القاهرة 29 يناير 2017 الساعة 02:08 م
محيى الدين بن عربى من الشخصيات المُهمة فى التراث العربى/ الإسلامى، خاصة وأنه أسّس مدرسة مُهمة فى التصوف ذات بـُـعد إنسانى كرّس للتعددية- حتى الدينية والمذهبية- فأبدع الأبيات الشعرية التى يُردّدها المُـستنيرون ((لقد صار قلبى قابلا كل صورة/ فمرعى لغزلان ودير لرهبان/ وبيت لأوثان وكعبة طائف/ وألواح توراة ومصحف قرآن/ أدين بدين الحب أنىّ توجـّـهتْ/ ركائبه فالحب دينى وإيمانى)) لذلك كان كتاب د. نصر أبوزيد (هكذا تكلم ابن عربى- مكتبة الأسرة2015) من الكتب المهمة التى تستحق القراءة.
امتلك ابن عربى شجاعة الاعتراف بدور الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين، فمدحهم فى قصيدة ركــّـز فيها على اسم (سعد بن عبادة) الذى قـدّم دعمًا ماليـًـا وعسكريـًـا فى سبيل الدعوة الإسلامية. ولم يتوقف دعمه أو دعم قبيلته بعد فتح مكة بل استمر. ورغم ذلك فإنّ كتب التراث العربى/ الإسلامى شوّهتْ سمعة (سعد بن عبادة) بسبب موقفه فى الحوار الذى دار فى (سقيفة) قومه (بنى ساعدة) عقب وفاة الرسول، حيث اجتمع الأنصار لمناقشة مسألة الخلافة. وكان سعد أهم مرشحى الأنصار، لولا تدخل أبى بكر وعمر. وبعد أنْ قــُـتل سعد قيل إنّ (الجن) قتلته.
لذلك فإنّ ابن عربى أعاد الاعتبار لشخصية سعد بن عبادة فى قصيدة مدح فيها الأنصار، والاعتراف بدورهم. والقصيدة – كذلك - محاولة رمزية لتقديم قراءة للتاريخ تتعلق بمسألة الخلافات المُبكــّـرة حول من يخلف الرسول، خاصة وأنه قد ثار خلاف آخر- ذكرته الكتب السنية والشيعية- حول أسباب عدم حضور على بن أبى طالب اجتماع (السقيفة) وأنه لم يكن راضيـًـا عن النتيجة التى أسفر عنها الاجتماع. وكان يرى نفسه أحق بخلافة الرسول ولهذا تأخر فى مُبايعة أبى بكر.
وبينما قال الرسول ((إنّ خير القرون قرنى)) كتب ابن عربى أنه بعد وفاة الرسول ((حدثتْ أمور، وانتشرتْ أهواء، وسـُـفكتْ دماء وغارتْ الذئاب فى البلاد وكثرالفساد، وأدبرنهارالعدل))
ومن اجتهادات ابن عربى المهمة أنه حصر مفهوم (الإجماع) فى جيل صحابة الرسول فقط بمراعاة أنّ إجماعهم على أمر من الأمور لابد أنْ يكون مبنيـًـا على نص قولى أو فعل ليكون من سنة الرسول. ولم يكتف ابن عربى بذلك وإنما انتقد المتأخرين الذين لا ينطبق عليهم (فقهاء الإجماع) وهاجم منهجهم التكفيرى. وعن مسألة القياس فإنّ ابن عربى اخنلف مع (فقهاء الظاهرية) الذين حرّموا القياس، ورغم أنه لم يأخذ به، فلم يُخطــّـىء أصحاب القياس، وهم أتباع ابن حزم الذى رأى أنّ القياس قد يصل إلى تحريم شىء لم يُحرّمه الله بل سكت الشرع عنه. وأنّ ما سكت الشرع عنه يجب أنْ يظل فى (دائرة المباح) فكان من رأى ابن عربى ((فليكن القياس مثله إذا كان جليـًـا لا يُـرتاب فيه. وعندنا - وإنْ لم نقل به - فإنى أجيز الحكم به لمن أداه اجتهاده إلى إثباته، أخطأ فى ذلك أو أصاب)) أى أنّ ابن عربى لم يتبنّ مفهومـًـا ساكنــًـا للقياس يحكم على أساسه المُجتهدون، بل ترك باب الاجتهاد مفتوحـًـا، بشرط ألا يـُـخطــّـىء المختلفون بعضهم البعض ولا يتهمون بعضهم بمخالفة دين الله وبالتالى يـُـرفع سلاح التكفير.
وكان ابن عربى شجاعـًا وجريئــًا عندما أدلى برأيه فى مسألة (إمامة المرأة) إذا قورن رأيه بالآراء الفقهية الشائعة، فابن عربى أجاز أنْ تؤم المرأة الرجال والنساء على السواء، ورأى أنّ من يمنعون إمامتها (بشكل مطلق) أو يـُـقصرون جواز إمامتها على النساء دون الرجال، لا يعتمدون على دليل شرعى فى المنع. ورغم هذا الموقف المُستنير فإنّ ابن عربى فرّق بين الرجل والمرأة عندما جعل الرجل = العقل والمرأة = النفس، فكان من رأى د. نصر((ولا يمكن أنْ نتوقــّـع من ابن عربى أنْ يخترق كل المُحرمات الاجتماعية فى عصره)) ورغم ذلك فإنّ ابن عربى نالته سهام (التكفير) من معاصريه ومن معاصرينا.
000
هامش (1) د.نصرحامد أبوزيد (1943- 2010) حصل على منحة من مؤسسة فورد للدراسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. ومنحة من مركز الشرق الأوسط ، جامعة بنسلفانيا الأمريكية. وبعد الحكم بفصله عن زوجته سافر إلى هولندا وعمل بإحدى جامعاتها وخصـّـصوا له (كرسى لدراسة الإسلام) وقد انضمّ إلى د. عبدالصبور شاهين (الذى كفــّـر د. نصر) كل من محمد البلتاجى، أحمد هيكل وإسماعيل سالم.
هامش (2) محيى الدين بن عربى (1165- 1240) واحد من أشهر المتصوفة. وُلد فى (مرسية) بإسبانيا الحالية. أمه من (مرسية) وأبوه أمازيغى. من أشهر مؤلفاته (الفتوحات المكية) وهو الكتاب الذى طالب الأصوليون فى مصر بمصادرته، رغم أنّ هذا الكتاب من أهم كتبه.
|