القاهرة 20 فبراير 2017 الساعة 12:09 م
تقدم العولمة نفسها للوهلة الأولى كشعار مليء بالإيحاءات والإملاءات، لكن لا يخلو من خلفيات وألغاز، ولعل تضخم الخطابات حول العولمة لا ينبني عن فهم معمق لمقاصدها بقدر ما يشي بتكرار أفكار جاهزة صادرة عن العولمة. فالعولمة والخوصصة عنصران متكاملان متظافران يحققان نموهما على حساب الدولة. فالعولمة تتمثل في نقل اختصاصات الدولة وسلطاتها في المجال الاقتصادي والإعلامي وكذلك السياسي والثقافي إلى مؤسسات عالمية، فأهدافها واضحة تتلخص في إضعاف الدولة بل إلغاء دورها في كثير من المجالات الحيوية، لتحل محلها إمبراطورية العولمة، وتفقد الدولة بذلك أهم عناصر القوة التي تتمثل في السيادة. شاع استخدام لفظ العولمة (Globalisation) في السنوات العشر الأخيرة، وبالذات بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، ومع هذا فإن الظاهرة التي نشير إليها ليست حديثة بالدرجة التي قد توحي بها حداثة هذا اللفظ.
العناصر الأساسية في فكرة العولمة الليبراليه تتمثل فى : ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، سواء المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رؤوس الأموال، أو في انتشار المعلومات والأفكار، أو في تأثر أمة بقيم غيرها وعادات من الأمم، كل هذه العناصر يعرفها العالم منذ عدة قرون، وعلى الأخص منذ الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الخامس عشر، ومنذ ذلك الحين والعلاقات الاقتصادية والثقافية بين الدول والأمم تزداد قوة، باستثناء فترات قصيرة للغاية، مالت خلالها الدول إلى الاكتفاء على ذاتها، وتراجعت معدلات التجارة الدولية ومعدل انتقال رؤوس الأموال، باستثناء مجتمعات محدودة العدد، تركها العالم في عزلة، أو فضلت هي أن تعزل نفسها عن العالم لسبب آخر( كما حدث للإتحاد السوفياتي مثلا في العقود الثلاثة الأولى التالية لثورة أكتوبر أو الصين في الخمسينات والستينات، أو اليمن حتى منتصف هذا القرن. وهذا المفهوم يتميز بكونه يعكس هيمنة غربية بزعامة الولايات المتحده الامريكيه والإتحاد الأوربي، وكسر كل ما من شأنه إعاقة تفتح الأسواق العالمية ونقل المعلومات والبضائع، وتنقل الأشخاص ورؤوس الأموال. فى قول اخر إن العولمة عبارة عن مسلسل تكثيف لتيارات الأفراد والسلع والخدمات والرساميل والتكنولوجيا، وانتشارها - بموازاة مع ذلك - لتشمل الكرة الأرضية بكاملها". ويعترف بأن المبادلات الدولية جد قديمة بحق، إلا أن تكاثفها وكثافتها وتنوعها وشيوعها الواسع فد أدى إلى ظهور كلمة جديدة لتمييز هذا المسلسل: كلمة العولمة. فى قول ثالث إن ظاهرتي العولمة وتعدد الجنسية – وإن كانتا مسبوقتين بظواهر أخرى كظاهرة تدويل الإقتصاديات مثلا- إنما تعبران عن انبعاث مرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد. من هنا، فالصعوبة في تحديد محيط العولمة لا تأتي من الطابع العالمي للظاهرة فحسب، بل أيضا بسبب نقصان الأدوات الإحصائية التي لا تعبر في حد ذاتها إلا عن مرحلة التدويل. العولمة تتمثل في نقل اختصاصات الدولة وسلطاتها وإلغاء دورها لتحل محلها العولمة التي تركز في عملها شركات أو ومؤسسات متعددة الجنسية تتولى التسيير في كثير من الميادين. وتحول المواطنين إلى مجرد مستهلكين؟، يوحد بينهم ويجمعهم ما تلقيه إليهم العولمة من منتوجات متنوعة ،وتخلق فضاء تتنقل فيه المعلومات وأيضا تخلق طرق لمراقبتها داخل الأجهزة والمنظومات التقنية والاقتصادية. وقد تدخل المدير العام للمنظمة العالمية للتجارة في الندوة التي نظمتها لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الشيوخ الفرنسي، بحيث قال: "العولمة واقع ليست اختيارا، واقع يبدأ بنا وبحياتنا اليومية: في الصباح، نستيقظ على جهاز راديو ياباني مجمع بماليزيا، نتناول القهوة الواردة من كولومبيا، نستقل سيارتنا المصنوعة بفرنسا، لكن %50 من أجزائها تأتي من كل أنحاء العالم ،ثم نتجه إلى المكتب ،حيث الحاسوب وكل الأجهزة الأخرى المنتجة بمعظم مناطق العالم. فالعولمة واقع في حياتنا اليومية ليس اختيارا.
