القاهرة 12 يناير 2017 الساعة 11:45 ص
ربنا م تحوجناش لغيرك !!
جملة رائعة فى التراث الشعبى المصرى يسيرعليها البسطاء فى بلادى ويتحلمون من أجل تحقيقها المر بكل أشكاله ويعرقون فى عز برد الشتاء وحر الصيف من أجل الحصول على لقمة العيش بشرف ودون تسول ... أما حكوماتنا فتسير عكس ذلك ومنذ عصر مبارك وحتى الآن بعد أن ابتلينا بنكبة الخصخصة والمصمصة وحيتانها !!.....
وبدلا من تطبيق المثل الصينى الشهير " أعطني سنارة وعلمني الصيد خير لي من اعطائى سمكة"!!
وحتى يكون الكلام محددا وبدون لف ودوران لم يكن الأمر خاليا من الفساد بل هو قمة الفساد بعينه .. قررت الحكومة بيع الكثير من المنشآت الرابحة اقتصاديا بتراب الفلوس منذ التسعينات بحجة أنه لا يوجد مستثمر يشترى منشأة خاسرة ، وفى نفس الوقت سعت مافيا الخصخصة لجعل من نجا من غول الخصخصة فى أول "طلعة" خاسرا بالثلاثة حتى يسهل بيعه ولو انقاض لمقاولى الهدد !!...
وتوالت الكوارث .. مع سبق الاصرار والترصد بعنى بعنا السنارات التى كنا نصطاد بها أكلنا بشكل دائم من أجل حفنة أسماك سرعان ما التهمها الحيتان الكبار وبقى الجوع والخراب لملايين الشعب المصرى ... ويكون السؤال لماذا البكاء على اللبن المسكوب ؟
الإجابة لأمرين أساسين .. الأول أننى بدأت اسمع من يحن إلى عهد مبارك ويقول إنه أفضل مما نعيشه الآن وكأن كل من عاش هذا العصر قد ماتوا ... والسبب الثانى وللأسف الشديد أن حيتان الخصخصة والمصمصة وغربانها بدأوا فى الظهور من جديد و يعملون بهمة ونشاط وبدأوا يعودون للمشهد من جديد دون خجل !!....وسأطرح هذا الإسبوع نموذجا صارخا هوعرض فندق ميريديان هليوبوليس للبيع ، وهذا الفندق لمن لا يعرف موقعه يقع فى أجمل بقعة على طريق صلاح سالم بمنطقة مصر الجديدة بالقرب من قصر البارون الشهير..
ولم تبدأ الحكاية كما يتبادر للذهن من شهور قليلة لكن منذ سنوات بإعلان الشركة صاحبة الفندق عن خسائر متتالية ، ربما يكون السبب حقيقيا بفعل كساد السياحة وهذا لن يدوم بأذن الله ، أو بفعل نفس حلقات المسلسل الخبيث لتخريد وتخسير منشآت القطاع العام لجعلها فى نهاية المطاف منشآت خاسرة وبالتالى يكون الحل جاهزا : لا بد من بيعها ، لكن الله وحكومتنا الرشيدة خيبوا فعلهما بعد قرار تعويم الجنيه الذى يفضح هذه الحلقة من مسلسل الخصخصة فى شكله الجديد ....
والحكاية باختصار هى إعلان مجلس إدارة الشركة الوطنية للإسكان للنقابات المهنية بيع فندق ميريديان هليوبوليس المملوك للشركة فى الفترة المقبلة...والفندق 5" نجوم" ويضم 318 غرفة، بإجمالي استثمارات حوالى 120 مليون جنيه، وتُقدَّر القيمة السوقية الحالية للفندق بحوالى 75 مليون دولار، بما يساوى 500 مليون جنيه كما تقول الشركة ....طبعا هذا المبلغ كان منذ شهور أى عندما كان الدولار ب ستة جنيه وستون قرشا تقريبا وليس نحو 20 جنيها الآن ... وهذه أول خبطة !!
إذا كان الإصرار على البيع بهذا الثمن البخس !!.....ويبقى السؤال المهم من الذى قدر قيمة هذا الفندق بهذا الثمن ولصالح من يتم بيع هذا الفندق برخص التراب والذى يمكن أن يجلب هذا الثمن من أرباح الفندق لمدة 4 سنوات إذا أحسنا استثماره ؟!....
