القاهرة 08 يناير 2017 الساعة 11:16 ص
كتب: عبد الرحمن عثمان
يحتفل المسيحيون في كافة أنحاء الدنيا هذه الأيام بعيد ميلاد السيد المسيح [عليه السلام” ، ويُعتبر عيد الميلاد المجيد أحد أهم الأعياد المسيحية، ويُمثل تذكار ميلاد السيد المسيح، وما يتضمنه من رسائل المحبة والسلام للبشرية، وتبدأ الاحتفالات ليلة العيد بإقامة الصلوات، والتي تنتهي مع بداية اليوم الجديد، وتبدء الاحتفالات في صباح يوم العيد بمظاهر شتى كلها تحمل مضمون واحد هو تبادل مشاعر الحُب والإخاء بين الناس بعضهم البعض.
يشهد عيد الميلاد احتفالات دينية وصلوات خاصة للمناسبة، واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال “بابا نويل” وتناول عشاء الميلاد، كما يوجد لهذه المناسبة ألحان وتراتيل وموسيقى خاصة بمناسبة الميلاد يتم تناولها بأبعاد مختلفة.
يبدأ الاحتفال من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين “الغريغوري” و “اليولياني” غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين 13 يومًا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير، وهو الجدل الذي يتكرر سنويًا في خضم الاحتفال بعيد الميلاد، وهل من سبيل لتوحيد الاحتفال به، والمعروف أن توقيت الاحتفال بعيد الميلاد المجيد إنما هو توقيت رمزي لا تاريخي، فلا أحد يعلم علم اليقين تاريخ ميلاد السيد المسيح.
تعتمد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في حساب أعيادها علي التقويم القبطي الموروث من أجدادنا الفراعنة ومعمول به منذ دخول المسيحية مصر، أما الكنائس الشرقية فتعمل بالتقويم اليولياني المأخوذ عن التقويم القبطي، بينما الكنائس الغربية تعمل وفق التقويم الغريغوري الذي هو التقويم اليولياني المُعدل.
لماذا الاختلاف حول توقيت الاحتفال ..؟
كانت بداية الاحتفال بعيد الميلاد في منتصف القرن الرابع في روما في عهد البابا “يوليوس الأول”، حينما تم تغيير عيد “شمس البر” إلى “عيد الميلاد”، فقد كان كل المسيحيين يحتفلون بميلاد السيد المسيح فى توقيت واحد، ولكن اختلف يوم الاحتفال عندما غير الغربيون تقويمهم في القرن السادس عشر، بينما لم يُغير الشرقيون تقويمهم، فهم يحتفلون بميلاد السيد المسيح في 29 من الشهر القبطي “كيهك” الذي كان يوافق 25 ديسمبر، ولكن عندما أسقط الغربيون 13 يومًا من نتيجتهم لأسباب فلكية أصبح “29 كيهك” يوافق الآن “السابع من يناير” وهكذا في كل التقاويم الشرقية، فالكنيسة التي تتبع التقويم الحديث تحتفل في 25 ديسمبر، والتي تتبع التقويم القديم يأتي احتفالها في 7 يناير، وقد تحدد عيد ميلاد المسيح بيوم 25 ديسمبر فى “مجمع نيقية” عام 325م ليكون العيد في أطول ليلة وأقصر نهار “فلكيًا”، والتي يبدأ بعدها الليل بالنقصان والنهار فى الزيادة، إذ بميلاد المسيح “نور العالم” يبدأ الليل بالنقصان والنهار “النور” بالزيادة.
فالاختلاف يرجع في الأساس إلى تغييرات حسابية طرأت على التقويم الميلادي في ضوء الاكتشافات الفلكية التي تتعلق بطول وقصر السنة، مما أدى إلى بروز وصفين لهذا التقويم، الأول يُسمى “التقويم اليولياني” وهو ما يُعرف بالتقويم القديم والمُعتمد لدى الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، والثاني هو “التقويم الغريغوري” نسبة للبابا غريغوريوس الـ 13 بابا روما عام 1582، وهو المُعتمد لدى الكنائس الغربية، وبسبب هذه التغييرات الحسابية بين التقويمين والقيام باحتساب الفروقات من زيادة ونقصان في عدد أيام السنة عبر عدة قرون، فقد برز ثمة فارق بين التقويمين يصل اليوم إلى 13 يومًا.
