القاهرة 21 فبراير 2017 الساعة 09:44 م
" إلى كل من أحببتهم وغابوا .. لكنهم رغم الرحيل ، يحييون فى الذاكرة .. " .
المقتطف السابق مأخوذ من افتتاحية كتاب الناقدة الكبيرة الراحلة ( د. نهاد صليحة) المعنون بـ(ومضات مسرحية) (إصدار / سلسلة مكتبة الأسرة ،2001)، هذا المقتطف إنما يعبر عن طبيعة العلاقة بين الناقدة الراحلة وكثير من الشباب الباحثين والمبدعين ، إستفادوا من ملاحظتها الدقيقة وأراءها النقدية المنضبطة ، وتواضعها الجم ، ودعمها الدائم للطلاب المحظوظين بنيل شرف الإقتراب منها ، وأحسب نفسى من هؤلاء المحظوظين القلائل .
وإذا كان مصطلح " العتبات " ، فى مجال الأدب ، يستخدم للإشارة إلى "مجموعة النصوص التي تحيط بمتن الكتاب من جميع جوانبه: كالحواشى والهوامش والعناوين الرئيسية والفرعية والفهارس والمقدمات والخاتمة وغيرها من بيانات النشر المعروفة التي تشكل في الوقت ذاته نظاما إشاريا ومعرفيا لا يقل أهمية عن المتن الذي يحيط به، بل إنّه يلعب دورا هاما في نوعية القراءة و توجيهها" (1) ، فإنه من اللافت للإنتباه أن عناوين المقالات النقدية المختارة من قبل الناقدة الراحلة (2) ، تتسم بعنصرى الدقة والتركيز ، وهو ما يظهر من خلال إختيار عنوان (الملك لير فى المنصورة) ، لمقالتها النقدية عن عرض (الملك لير / إخراج : أحمد إسماعيل ) فيعبر العنوان عن تمتع النص الشكسبيرى بعنصرى الاستمرارية والطزاجة التى تدفع المبدعين لإعادة تقديمة بمعالجات فنية مختلفة ، كما يأتى العنوان معبراً عن علاقة " نهاد صليحة " بمفهوم المسرح ، إذ يتم خلاله ( أنسنة ) النص المسرحى الشكسبيرى ، والتعامل معه باعتباره كائناً متحركاً يجوب العالم ويتفاعل مع الثقافات والرؤى الفنية المتنوعة ، ويتكرر ذلك فى مقالتها عن العرض المسرحى (روميو وجولييت / إخراج : حسين جمعة) والمعنونة بـ (روميو وجولييت فى حديقة النهر) ، فيعبر العنوان عن نفس المضمون السابق ذكره ، مع الأخذ فى الإعتبار ، إشارة العنوان إلى موقع إقامة العرض المسرحى .
وفى مقالتها عن العرض المسرحى ( الملك لير / إخراج : ديبورا وارنر ) تشير الناقدة من خلال العنوان (الملك لير أو عندما ترتدى التراجيديا قناع المهرج) إلى إسلوب المعالجة المسرحية للنص الشكسبيرى ، حيث توضح " نهاد صليحة " ، داخل المقال المذكور ، أن " ديبورا وارنر تتناول مسرحية الملك لير بأسلوب الكوميديا السوداء ، الذى ارتبط فى الأذهان بمدرسة العبث فى المسرح ، أساساً يخلط القسوة الدموية بالكوميديا والهزل الذى يصل فى بعض الأحيان إلى درجة الفارس ) ، ويتكرر ذلك فى مقالتها عن مسرحية ( الليلة الثانية عشر / فرقة : تشيراب ) ، إذ تذكر " نهاد صليحة " أن المخرج سعى إلى التأكيد ، من خلال العرض ، أن الحياة عبارة عن مسرح صاخب (فحول العرض كله إلى شبه عرض لعرائس الماريونيت مؤكداً هذا المفهوم فى البداية والنهاية عن طريق حركات الممثلين) ، وتضع الناقدة عنواناً لمقالتها يرتبط بالملاحظات السابقة وهو( الليلة الثانية عشر .. أم مسرح العرائس ) .
وفى بعض الأحيان تتجه " نهاد صليحة " فى إختيار عناوين المقالات الخاصة بها إلى عنصر المفارقة ، للكشف عن رؤيتها للتجربة المسرحية ، وهو ما يظهر من خلال مقالتها عن العرض المسرحى (شباك أوفيليا / إخراج : جواد الأسدى) والمعنونة بـ ( إطلالة على الحياة أم مشهد من القبر) ، إذ تأتى المفارقة من خلال التناقض بين كلمتى (الحياة / القبر (رمز الموت) داخل العنوان ، ومن اللافت للانتباه أن المقال المذكور يتضمن إشارة متميزة إلى علاقة عنوان العرض المسرحى بالمعالجة الفنية إذ تتساءل الناقدة ( لماذا شباك أوفيليا وليس نافذة أوفيليا ؟ ، ألأن شباك توحى بالشباك التى تقع فيها أوفيليا فى النهاية وتصطادها مع كل من هوراشيو وهاملت ؟ ، ألأن الإيحاء بصورة شباك الصياد فى العنوان تمهد لجملة هوراشيو فيما بعد التى تقول : " دارت بنا الدوائر وأصبحنا سجناء كلودياس " ) .
ومن جهة أخرى ، تختار الناقدة عنوان " ماكبث فى ثيابه القديمة " لمقالتها النقدية عن مسرحية (ماكبث / إخراج : جون فريزر) ، وذلك للتأكيد على تأثير المعالجة الفنية للنص الشكسبيرى على المستوى الفنى للعرض المسرحى ، إذ تذكر " نهاد صليحة " أن المخرج " قد حافظ على النص المكتوب .. دون أدنى محاولة للتدخل بالتفسير أو إثراء الدلالات القديمة فجاءت المسرحية متعة سماعية أو قراءة مجسمة أكثر منها رؤية إخراجية
متميزة " .
وأختتم مقالى بجانب من التصدير الموجود بكتاب (ومضات مسرحية ) تأليف الناقدة الراحلة (د. نهاد صليحة) :ـ ( ماذا يبقى من الإنسان بعد الرحيل .. لا شىء تدركه الحواس .. لا شىء سوى صور تومض فى سماء النفس .. وأصداء كلمات تتردد فى جنباتها فتبدد وحشتها ) .
الهوامش
1ـ عبد الرزاق بلال: مدخل إلى عتبات النص/ دراسة في مقدمات النقد العربي القديم(الدار البيضاء ، منشورات إفريقيا الشرق ، 2000 ) ص16 ، بتصرف.
2ـ تم نشر المقالات المذكورة داخل المقال ضمن كتاب
ـ د. نهاد صليحة : شكسبيريات (القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة مكتبة الأسرة، مايو 2005) .