.يعنى تبقى عندنا سنارة ذهبية ثم نبيعها من أجل مخطط خبيث جربنا مرارته من بطالة لملايين العمال وضياع أهم مصادر الدخل القومى وأصبحنا كمن يبيع عفش بيته كى يأكل ويكون السؤال .. ماذا سيفعل هذا الغلبان فى عقله ومن سيعطيه طعامه بعد أن ينفد ثمن بيته ؟
والسؤال الساذج الذى أطرحه على أى طفل فى الشارع كم يتكلف إنشاء مثل هذا الفندق الآن ؟ ...
الإجابة طبعا ستكون فاضحة لهذا المسلسل الخبيث الذى بدأ كما قلت منذ سنوات بتخسير الفندق فكما تقول الشركة أنها تكبدت خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالى خسائر بـ3 ملايين جنيه، مقابل خسارة 6 ملايين جنيه خلال الفترة المماثلة من 2015، وتكبدت خسارة خلال 2015 مبلغ 9.1 مليون جنيه، مقابل خسائر 4.5 مليون جنيه خلال 2014.... نفس المسلسل بحذافيره الذى تم عمله مع بعض مصانع القطاع العام يعود من جديد !!
والغريبة أن الفندق مملوك لمجموعة من البنوك الوطنية منها الأهلي ومصر وقناة السويس والبنك الوطني للتنمية و بنك ناصر الاجتماعي برأسمال قدره 147.7 مليون جنيه بنسبة حوالي 92.3% من إجمالى رأسمال الشركة، بالإضافة لبعض النقابات والشركات والأفراد التي تمثل بقية الأسهم 12.3 مليون جنيه بنسبة 7.7% من إجمالى رأس المال.، يعنى كيف تسمح هذه البنوك التى تشترك فى رأسمال فنادق ومؤسسات ناجحة فى تدمير ودائع عملائها بإسناد إدارة ومصير هذا الفندق إلى من يتحدث باسم الملاك خاصة
وأن البنوك تملك 92.3 % من رأسمال الفندق !!....
ويبدو أن الشعب المصرى موعود بمن يفرط فى أملاكه التى تحمل اسم سلسلة فنادق الميريديان العالمية وكلنا نذكر الواقعة المريرة والفضيحة التى مازالت رائحتها حتى الآن مع فندقى ميرديان النيل وشيراتون الغردقة ... أذكر ذلك للمترحمين على عصر مبارك والناقمين على اللحظة الحالية ...الكارثة الأولى أننا موعودون برقم 75 مليون دولار لعرضه فى الصفقتين ، ميريديان النيل وميرديان هوليوبليس رغم مرور نحو 23 عاما على الصفقتين !!
وأذكر لعل الذكرى تفيق المترحمين على أيام مبارك أنه تم بيع ميرديان النيل عام 1993 ب75 مليون دولاروبما يعادل 40% من القيمة المعادلة للأرض بدون المبانى فى أجمل بقعة على نيل القاهرة في أقصي الطرف الشمالي لجزيرة المنيل وكان الفندق يظهر «كشبه جزيرة في النيل» يعنى في موقع فريد ومتميز لا مثيل له ....
أذكركم حتى لا يظن أحد أن الفساد يتم دفنه للأبد أن مساحة الفندق المملوك وقتها لمحافظة القاهرة وشركة إيجوث كانت 21 ألف متر مربع وكان سعر المتر في هذا الموقع الفريد وقتها وبدون المبانى لا يقل عن 30 ألف جنيه أي أن قيمة الأرض وحدها كانت تساوي 630 مليون جنيه «185 مليون دولار بسعر الدولار عام 1993»وليس كما بيع للأمير السعودى ب 75 مليون دولار فقط أي بما يساوي 40% من قيمة الأرض وحدها والكارثة الأكبر أن دراسات الخبراء أكدت أن السعر الذي بيع به الفندق لا يتجاوز قيمة أرباحه الصافية في أربع سنوات!!.....
والأغرب أن الصفقة لم تشمل الفندق فحسب ولكن شملت الأرض المحيطة بالفندق .. وقد تم السماح لعبد العزيز الإبراهيمي ببناء برج بارتفاع 45 طابقا علي حديقة هو فندق « جراند حياة» ولم يكتف بذلك بل حصل علي موافقة بردم مترين من النيل تضاف إلي الحديقة التي قطعت أشجارها وموقف السيارات الذي تهدم.. وبالطبع لم يعرف أحد من المسئول عن هذه الصفقة التي انتهت إلي بيع مبني المريديان وملحقاته مقابل لا شيء...
.والغريبة أن الفندق الرائع تم غلقه منذ شراءه وتم تشغيل الفندق الجديد ولم تفلح محاولات المهندس إبراهيم محلب مع المالك لإعادة تشغيله مرة أخرى !!!