الاختلاف بين الشرق والغرب حول موعد عيد الميلاد ليس خلافًا عقائديًا، ولكنه يرجع إلى اختلاف التقويم الذى يستخدمه كل فريق في تحديد يوم العيد، فسبب الاختلاف هو اختلاف التقابل بين التاريخ القبطي والتاريخ الغربي، فالتقويم القبطي المصري القديم تتكون فيه السنة من 365 يومًا و6 ساعات كاملة، بينما التقويم الغربي الذى بدأه “يوليوس قيصر” في “سنة 36 ق.م” فعُرف باسم “التقويم اليولياني”، تتكون فيه السنة من 365 يومًا و 6 ساعات أيضًا.
اكتشف الفلكيون فى عهد “البابا غريغوريوس الـ 13” أن دورة الأرض حول الشمس تستغرق 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أى أن السنة الحقيقية تقل عن “السنة اليوليانية” بمقدار “11 دقيقة و14 ثانية” وهذا الفرق يُحدث تقدمًا بمقدار يوم كل “128 سنة” واقنع الفلكيون البابا غريغوريوس أنه لابد من تعديل التقويم، ولتعديل هذا الفارق في المُستقبل يلزم حذف 3 أيام كل 400 سنة ميلادية، وبناء على هذا التعديل صار “29 كيهك” يُقابل 7 يناير فرفضت الكنيسة القبطية أن تساير التعديل الغريغوري وتمسكت بتقويمها القبطي السليم الذي هو التقويم المصري القديم بدون تعديل، وتمسكت أيضًا بموعد عيد الميلاد “29 كيهك” بغض النظر عن اليوم الذي يقع فيه في السنة الميلادية.
وبمُناسبة الحديث عن التقويم فهناك 3 أنواع من التقويمات “القمرية والشمسية والنجمية”، التقويم القمرى فيه تقل السنة 11 يوم كل سنة، وهذه يسير عليها المسلمون، واليهود بمعنى سنتهم “سنة قمرية” ويُطلق عليه المسلمون “التقويم الهجري أو القمري ويسميه اليهود التقويم العبري أو القمري”، وهناك “التقويم الشمسي” وفيه تزيد السنة الرابعة يومًا كل أربع سنين تزيد يوم وتسمى “السنة الكبيسة”، ويسير عليها الغرب المسيحي، لكن وجد فارق 12 دقيقة و14 ثانية في هذا اليوم الزائد.
فى القرن الـ 15 وجد علماء الفلك الفارق حوالي 10 أيام في عصر أحد الأباطرة، ولذلك قرر الإمبراطور نزول العشرة أيام كان يوم 15 أكتوبر فأصبح 5 أكتوبر فوصلوا ليوم 25/12 العيد، كان العيد وقتها في القرن الـ 15 يوم 4 يناير فنزلوا العشرة أيام فأصبح 25 ديسمبر.
أما التقويم النجمي وهذا ما تسير عليه السنة القبطية المصرية القديمة يزيد يوم كل أربع سنوات ويزيد يوم كل 300 سنة لدقة الحساب الفلكي النجمي، لذلك “29 كيهك” كان يوافق 1 يناير في الفترة من 1: 300 سنة ميلادية وفي الـ 300 سنة التاليين كان يوافق 2 يناير في الفترة من 301: 600 ميلادية، وكان يوافق 3 يناير في الفترة من 601: 900، وهكذا كان يوافق 4 يناير في الفترة من 901: 1200 و5 يناير في الفترة من 1201: 1500، ويوافق 6 يناير فى الفترة من 1501: 1800، ويوافق 7 يناير في الفترة من 1801: 2100، وهذه فترتنا التي نعيشها الآن وسيكون الثامن من يناير في الفترة من 2011 حتى 2400 ، وبالتالي يُصبح الموعد الدقيق لنفس يوم ميلاد السيد المسيح هو يوم “29 كيهك” فالسنة الميلادية تتغيرلكن السنة القبطية ثابتة لا تتغير.
والسنة الكبيسة القبطية يكون اليوم الزائد في آخر السنة 6 من شهر “نسئ” وهي كلمة معناها في اللغة “العقيب”، وعرف بالقبطية باسم “الشهر الصغير”، وهو خمسة أيام في ثلاث سنوات متتالية وفي السنة الرابعة يكون فيها ستة أيام “كبيسة” وهو يُمثل الشهر الأخير من السنة، ويكون الأول من شهر “توت” يوافق 12 سبتمبر، بينما في السنة الميلادية يكون اليوم الزائد هو 29 فبراير، ولذلك من “12 سبتمبر: 29 فبراير” يكون هناك فارق يوم في التاريخ بين القبطي والميلادي، ثم من الأول من مارس تتوافق التواريخ مرة أخرى، من 12 سبتمبر اليوم الزيادة في السنة القبطية حتى 29 فبراير اليوم الزيادة في الميلادي يظل يوم زائد فيكون 29 كيهك يوافق 8 يناير و11 طوبة وهو عيد الغطاس يوافق 20 يناير.
