القاهرة 27 فبراير 2017 الساعة 11:02 ص
بقرار الرئيس الأمريكى، دونالد ترمب، الانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ "TTP" ربما يكون قد بدأ حروبه الاقتصادية مبكراً، حيث تضم الاتفاقية 12 دولة، وتستهدف تسهيل عمليات التجارة بين هذه الدول، وقال ترمب وهو يوقع قرار الانسحاب من الاتفاقية: "ما فعلناه الآن هو شيء عظيم للعامل الأمريكى".
ولا يعرف الكثيرون تفاصيل اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ، أو الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف يهدف إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومن بين أهم 10 معلومات عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، أنها تهدف إلى تعميق الروابط الاقتصادية بين 12 دولة، من بينها أستراليا وبرونى دار السلام، وكندا وتشيلى وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو والولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة، كما تستهدف الاتفاقية تقليص حجم التعريفات الجمركية بشكل كبير بين الدول الأعضاء، بل والتخلص منها فى بعض الحالات، إضافة إلى فتح مجالات أخرى فى تجارة البضائع والخدمات، وإزالة الحواجز التجارية فى المنطقة، وخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على حوالى 18 ألف سلعة صناعية وزراعية.
ومن بين الأهداف التى خططت لها الدول الأعضاء تعزيز علاقة قوية للسياسات الاقتصادية والقضايا التنظيمية، وتدعم تلك الاتفاقية تدفقات الاستثمار بين تلك الدول، وتزيد من نموها الاقتصادى.
ويصل تعداد السكان الأعضاء فى الاتفاقية نحو 800 مليون نسمة، وتمثل حوالى 40% من إجمالى الاقتصاد العالمى، و26% من التجارة العالمية بقيمة تزيد على 11 تريليون دولار، وكان بعض تلك المخاوف يتمثل فى أن يكون لمثل هذه الاتفاقية واسعة النطاق تأثيرات على قوانين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، حيث يمكن لتلك الاتفاقية أن تتسبب فى توسع مجال براءات الاختراع فى قطاعات بعينها كقطاع الطب على سبيل المثال.
وقع الاتفاق الأصلى بين بلدان بروناى وتشيلى ونيوزيلندا وسنغافورة فى 3 يونيو 2005، ودخل حيز التنفيذ فى 28 مايو 2006، وكان ممثلو الدول الأعضاء حددوا عام 2012 لتكون موعد إنهاء المفاوضات، لكن بعض القضايا العالقة، مثل المسائل الزراعية وحقوق الملكية الفكرية والخدمات والاستثمارات جعلت المفاوضات تستمر لفترة أطول، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى 5 أكتوبر 2015، حيث تمكنت كافة الدول من التوصل إلى اتفاقية شاملة، وفى نوفمبر 2016، أعلن دونالد ترمب أن بلاده تعتزم الانسحاب من معاهدة الشراكة الاقتصادية العابرة للمحيط الهادئ، وهو ما قام به بالفعل.
يعتبر مفهوم الشراكة مفهوماً حديثاً, حيث لم يظهر في القاموس إلا في سنة 1987 بالصيغة الآتية: "نظام يجمع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين"، أما في مجال العلاقات الدولية فإن أصل استعمال كلمة شراكة تم لأول مرة من طرف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED) في نهاية الثمانينات.
وتم استعمال كلمة شراكة كثيراً من طرف الباحثين دون إعطائها مفهوماً دقيقاً, وفي هذا الإطار نقترح: "أنها تتمثل في كل أشكال التعاون ما بين مؤسسات أو منظمات لمدة معينة تهدف إلى تقوية فعالية المتعاملين من أجل تحقيق الأهداف التي تم تحديدها", فمفهوم الشراكة بهذا الشكل يشمل التحالف الإستراتيجي، لكن ينبغي أن نفرق بين التحالف والاندماج والاقتناء والشراكة, فيعتبر أن الاندماج والاقتناء هو زوال المؤسسة المعنية لميلاد وحدة أو مؤسسة جديدة, أما في التحالف والشراكة تبقى المؤسسة تحافظ على استقلاليتها من حيث الأهداف والمصالح الخاصة وتقيم علاقات مشاركة لتحقيق بعض الأهداف المشتركة.
تعريف الشراكة: التعريف الأول: " الشراكة الأجنبية هي عقد أو اتفاق بين مشروعين أو أكثر قائم على التعاون فيما بين الشركاء ويتعلق بنشاط إنتاجي (مشاريع تكنولوجية وصناعية) أو خدمي أوتجاري وعلى أساس ثابت ودائم وملكية مشتركة, ولا يقتصر هذا التعاون فقط على مساهمة كل منهما في رأس المال (الملكية), وإنما أيضا المساهمة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج واستخدام براءات الاختراع والعلاقات التجارية, والمعرفة التكنولوجية, والمساهمة كذلك في كافة عمليات ومراحل الإنتاج والتسويق وسيتقاسم الطرفان المنافع والأرباح التي ستتحقق من هذا التعاون طبقا لمدى مساهمة كل منهما المالية والفنية".
