القاهرة 11 يناير 2017 الساعة 11:16 ص
لا أدرى ماذا سوف يكون رأى المؤيدين لنظرية «المؤامرة» فيما يحدث حاليا فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا نجد حتى الآن من ينسجها ويتحدث بها لا هناك لا هنا.
خيوط المؤامرة بدأت كما تبدأ بخطوة غير مفهومة كما هى العادة فى كل المؤامرات، وهى قيام السيد دونالد ترامب بالترشح للرئاسة الأمريكية رغم أنه كان فى السابق عضوا فى الحزب الديمقراطي، ولم يكن أحد فى الحزب الجمهورى متحمسا لهذا «المستجد» على التقاليد الجمهورية. الأهم أن ترامب ليس جديدا على الساحة العامة، فهو من المشاهير، وملياردير، ويصاحب من النساء أجملهن، ومن الأغنياء أغناهم، ومع ذلك فإنه لم يقرر من قبل وهو الذى قارب السبعين الترشح للرئاسة. التآمريون، أو أصحاب نظرية المؤامرة، يرون أن هذه الخطوة لا تحدث إلى إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. فما هى الأسباب يا ترى التى جعلت ترامب يترشح «فجأة»، وهل ما فعله هو من قبيل الصدفة (المفاجأة وأثرها، والتوقيت وملابساته من الأمور الأساسية فى النظرية) ؟.
مسيرة ترامب بعد ذلك معروفة، فالرجل فاز على 17 جمهوريا فى الانتخابات التمهيدية، ثم فاز على هيلارى كلينتون التى رشحتها كل استطلاعات الرأى العام للفوز، وحتى إنها فازت بالفعل بأغلبية الأصوات الشعبية فى أمريكا، ولكنها خسرت المجمع الانتخابي. حدث فوز ترامب رغم سيرته الشخصية الفاسدة على المستويين النسائى والمالى (هناك بالفعل 60 قضية مرفوعة على ترامب، وذلك بعد أن قام بتسوية قضية الفساد الخاصة بجامعته بدفع 25 مليون دولار). كيف حدث هذا إلا إذا كانت هناك أسرار كبرى توضح طبيعة المؤامرة الكبرى التى بدأت أولى خطواتها بإعلان ترامب تقديره للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وشخصيته القوية. مثل ذلك لم يحدث من قبل من رئيس أمريكى لرئيس روسى حدث أنه كان عضوا فى جهاز المخابرات السوفيتية الشهير KGB وأصبح فى النهاية رئيسا للاتحاد الروسي، سالكا طريقا فى سياسته الداخلية والخارجية من أجل عودة روسيا إلى مكانتها كقوة عظمي.
ولكن الغزل فى الرئيس الروسى لم يكن هو كل القصة، وإنما بدأت مظاهرها فى الظهور أثناء الحملة الانتخابية عندما بدأت «ويكيليكس» لصاحبها جوليا أوسانج العميل لدى المخابرات الروسية فى إذاعة رسائل إلكترونية للجنة الوطنية الديمقراطية (الحزب الديمقراطى الأمريكي)، ولأعضاء رئيسيين فى حملة هيلارى كلينتون الانتخابية تشين المرشحة الديمقراطية. أكثر من هذا أن مكتب التحقيقات الفيدرالى اكتشف «فجأة» أسبوعا قبل يوم الانتخابات أن هناك حاجة إلى إعادة فتح قضية الرسائل الإلكترونية لهيلارى كلينتون مرة أخرى بعد إغلاقها السابق. هذا التتالى فى المصائب الانتخابية للتأثير فى الناخبين دفعت عددا من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، الديمقراطيين والجمهوريين أيضا، إلى التساؤل عما إذا كان هناك عمل روسى مخابراتى للتأثير فى الانتخابات الأمريكية، بحيث تفرض روسيا مرشحها فى النهاية على البيت الأبيض؟. رد فعل ترامب على ذلك كان مثيرا للهواجس، ففى البداية ركز على أن اختراق البريد الإلكترونى ليس بالأمر الصعب، ومن الوارد أن يكون أكثر من طرف قادر على ذلك، فربما يكون الصين أو أعداء آخرون لآل كلينتون. ولكن هذا الرد دفع 17 جهازا للمخابرات فى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكتب التحقيق الفيدرالي، للبحث فى الأمر، ثم إصدار تقرير مؤداه صحة التقدير الذى يرى أن المخابرات الروسية حاولت بالفعل التدخل فى الانتخابات الأمريكية (تاريخيا تدخلت المخابرات الأمريكية فى العديد من الانتخابات التى جرت فى دول أخري). تعليق ترامب جاء على «تويتر» مثيرا للدهشة، وهى أنه غير مقتنع بوجهة نظر أجهزة المخابرات الأمريكية؛ وخاصة بعد فضيحتها السابقة حول وجود أسلحة للدمار الشامل لدى العراق، والتى أدت إلى الغزو الأمريكى لبغداد، وما بعدها من كوارث جارية حتى اليوم. وعندما طلبت أجهزة المخابرات أسبوعا لعرض الأمر على الرئيس المنتخب، جاء تعليقه أنه ربما تحتاج هذه الأجهزة وقتا «لتجهيز القضية». وفى كل الأحوال فإن الرئيس الذى لا يزال فى البيت الأبيض باراك أوباما قرر ليس فقط تصديق تقرير أجهزة مخابراته، وإنما توقيع عقوبات منها طرد 35 دبلوماسيا روسيا من واشنطن بتهمة التورط فى «المؤامرة». بوتين من ناحيته قرر عدم الرد على هذه الخطوة غير الدبلوماسية والانتظار حتى يأتى الرئيس الجديد، الذى علق بدوره بأن ما فعله بوتين يعد أمرا ذكيا Smart.
مثل ذلك لا يوجد له سابقة فى الحياة السياسية الأمريكية، ولا فى العلاقات الروسية الأمريكية أن تجرى العلاقات على مستوى رئيسين للدولة الأمريكية، أحدهما فى البيت الأبيض ،والآخر فى برج ترامب فى نيويورك، اللهم إلا إذا كان السيد ترامب له علاقة خاصة بالسيد بوتين. جماعة أنصار نظرية المؤامرة فى مصر والعالم العربى يمكنها أن تصل من القصة السابقة أن هناك علاقة عمل وعمالة جارية وصلت إلى أن موسكو نجحت فى تنصيب رئيس جديد فى واشنطن، ولا يوجد دليل أكثر من تقرير أجهزة المخابرات الأمريكية التى أدانت بالفعل السلوك الروسي. هل يوجد أكثر من ذلك دليل؟ ولكن الأهم لماذا لا يوجد فى واشنطن من يصرخ بالمؤامرة، بل إن بيل وهيلارى كلينتون سوف يحضران احتفال تنصيب ترامب؟ لا بد أن هناك أمرا فى عالم الأمريكيين خطأ؟!