مظاهر الاحتفال بالميلاد:-
يأتي عيد الميلاد المجيد بشكل عام بعد انقضاء فترة من الصوم يتخللها بعض المراسم والطقوس الدينية المُتنوعة على مستوى الطوائف المسيحية، تمثل العديد منها في سهرات روحية تتضمن مدائح وتراتيل للسيدة العذراء مريم، لما لها من مكانة خاصة بين نساء العالم، والتي نالت شرف “الحمل والميلاد المُعجزي” للسيد المسيح.
تشهد الاحتفالات بعيد الميلاد تراتيل وترانيم دينية وصلوات خاصة للمناسبة، واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وتناول عشاء الميلاد، وعمل مغارة “مزود” الميلاد.
يقوم العديد من الأسر بعمل مذود صغير”مغارة” و شجرة الكريسماس لتذكرهم بأحداث الميلاد، و لشعوب العالم في الاحتفال بعيد الميلاد تقاليدهم الخاصة، وإن اختلفت لكن جميعها تتفق في أن هذه الاحتفالات إنما هي ذكرى مُقدسة لميلاد السيد المسيح، و تحاول الشعوب في هذه الاحتفالات أن تستعيد القيم التي بذل السيد المسيح نفسه من أجلها.
شجرة الميلاد وبابا نويل والمزود
شجرة الميلاد :-
وهي تعني القيمة الرمزية للمغارة أو “المزود” الذي ولد فيه المسيح، وتحمل أيضًا رسالة الأخوة والصداقة والدعوة إلى الاتحاد والسلام، وعادة ما يتم التزيين بشجرة عيد الميلاد التي تعلوها نجم ذات حجم كبير، والذي يرمز إلى النجم الكبير الذي ظهر للمجوس كدليل للوصول إلى مكان ميلاد السيد المسيح في “بيت لحم”، مع احتواءها أيضًا على عدد من النجوم الصغيرة وكذلك الأجراس والتي ترمز إلى إعلان البشارة بالميلاد.
بابا نويل :-
يعتبره الكثيرون شخصية وهمية كان لها أساس واقعي مُستمد من شخصية “القديس نيقولاس أسقف ميرا المتوفى سنة 341م”، والذي لقب بصانع العجائب لكثرة العجائب التي أجراها الله على يديه، كما اشتهر بعمل الإحسان، وتوزيع الصدقات على الفقراء، فقد باع كل ما ورثه عن والديه ووزعه على المساكين، ومن وحي سيرته واهتمامه بالأحداث، اتخذ كشخص وهمي يوزع الهدايا في عيد الميلاد، وسُمي “سانتا كلوز” أو “بابا نويل”، واسم “سانتا كلوز” جاء من اسمه بالإنجليزية “سانت نيكولاس”، وأول رسم لبابا نويل كان سنة 1862م، وهو عبارة عن شخص كبير السن يبدو قزما يلبس ملابس حمراء وقبعة صغيرة، وله لحية طويلة بيضاء.
المزود “المغارة”:-
وهي رمز البساطة والتواضع، ويرجع تاريخها إلى القديس فرنسيس الأسيزي، في القرن الحادي عشر، اذ هو أول من صنع تماثيل المغاره فأوحت فيها لنفسه ولنفوس المؤمنين مبعثا للتقوى والفضيلة وراحت هذه العادة تنتشر شيئا فشيئا في أرجاء إيطاليا ثم في باقي دول العالم، لذلك اعتاد الناس على إعداد ما يُسمي بـ “مزود البقر” وهو المكان المتواضع جدًا الذي حل فيه “الطفل يسوع المسيح”، لإحياء ذكرى ميلاده، وكمثال على ترسيخ فضيلة التواضع في نفوس الناس، كما ظهر أيضًا من خلال تعاليم السيد المسيح للشعب ومن خلال حياته في وسطهم بمظهر وطبيعة متواضعة جدًا.
إحتفالات عيد الميلاد في دول العالم:-
ولعيد الميلاد مظاهر احتفالية خاصة تختلف من بلد إلى آخر، ففي الشرق يقتصر الاحتفال على الصلاة بالكنائس ليلة العيد والابتهال إلى الله أن يجعل العام الجديد عامًا سعيدًا، ويبدأ صباح يوم العيد بتوزيع الهدايا على أبناء الخدمة بالكنائس كل حسب أعمارهم، كما يقوم الآباء الكهنة والخدام بالكنائس بزيارة الملاجئ وبيوت الأيتام والمرضى وأيضًا المسجونين وتقديم الهدايا لهم.