التعريف الثاني: " يعرف الاستثمار المشترك على أنه ينطوي على عمليات إنتاجية أو تسويقية تتم في دول أجنبية أو يكون أحد الأطراف فيها شركة دولية تمارس حقاً كافياً في إدارة المشروع أو العملية الإنتاجية بدون السيطرة الكاملة عليه".
انطلاقاً من التعاريف السابقة يمكننا تقديم تعريف شامل للشراكة على أنها تتمثل في نشاط اقتصادي ينشأ بفضل تعاون الأشخاص ذوي المصالح المشتركة لإنجاز مشروع معين، ويمكن أن تكون طبيعة التعاون: تجارية, مالية, تقنية أو تكنولوجية.
عقد شراكة هو التزام بين طرفين يتطلب حشد التعاون والتضامن لتحقيق أهداف مجتمعية عامة، وهو أسلوب يمكن من إشراك الطرفين الفاعلين، كل حسب قدراته الحقيقي وما يجب الإشارة إليه أن كل التعاريف السابقة تتعلق بالمستوى الجزئي للاقتصاد، أما على المستوى الكلي فإن مفهوم الشراكة (أو المشاركة كما يسميها البعض) في العلاقات الاقتصادية بين الدول يطرح تساؤلاً أساسياً هو أين تقع الشراكة من سلم التدرج في التكامل الاقتصادى الذي يعتبر من أشهر صيغ العلاقات الاقتصادية بين الدول، حيث مرت أشكال التعاون بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية بعدة تطورات، فقد انتقلت من اعتماد الدول النامية على الدول الصناعية في تلبية متطلباتها إلى الشراكة فيما بينها بغرض تفعيل مبادئ تحرير التجارة وإعادة تقسيم العمل الدولي على نحو يتفق مع أهداف المنظمة العالمية للتجارة.
وفي هذا الإطار يمكننا تعريف الشراكة على المستوى الكلي على أنها: تعاون دولتان أو أكثر في نشاط إنتاجي أو استخراجي أو خدمي، حيث يقوم كل طرف بالإسهام بنصيب من العناصر اللازمة لقيام هذه الشراكة (رأسمال، العمل، التنظيم)، وقد يتخذ هذا التعاون المشترك شكل إقامة مشروعات جديدة أو زيادة الكفاءة الإنتاجية لمشروعات قائمة فعلاً عن طريق إدماجها في مشروع مشترك يخضع لإدارة جديدة، ولايقتصر الأمر في الشراكة التي دعى إليها الاتحاد الأوروبي مع الدول المتوسطية على الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه ليشمل الجوانب الأخرى (السياسية، الاجتماعية والثقافية).
خصائص الشراكة: إن الشراكة ما هي إلا وسيلة أو أداة لتنظيم علاقات مستقرة ما بين وحدتين أو أكثر (دول أو مجموعات إقليمية), وتتطلب هذه العملية جملة من الخصائص منها : 1 -التقارب والتعاون المشترك, أى يجب الاتفاق حول حد أدنى من المرجعيات المشتركة تسمح بالتفاهم والاعتراف بالمصلحة العليا للأطراف المتعاقدة.
2- علاقات التكافؤ بين المتعاملين "خاصية الحركية في تحقيق الأهداف المشتركة"، اتفاق طويل أو متوسط الأجل بين طرفين أحدهما وطني والآخر أجنبي لممارسة نشاط معين داخل دولة البلد المضيف، قد يكون الطرف الوطني شخصية معنوية عامة أو خاصة، ولا تقتصر الشراكة على تقديم حصة في رأس المال، بل يمكن أن تتم من خلال تقديم خبرة أو نقل تكنولوجي أو دراية أو معرفة... إلخ.
3- لا بد أن يكون لكل طرف الحق في إدارة المشروع (إدارة مشتركة)، التقارب والتعاون المشترك على أساس الثقة وتقاسم المخاطر بغية تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.
4- التقاء أهداف المتعاملين (على الأقل في مجال النشاط المعني بالتعاون) والتي ينبغي أن تؤدي إلى تحقيق نوع من التكامل والمعاملة المماثلة على مستوى مساهمات الشركاء والمتعاملين.
5- تنسيق القرارات والممارسات المتعلقة بالنشاط والوظيفة المعنية بالتعاون.
ومن هذا المنطق يمكننا القول أن الشراكة الاقتصادية تختلف في أسسها عن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يقوم على الانفراد بالإنتاج والملكية الكاملة لرأس المال، رغم أن الشراكة هي وجه من أوجه الاستثمار الأجنبي المباشر والذي يعرفه صندوق النقد الدولي على أنه "ذلك النوع من أنواع الاستثمار الدولي الذي يعكس هدف حصول كيان مقيم في اقتصاد ما على مصلحة دائمة في مؤسسة مقيمة في اقتصاد آخر، وتنطوي هذه المصلحة على وجود علاقة طويلة الأجل بين المستثمر المباشر والمؤسسة، بالإضافة إلى تمتع المستثمر المباشر بدرجة كبيرة من النفوذ في إدارة المؤسسة".
