القاهرة 23 فبراير 2017 الساعة 01:07 م
تهم كثيرة كانت في انتظار فيلم «بشتري راجل» (100 دقيقة)؛ ليس أقلها إشاعة الفجور والفحشاء، والخروج على قيم وأخلاق المجتمع، لولا معالجته، التي اتسمت بالكثير من الرقة، وخفة الظل، والذكاء، وابتعدت عن الوقوع في فخ الغلظة والوقاحة والمباشرة، وهي المهمة الصعبة التي اجتازها أصحاب الفيلم بنجاح، والمصير المأساوي الذي أفلتوا منه بأعجوبة !
تدور فكرة فيلم «بشتري راجل» (100 دقيقة) حول امرأة تُدعى «شمس» (نيللي كريم) دقيقة وصارمة، ومُتحققة في عملها، كمدير مالي، لكنها تعاني بسبب رغبة أمها «نجوى» (ليلى عز العرب) في تزويجها «زواج صالونات»، ورفضها القاطع للنظرة الذكورية للمجتمع، بعد سلسلة من التجارب العاطفية الفاشلة، التي فقدت معها الثقة في الرجال، وأوصلتها إلى قناعة تامة بخيانتهم ووحشيتهم وأنانيتهم، وعندما يُنذرها خالها الطبيب «ماجد» (لطفي لبيب) بأن فرصتها في الإنجاب باتت ضئيلة، وحلم الأمومة يكاد يتلاشى؛ نظراً لاقترابها من سن الأربعين، تُعيد التفكير في مشروع الزواج، برؤيتها الخاصة، إذ توظف مالها الشخصي، مستخدمة حساب وهمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، لإغراء الرجال بالتقدم لها، واختيار الأكبر قدرة منهم على التخصيب، ليكون «زوجاً صورياً» لها؛ بمعنى أنها تشتري «الحيوانات المنوية» بأعلى سعر !
فكرة مثيرة للجدل كان يمكن أن تجر الكثير من المشاكل على كاتبة الفيلم إيناس لطفي ومخرجه محمد علي، ومن خلفهما منتجته دينا حرب، لولا الاتفاق الضمني بين ثلاثي الفيلم على إعطاء الأولوية للرقة قبل القسوة، وألا تتحول الجرأة إلى وقاحة وغلظة، بل أن خفة الظل كان لها مكاناً كبيراً في التجربة، بفضل السيناريو الرائع، والحوار الممتع، والتوازن الدقيق في كتابة الشخصيات، بما منح كل شخصية ثقلاً واضحاً، وتأثيراً ملحوظاً، يتساوى في هذا
البطلان الرئيسان، وأصحاب الأدوار المساعدة؛ ففي مقابل شخصية «شمس» هناك «بهجت» (محمد ممدوح) الطبيب البيطري، الذي يمتلك مزرعة ورثها عن عائلته، ويعيش لحظات عاطفية حميمة مع رفيقته «سالي» (ليلى عربي) المرشدة السياحية دائمة السفر والترحال، ويواجه أزمة مالية مع البنك الذي يتعامل معه، تجبره على القبول بشروط «شمس»، والإذعان لغطرستها، وغض الطرف عن عنجهيتها ونرجسيتها، وهي شخصية لطيفة لا تخلو من إنسانية، وتلقائية، وحب للحياة، فضلاً عن حيوانات مزرعته، ومن ثم كان طبيعياً أن يجد نفسه، ويجتاز أزمته، عندما أصبح طرفاً في علاقة غريبة مع امرأة نالت منها الصدمات !
لم يختلف الحال كثيراً مع الأم «نجوى» ( ليلى عز العرب)، التي ابتعدت عن الشكل التقليدي المُتعارف عليه لشخصية الأم، التي «لا تهش ولا تنش»، وتبكي على حال الأولاد بأكثر مما تُسهم في تغيير مصائرهم، لكنها هنا صاحبة الشخصية القوية التي نجحت في تحريك الأحداث، وهو الحال الذي تكرر بدرجة أقل تأثيراً مع «نيفين» (دنيا إجلال ماهر) صديقة البطلة و«طارق» (محمد حاتم) خال البطل، الذي أضفى روحاً مرحة على الفيلم؛ سواء من حيث طرافة التناقض بين تكوينه الجسماني الهزيل، وضخامة تكوين «بهجت» ، الذي يناديه «خالو»، أو تكرار أزماته العاطفية مع الفتيات اللائي ينظرن إليه بوصفه «أخ» ليس أكثر !
بالطبع جاءت بعض المواقف الدرامية متوقعة؛ كالمفارقات الناتجة عن إخفاء «شمس» أمر «الاتفاق المنوي» بينها و«بهجت» عن الأم، واختلاف الطباع بين الزوجين، والمشاكل التي نجمت عن هذا، وعن تكتم «بهجت» أمر علاقته وعشيقته «سالي»، التي امتدت زهاء ثلاث سنوات، عن زوجته، وافتضاح أمرهما بعد أن بدأت «شمس» في الاقتراب من «الزوج الصوري»، وتسللت الغيرة إلى نفسها، والحب إلى قلبها، بعد أن اكتشفت إنسانيته، وجمال فطرته؛ فالأزمات ليست جديدة، وتكاد تكون مستلهمة من أفلام كثيرة سابقة، لكن طزاجة الفكرة، طرافة الحوار، خفة ظل الشخصيات،والتوظيف الرائع لإمكانات الممثلين، أسفر عن مباراة قوية في الأداء، خصوصاً بين نيللي كريم ومحمد ممدوح، وأسبغ على التجربة الكثير من الجدة والجدية، وهو ما يُحسب للمخرج محمد علي، الذي أدار عناصره الفنية بثقة واقتدار؛ فاختيار أماكن جديدة؛ كالمزرعة، قاد الفيلم إلى لغة بصرية أخاذة كان للتصوير (عبد السلام موسى) دوراً كبيراً في إبرازها، والانتقال بسلاسة من مشهد إلى آخر (مونتاج وائل فرج) كان سبباً رئيساً في التواصل مع الفكرة المثيرة، والتجربة الجديدة ؛ فالاهتمام بالفيلم الرومانسي الكوميدي لا يشغل بال السينما المصرية كثيراً، رغم التجاوب الجماهيري الدائم مع هذه النوعية عند تناولها في الأفلام الأميركية، واختلف الحال في الفيلم الذي يتحدث عن المسئولية حين تثير رعب وخوف الضعفاء، والتسامح والغفران كخطوة وحجر أساس في توطيد العلاقات بين البشر . والأهم أنه فيلم عن الحب عندما يتحول إلى سلاح تغيير فاعل وناجع .