وهكذا تظل السياسة في الدولة بدون موضوع ، فلا برامج ولا نقاش ولا تعددية حزبية حقيقية. إن العولمة تفرض اليوم طريقا واحدا هو الليبرالية الجديدة أو البراغماتية الموضوعية، مما يقطع الطريق على تعددية حزبية حقيقية ويجعل برامج الأحزاب في الدول المتقدمة متشابهة إلى حد التطابق ، لأنها كله من أنتاج الحاسوب، يقودها هدف استراتيجي هو تلبية حاجيات الناخبين المتناقضة ، كما يلاحظ بين حزبي والولايات المتحدة الأمريكية الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي ،لدرجة أنها لم تعد تجد ما تقدمه للتمييز عن الأحزاب الأخرى في الحملات الانتخابية سوى مدح مزايا شخصية زعمائها وأمانتهم وعبقريتهم كما لجأت لفضح نواقص الأخلاق لدى خصومها وفضح اختلاساتهم لأموال الدولة أو تزوير الضرائب أو استغلال النفوذ. ويلاحظ على هذه العولمة السياسية المتزامنة مع تراجع دور الدولة من الناحية السيادية، أنها تقود إلى نوع من التبعية استنادا إلى عامل القوة.فالأضعف هو الذي يتبع الأقوى من الناحية السياسية ،مع ما يتولد من قلق عند الدول والشعوب المهمشة، حيث اعترفت الدول الصناعية الكبرى ولم تستطع إنكارها .إضافة إلى أنها أفضت إلى زيادة الضغوط الأمريكية على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية بصورة عامة، فلم تتمكن هذه المنظمات من التخفيف من فوضوية النظام العالمي من حيث تهديد هياكل الدول، وانتشار العنف الداخلي والإقليمي ولم تتمكن المؤتمرات العالمية التي انعقدت بعد الحرب الباردة تحت رعاية الأمم المتحدة من مواجهة الآثار السلبية للعولمة أو وقف تداعياتها.
تعد الشركات المتعددة الجنسية إحدى أهم الأدوات الاقتصادية الرئيسية إن لم تكن الأكبر أهمية لظاهرة العولمة,وهي محور العولمة والقوة الدافعة لها بلا انقطاع,تتميز هذه الشركات بأنها تقوم بابحاتها في بلد وتصنع المواد في بلد أخر,وتجمعها في بلد تالت,وتودع الفائض وتبيعها في بلد أجنبي,هكذا دواليك فهي تؤدي إلى العمليات الإنتاجية في عشرات البلدان,وتتميز هذه الشركات بعدة خاصيات الضخامة في رؤوس الأموال,تعدد الأنشطة وتنوعها ,الاتساع الجغرافي. .فالشركات أصبحت تتسع حيت ما ترى في اي مكان.يوفر لها ربحا,مستفيدة من التطور الحاصل في المجال التقني والاتصالات وازدياد الاعتماد المتبادل,والشركات دائما تضع في حساباتها أن أساس تحقيق الثروة والقوة,وبالتالي اعتمادها على العلم والمعرفة جعلها تستطيع ولفترات قصيرة أن تقف على قاعدة صلبة من الاختراع,الأمر الذي أدى إلى التطور السريع لهده الشركات,فضلا عن تطورها من حيت النشاط,فمن تصدير السلعة وتصدير رأس المال إلى تصدير المشروعات,و الواقع ان الشركات المتعددة الجنسية قد دفعت بالدول والأمم ,الى منطقها وتيسير الطريق لها لا لكونها ذات قوة استثمارية ضخمة,وإمكانات فعل تفعيل كبرى,ولكن لكونها أصبحت الفاعل الجديد في الاقتصاد والمال,في التكنولوجيا والثقافة,وبالتالي فلم تعد الدولة هي المسير والمتحكم بل أصبحت التابع والمتأقلم.