وفي هذا الإطار نمت الاتجاهات نحو تحرير التجارة والمبادلات الدولية وتوسيع الأسواق، بالإضافة إلى أن التقسيم الدولى للعمل يفترض تنمية وتطوير الأقاليم والدول المختلفة وذلك بخلق أنشطة إنتاجية وصناعية بها لرفع قدرتها الإنتاجية وبالتالي الطلب المحلي ورفع طاقاتها التصديرية.
من بين المزايا التي توفرها الشراكة ما يلي :
1- تبادل الخبرات والتكنولوجيا بين تلك الموجودة في دول المركز (الشركات الأم) وتلك الناشئة في مختلف الفروع في الدول الأجنبية.
2- اكتساب المزيد من الخبرة بظروف الأسواق المحلية والأجنبية من خلال الصادرات والاستثمار المباشر.
2- زيادة فرص التوظيف الاستثماري للمدخرات ورؤوس الأموال المحلية عند توظيفها مع المشروع الأجنبي، وتشجيع الأفراد والمستثمرين المحليين على عدم تهريب أموالهم للخارج، باعتبار أن المشروع المشترك يعمل على تحقيق أهداف الاقتصاد الوطني، عكس الاستثمار الأجنبي المملوك بصفة كاملة للطرف الأجنبي الذي يخدم مصالح دول المركز أساساً.
4- تساعد الشراكة على تخفيف العبء على ميزان المدفوعات حيث سيتم التقليل من التحويلات الرأسمالية إلى الخارج في شكل أرباح إلا بقدر نصيب الشريك الأجنبي فقط، كون أن المشروع المشترك قائم في جزء كبير من رأسماله على المدخرات الوطنية، كما تساعد أيضاً على رفع الطاقات التصديرية للبلد والتقليل من الواردات وتوفير مناصب الشغل.
5- تشجيع المساهمة المحلية إلى جانب الشريك الأجنبي, وهذا في الواقع يمثل ضماناً لهذا الأخير وتقليلا للمخاطر.
6- سهولة اكتساب الأسواق المحلية والحصول على المواد الأولية وبراءات الاختراع والابتكارات واليد العاملة الرخيصة.
7- الحصول على امتيازات وإجراءات تفضيلية في هذه الدول لا يمكن أن تحصل عليها في بلدانها الأصلية.
8- الإنتاج بتكاليف منخفضة.
9- التحويل التكنولوجي وتحويل مناهج التسيير وإمكانية الحصول على التمويل.
أهداف الشراكة: 1- التعاون بين أطراف الشراكة، 2- خدمة العملاء في الوقت المناسب تجنب التأخير، 3- طرح بدائل جديدة، 4- المشاركة في الخطط، 5- الأداء الجيد، 6- جمع الطاقات، 7- تبادل الخبرات ، 8- خفض التكاليف، 9- المشاركة في التكاليف الثابتة، 10- السيطرة على المخاطر، 11- تحسين أساليب الاستعمال، 12- المشاركة في تحمل المخاطر، 13- توفير قيمة أكبر للمستهلك، 14- زيادة الفهم المتبادل، 15- تقديم خط منتجات أقوى، 16- خلق منتجات جديدة، 17 - تسويق منتوجات إضافية، 18- مساندة وخدمة العملاء، 19- زيادة القدرات التسويقية، 20- ابتكار أنماط استهلاكية جديدة، 21- تحسين صورة المؤسسة، 22- إعلانات مشتركة، 23- التكامل بين الخبرات، 24- التنسيق في البرامج.
انعكاسات وسلبيات الشراكة: قد يطغى هدف الربح والتوسع والابتكار على حماية المستهلك، وذلك بتقديم سلع أو خدمات ضارة أو ذات جودة ونوعية رديئة وبأسعار مرتفعة، أو زرع عادات استهلاكية أو استعمالية تتنافى مع منظومة قيم المجتمع ومبادئه.
يترتب أحياناً على قيام تحالفات بين الشركات الكبرى خلق مراكز تجارية ضخمة مما يؤدي إلى غياب المنافسة وتدهور القدرة التنافسية لبقية الشركات، وبالتالي ظهور عدم تكافؤ الفرص التنافسية.
تؤدي التحالفات التجارية إلى ظهور أسواق للبائعين وغياب أسواق للمشترين، حيث تصبح قوى السوق في أيدي عدد قليل من التحالفات نتيجة الاحتكار.
يحتمل أن تؤدي هذه التحالفات إلى فقدان المركز التنافسي للمؤسسات والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي تدهور فرص نمو وتطور هذه الصناعات.
يؤدي التحالف أو الشراكة إلى إنشاء كيانات كبرى تقلل من القدرة التنافسية للصناعات الوطنية في ظل إلغاء الحماية، هذا ما قد يؤدي إلى القضاء على الصناعات الوطنية.