في بيت لحم: حيث ولد السيد المسيح يكون للاحتفال طابع خاص، حيث يصل إليها آلاف السياح من كل أنحاء العالم فيصعدون في الطريق الجبلي المُتعرج بين القدس وبيت لحم ويدخلون كنيسة المهد وهو المكان الذي ولد فيه السيد المسيح فيحضرون صلاة القداس الكبير وبعده يخرجون ليشتروا منتجات بيت لحم المعروفة من مسابح وخشب زيتون.
في النمسا: تستمر الاحتفالات بعيد الميلاد لمدة شهر كامل، تبدأ يوم السادس من يناير الذي يوافق عيد ميلاد القديس نيقولا “بابا نويل”، و يُقيمون مغارات صغيرة خارج البيوت، كل مغارة لها 14 نافذة وراء كل منها ملاك، يفتحونها واحدة فواحدة فيظهر وراءها الملاك، وآخر نافذة تفتح عشية عيد الميلاد فيظهر وراءها تمثال للسيد المسيح والعائلة المقدسة، والبعض يصنعون تمثالاً للسيدة العذراء يطوفون به من بيت إلى بيت على ضوء الشموع، ويحمل بعض الأطفال صورة لميلاد السيد المسيح يزفونها في، ويطوف الجميع ثم يعودون ليدوروا حول شجرة عيد الميلاد وهم ينشدون ترانيم دينية ثم يتوجهون لحضور صلاة القداس بالكنيسة في منتصف الليل.
في قبرص: يهتم اليونانيون بعيد الميلاد فيأخذون أطفالهم إلى الكنيسة، حيث تظل صلاة القداس قائمة حتى الفجر، ثم يعودون حاملين الشموع إلى منازلهم.
في روما: يُنشد الرُعاة الترانيم الدينية على إيقاع المزامير بالقرب من النافورات والشوارع المُزدحمة، و قد ظل الرعاة يحافظون على هذه العادة منذ مئات السنين فينحدرون من الجبال ويصبغون احتفالات روما بطابع خاص.
في الولايات المتحدة: يُعتبر هذا العيد موسمًا للعطايا، اذ يفتح فيه الجميع قلوبهم وبيوتهم للأصدقاء والغرباء في بلادهم، ومن بين مظاهر الاحتفال بهذا العيد الاكتتاب الشعبي بشراء كوبونات عيد الميلاد وتخصص حصيلتها لمُكافحة الأمراض المُستعصية، وهذه الكوبونات تلصق على الخطابات والهدايا المُتبادلة خلال أيام العيد.
في بلجيكا: تقوم البلدية بتنظيم الاحتفال بالعيد، حيث تجتمع الفرق الموسيقية في الميادين وتعزف ألحان الميلاد، وتصدح الموسيقى الهادئة في كل مكان بواسطة الميكرفونات المُثبتة في الشوارع.
في ولايه كلورادو: بعد ظهر يوم الأحد السابق لعيد الميلاد يدور مناد بنفير يدعو محبي المرح إلى قاعة البلدية، وبعد أن يقوموا بدورات يرتلون خلالها أغاني العيد، يخرج قاطعوا الأشجار بقبعاتهم الحمراء والخضراء من غابة تغطيها الثلوج وقد عادوا فرحين مُمسكين بأشجار العيد ويترنمون بأغنية خاصة عن الميلاد، وتكثر الاحتفالات وتتعدد أشكالها في كل بيت، وتمثل ظاهرة الكتابة بالقطن في الواجهات الزجاجية للمحلات قطع الثلج التي تغطي نوافذ المنازل الزجاجية في البلاد باردة المناخ .
في انجلترا: عندما تطفأ الأنوار في مُنتصف الليل السابق للعيد ينتظر الجالسون حضور بابا نويل.
في أمريكا الجنوبية: لديهم عاده تقديم الهدايا للأطفال داخل جمال مصنوعة بالأيادي، وذلك لأنهم يعتقدون أن الحُكماء الذين زاروا السيد المسيح عند مولده كانوا يركبون الجمال في رحلتهم الطويلة.
في سكندناوه: يربطون حزمًا من القمح ويعلقونها خارج الأبواب لتأكلها الطيور في فصل الميلاد.