يمكن القول ان الشركات المتعددة الجنسية تحولت في ظل العولمة إلى دول حقيقية تقوم بتفكيك الدول وإعادة بناءها من جديد,وجعلها تتنازل تحت ضربات الرأسمالية الاحتكارية عن حقوقها وحدودها الجغرافية وواجباتها اتجاه مجتمعاتها,كي تقيم دولة عالمية,قادتها ورؤسائها رؤوس الاحتكارات العالمية من اليهود وغيرهم من الأمريكيين وحلفائهم الخاضعين لتوجيهاتهم كي تمص دماء الكادحين في المجتمعات الإنسانية وتقضي على شعورهم الوطني,فالشركات المتعددة الجنسية تمكنت من القفز فوق الحدود التي تفصل بين الدول والأقطار,كما تمكنت من إزالة الحواجز الجمركية أو تغلبت على كل القيود التي تحول دون تدفق المعلومات والبيانات فسلبت بدلك الكثير من سلطات الدول التي كانت تمارسها ضمن حدودها السياسية .والتي تعتبر من أهم مقومات سيادتها الوطنية,فأصبحت هده الدول اليوم عاجزة إن لم نقل كليا فجزئيا عن تطبيق ماكانت تقوم به بالأمس من نفوذ وصلاحيات على أرضها,ومن وسائل هده الشركات في التاتير على سيادة الدول,قيام هده الشركات بإغلاق فروعها او نقلها الى خارج الدولة سواء بطلب من الدولة الأم,أو إذا حاولت الدولة التدخل في شؤون الشركة وإجبارها على إتباع سياسات اقتصادية تؤثر على أرباحها ,والاتفاق مع شركات أخرى على مراقبة سياسات هده الدولة,تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر,وان لاحظت الشركة ان الدول غدت غيرها,ملائمة لاستثماراتها نزحت بقية الشركات المستثمرة ,مما يؤدي الى انخفاض أسعار العملات وأسعار الأسهم والسندات لهده الدول المضيفة للاستثمارات الأمر الذي ينجم عنه انخفاض احتياطي مصرفها المركزي من العملات من العملات الأجنبية,أو حدوث موجة من الإفلاس الجماعي في العديد من مؤسساتها مثلما حدت في المكسيك عام 1994م ,وبلدان جنوب شرف أسيا عام 1990م,اذ تعد الليبرالية الجديدة إلى أبعاد الدولة عن الشعب,وتشجيع الفساد وتحويلها إلى أداة قهر في خدمة مصالح السوق وقد تزايد نفوذ هده الشركات بعدما أصبحت تخلق النقود,وبذلك تكون قد انتزعت بعض حقوق السيادة التي تعد من رموز السيادة الوطنية,حيث خلقت هده الشركات نقودا مقبولة الدفع في معظم لدول,وهي بطاقات الائتمان التي لا تخضع لرقابة البنوك المركزية فيها,ولذا فقدت الدولة القومية كثيرا من اهميتها3,وتقلصت سيادتها أمام الشركات خاصة
في الدول النامية التي تفتقد تكنولوجيا ومعلومات السيطرة على شبكة تداول المعلومات,لذا,فقد فقدت هده الدول القوة والقدرة على مقاومة تدخل هده الشركات في شؤون سيادتها,وفضلا عن كل هذا لم تكتف الشركات بتدمير الحياة الاقتصادية لإفساد الحياة السياسية داخل الدول التي تعمل بها من دلك, شركة "لوكهيد الأمريكية للطائرات"وغيرها من الشركات المتعددة الجنسية,حيت تبين إنها كانت تسعى لتسهيل مصالحها وعقد صفقاتها للدول التي تعمل بها عن طريق الرشاوى للمسولين في تلك الدول,وشركة "هاليبرتون"التي كان يرأسها نائب الرئيس"ديك تشيني",وتعرضها لفضائح واتهامات مستمرة,ويتهمها الكثيرون بالاستفادة من معاملة تفضيلية في تلقي عقود في العراق من طرف وزارة الدفاع الأمريكية البانتاجون,ومبالغة الشركة في قيمة ما تقدمه من خدمات هناك في فواتير الحكومة العراقية,الآمر الذي أدى إلى اضطرابات سياسية واقتصادية عنيفة في كثير من الدول مثل أفغانستان والعراق وإعلان الحرب عليها,وتدميرها لنهب ثرواتها البترولية والاقتصادية.