وماحدث فى ميريديان النيل حدث فى عدد من الصفقات من بينها شيراتون القاهرة وشيراتون الغردقة وغيرها وبيعت أيضا بلا مبرر اقتصادى ، إلا رغبة أعداء هذا البلد فى تدمير كل منشآته الاقتصادية والسياحية والصناعية و كان الفساد فيها للركب وفاحت رائحته ومازالت فى كل شىء بداية من تقييم سعر الأصل العام وعرضه للبيع بتراب الفلوس ثم إهدار المال العام ببعزقة حصيلة البيع ، ولا عزاء طبعا لمال الشعب المصري وثروته الوطنية التى تم تبديدها بفعل فاعل وأمام أعيننا جميعا فى وضح النهار ، والكارثة قيام نفس المستثمرالذى اشترى ميرديان القاهرة بتراب الفلوس ومنذ أكثر من عشرين عاماً مضت بشراء فندق الغردقة الدائري الشهيرمن شركة قطاع الأعمال العام «ايجوث» بأبخس الأسعار في صفقة عجيبة قيمتها 15 مليون دولار فقط شاملة الفندق والأرض المحيطة به ومساحتها حوالي 82 فداناً!...
والفندق تم إغلاقه منذ شراءه دون مبرر و مازال علامة مميزة للمدينة السياحية العالمية باعتباره أول فنادقها التاريخية حيث يتربع علي البحر في موقع متميز ونادر والسؤال الساذج لماذا اشترى المستثمر هذا الفندق ولماذا يغلقه حتى الآن بعد تسريح مئات العمال والموظفين منه وغلقه أمام السياحة العالمية .. ؟!...
الأغرب أن المستثمر أياه حصل وقتها ضمن الصفقة علي حق ملكية الشارع الرئيسي الذي يطل علي الفندق ويربط القري السياحية من الشمال إلى الجنوب.. إضافة إلي مساحة 38 فداناً من الأرض الفضاء.. كلها تقع علي شاطئ البحر الأحمر وبكم ب 15 مليون دولار يابلاش !
هل تفتح الرقابة الإدارية التي كلفها الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتصدي لمشاكل الاستثمار والفساد هذا الملف وتوقف تكرارهذه المهازل من جديد فى ميريديان مصر الجديدة .. وتحاسب الذين صمتوا وتجاهلوا عمداً أكبر عملية إتجار وتسقيع وإهدار لمواردنا في أغلي مواقع سياحية تملكها مصر!!
والسؤال المهم أيضا من صاحب فكرة إعادة مسلسل الخصخصة من جديد لنا بعد أن راينا أمامنا بيع مصانع وفنادق ومنشآت مصر بتراب الفلوس منذ التسعينات ، وإذا كنا نعانى من سوء الإدارة فى بعض المنشآت الصناعية أو الاقتصادية أو السياحية وماترتب عن ذلك من خسائر ...يكون السؤال لماذا لانغير هذه القيادات ونوابها و نطبق أحد نماذج الخصخصة الأخرى ؟ ...
أقصد خصخصة الإدارة خاصة بعد نجاحها فى مصر قبل ظهور حيتان الخصخصة عندنا، أقصد ما كانت تفعله الحكومة المصرية بإسناد إدارة الفنادق عندنا للشركات العالمية نظير نسبة من الأرباح ، يعنى لو كنا فاشلين فى الإدارة لماذا لا نستعين بالناجحين بدلا من بيع السنارة والدجاجة التى يمكن أن تبيض لنا ذهبا !!
وبحسبة اقتصادية كم تتكلف فرصة إنشاء فرصة عمل ، اعتقد أن المبلغ المقترح لن يقل عن 200 ألف جنيه لفرصة العمل الواحدة وهذه المنشآت لو تم بيعها وخسارة الاقتصاد القومى أحد أهم مرتكزاته بالإضافة إلى تسريح عمالتها وتحويل أراضيها لعمارات سكنية مثلما حدث فى العديد من المصانع و اعتقد أن الخسارة ستكون كبير جدا جدا جدا !!
ولا أعرف أين مجلس النواب بنوابه المحترمين عندنا، فلم نسمع عن طلبات إحاطة أو غيرها من أدوات برلمانية لمنع تكرار حلقات هذا المسلسل البغيض المسمى بالخصخصة خاصة بعد أن سمعنا عن طرح شركات وبنوك ناجحة للبيع فى البورصة ... ويبقى السؤال لماذا نصرعلى بيع الدجاج الذى يبيض لنا ذهبا ونصر على بيع السنارة مقابل بعض السمكات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع !!
yousrielsaid@yahoo.com