنهام بعرض وحشه المخيف على الجماهير فى استعراض ضخم، ترفض " آن دارو " المشاركة فيه لما يحويه من مهانة للقرد العظيم النبيل، الذى يستطيع اثناء الاستعراض تحطيم قيوده و الفرار من المسرح الى شوارع نيويورك، باحثا عن محبوبته أن دارو مشيعا الفوضى و الدمار فى شوارع المدينة.
الى أن يجد " آن دارو " محبوبته فى النهاية ، و يقوم بأخذها هاربا بها الى أعلى مبانى نيويورك ، الذى يظنه شجرة عالية كأشجار موطنه حيث لا يستطيع أحد اللحاق به، و لكن الطائرات تحاصره فيضع حبيبته البشرية فى موضع أمين من المبنى، بينما تحاول هى أن تبقى معه حتى لا تضربه الطائرات خوفا عليها، و لكنه يرفض و يدخلها الى داخل المبنى و يواجه الطائرات التى تمطره بوابل من نيرانها، يسقط على أثره صريعا على أرض الشارع بين خوف و عجب أهل نيويورك، و يراه فى النهاية كارل دينهام الذى أحضره الى حتفه فيقول عبارته الشهيرة التى تختتم الفيلم ، "أن الرصاص لم يقتل الوحش بل قتله الجمال" قاصدا بذلك حبه للفتاة " آن دارو .
" كينج كونج " أعيد انتاجه مرة أخرى عام 1976، أى بعد حوالى أربعين عاما بنفس القصة و نفس السيناريو ، ثم أعيد انتاجه مرة أخرى عام 2005، و لم يتغير شئ فى أحداثه لكن تغيرت التقنية الى تقنية البعد الثالث " 3D " و أنظمة الصوت المتطورة، مما أعطى للفيلم بعدا و مظهرا جديدا و متعة خاصة، تجسدت فى المؤثرات البصرية و الصوتية التى تجعلك كمشاهد، و كأنك تعيش احداث الفيلم فى الواقع ،و الفيلم الذى عرض عام 2005 حاز على جائزة أوسكار "أفضل صوت" و "أفضل مؤثرات بصرية ".
من 2005 و حتى الأن بقى القرد العملاق فى أجازة سينمائية، و بقى فيلمه الأخير يحصد الاعجاب حتى يومنا هذا ،و يشاهد أكثر من مرة فهو بحق فيلم ممتع بما فيه من مؤثرات بصرية و تكنولوجيا صوتية متطورة ، الا أن هوليوود فى النهاية يبدو أنها قررت أن تعيد قردها المدلل العملاق الى الشاشة الفضية، و لكن يبدو أيضا أن كونج رفض العمل فاستبدلوه بقرد عملاق أخر ، و لكن للأسف فان النسخة الجديدة لم تكن بجودة الأصل ،فخرجت علينا هوليوود بتقليدا ممسوخا عن كنج كونج، و هو فيلم " كونج و جزيرة الجمجمة " الذى يعرض الأن فى دور العرض ،فالفيلم الذى تدور أحداثه أيضا فى جزيرة نائية من خلال سيناريو هزيل يبدو أنه كتب بلا عناية بلا أبعاد بلا شخصيات .
تدور أحداث الفيلم حول نفس الجزيرة المجهولة الساقطة من الزمن ،و التى يحاول فريق من العلماء اكتشافها بصحبة مجموعة من الجنود الأمريكيين، و هناك يصطدمون مع القرد العملاق الذى يحكم الجزيرة ،و الذى يحطم مروحياتهم و يقتل عددا من طاقمهم دفاعا عن جزيرته، و بينما يحاول فريق العلماء النجاة بحياتهم و الهرب من الجزيرة، يحاول فريق العسكريين الانتقام من القرد العملاق ، و لكن فريق العلماء يلتقى بأحد سكان الجزيرة و هو أمريكى فقد على الجزيرة منذ الحرب العالمية الثانية، و الذى يخبرهم عن صفات كونج و أخلاقه الراقية التى يتحلى بها، فهو "أى القرد " حاكم الجزيرة و المدافع عن سكانها ،ضد كائنات هى خليط من الديناصورات و الطيور ،و هى أيضا قد تم تصميمها بصورة غير واقعية أنتجت لعبة من لعب الأطفال غير المقنعة ،و فى نهاية أحداث الفيلم تحاول تلك الطيور الزاحفة أو الزواحف الطائرة ،أكل فريق العلماء فيتصدى لهم كونج الذى يحاول حماية الفتاة التى ترافق البعثة ،و من جهة أخرى يحاول فريق العلماء انقاذ كونج من العسكريين اللذين يحاولون قتله انتقاما لزملائهم اللذين قتلهم كونج .فى النهاية يستطيع كونج قتل الطيور المتوحشة، و يرد ايضا فريق العلماء له الجميل بحمايته من القتل .
فى الحقيقة جانب التوفيق صناع الفيلم، فلم يأتى على مستوى سابقه فى عام 2005 ،و ربما هذا ما فات على هوليوود، أن شخصية القرد الذى يتمتع بجانب انسانى من الصعب اعادتها مرة أخرى أو تقليدها، فكنج كونج أصبح " شخصية " أو " character " من الصعب منافستها ،و خاصة بعد الفيلم الأخير عام 2005، و الذى كان المخرج يستخدم فيه كثير من اللقطات القريبة لوجه القرد، و التى أبدع صناع الفيلم فى اعطائها انطباعات بشرية من الحب و الحزن و الغضب ، كذلك كان السيناريو سطحيا ضحلا، لا يحتوى على فكرة جديدة تستطيع صنع الفيلم بنفس النجاح الذى سبق و ناله، كذلك المؤثرات البصرية لم تكن بالقوة و الواقعية التى لسابقه، و فى الحقيقة لا أدرى لماذا ينتابنى احساس أن ذلك الفيلم قد صنع على عجل.
و لو أتخذنا سلسلة افلام كوكب القرود كمثال، لوجدنا فى الأفلام التى قدمتها هوليوود من هذه السلسلة أفكارا مبتكرة، فبدأ من الفيلم الذى قام ببطولته النجم " تشارلتون هيستون " عام 1968، و تلاه أخر بنفس الفكرة فى اعادة انتاج له عام 2001 ، و لكن الأفكار اختلفت عام 2011 حين انتج فيلم " عودة كوكب القرود "، و تلاه فيلم يعتبر كجزء ثانى له هو " سقوط كوكب القرود " عام 2014 ، كانت الفكرة هنا مختلفة ،و المعالجة مختلفة، و الانتاج نفسه قد حصل على قدر كبير من العناية و التحضير، و رسم الشخصيات، فأتت الأحداث قوية و مقنعة.و لكن على كل اذا جانب هوليوود التوفيق، فى فيلمها الأخير عن القرد الكبير فما زال فى جعبتها الكثير لتقدمه فى أفلام الوحوش، يساندها تاريخها العريق و ارثها الهائل على الشاشة الفضية .