في أيرلندا: يرفعون وعاء مملوءً بالحنطة في أعلى مكان بالمنزل وحوله 12 شمعة تمثل تلاميذ السيد المسيح، وفي الوسط شمعة كبيرة ترمز إلى السيد المسيح “نور العالم”.
في ريف جبال الألب: يبدأ أبعد ساكن في القرية بإضاءة شعلة ويحملها إلى أقرب جار له ويُضيء بها شعلته، ليقوم هو الآخر بإضاء شعلة أقرب جار له، إلى أن تضاء مشاعل القرية كلها ويسير الجميع في موكب حافل إلى كنيسة القرية لإقامة صلاة العيد.
الشهور القبطية.. معانيها وأمثالها
بالرغم من أن التقويم القبطي توارى في زاوية بعيدة وسط التقاويم ولا يأخذ مكانه فى المكاتبات الرسمية، ولو سألت أحدا تاريخ اليوم القبطي لما وجدت ردا، إلا من الفلاح المصرى الذى احتضن هذا التقويم، وظل يتوارث العمل به في زراعته منذ عرف هذا التقويم في عام 4241 قبل الميلاد.
وهو جزء من التراث المصري الفرعوني إنه دائرة معارف شعبية زراعية فلكية متميزة انطبعت في تراثنا المصري الأصيل . لقد احتفظ أقباط مصر بنفس التقويم المصري القديم وشهوره التي ظلت كما هي بأسمائها الفرعونية بعد أن اتخذوا من عام الشهداء الذي استشهد خلاله ألاف المسيحيين على يد الإمبراطور الروماني دقلديانوس عام 248 بداية للتقويم القبطي. .
إن الشهور القبطية إمتداد للتقويم المصري القديم, الذي كان مرتبطا بالزراعة التي تبدأ بانسحاب ماء الفيضان وتنقسم إلى مواسم للبذر والري والحصاد وتشوين القمح
وغير ذلك من واجبات الفلاح الموسمية. وكل أوان من تلك كان مرتبطا ولا يزال بشهر من شهور السنة القبطية التي استمرت شهورها إرثا للفلاح المصرى عن جده القديم. وتبلور ذلك الارتباط بين الشهر وبين الموسم الزراعى فى امثال صاغها الفلاحون وتوارثوها أباً عن جد حتى الجد الفرعوني الأعلى, وانحدرت من الديموطيقية أو عامية المصريين القدماء- عبر القبطية- إلى عاميتنا المعاصرة, حيث مازالت تعيش بيننا. ومعظمها مرتبط بالزراعة, لكن بعضها منتشر أيضا بين أهل المدن لارتباطه بمواضيع أكثر عمومية, كالطقس مثلا. وفيما يلي التقويم القبطي مصحوبا بالأمثال المتعلقة بكل شهر من شهوره.
1- توت
مشتق من الإله تحوت اله العلم والمعرفة
– يأتي في الفترة من 11 سبتمبر إلى 10 أكتوبر
– أمثاله :
أ- «في توت أروى ولا تفوت» أي الفلاح الذي لا يستطيع أن يروي أرضه في هذا الشهر لا يستفيد من زراعتها.
ب- «توت يقول للحر موت» نسبة إلى انكسار نسبة الحرارة في هذا الشهر.
ج- «توت حاوي توت» أي أن الحاوي يتكلم بالعلم والمعرفة بلسان الإله توت.
د- «في توت لا تدع الفرصة تفوت».
2- بابه
مشتق من هابى اله النيل
– ويأتي في الفترة من 11 أكتوبر إلى 9 نوفمبر
– أمثاله :
أ- «بابة خش واقفل الدرابة» أي الطاقة النافذة الضيقة في البيوت الريفية اتقاء للبرد في هذا الشهر.
ب- «إن صح زرع بابة يغلب النهابة، وإن خاب زرع بابة ما يجيبش ولا لبابة» أي أن كثرة المحصول في بابة مربحة مهما انتهب منها.
3- هاتور
مشتق من هاتور ( أثور ) اله الحب والجمال
– ويأتي من 10 نوفمبر إلى 9 ديسمبر
– أمثاله :
أ- «هاتور أبو الدهب منثور» يقصد بالدهب القمح.
ب- «إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور».
4- كيهك
ماخوذ من كاهاكا ( عجل ابيس المقدس ) اله الخير
– من 10 ديسمبر إلى 8 يناير
– أمثاله :
أ- « كياك صباحك مساك، تقوم من فطورك تحضر عشاك!».
ب- «كياك صباحك مساك، شيل يدك من غداك، وحطها في عشاك» إشارة إلى قصر النهار في هذا الشهر وطول الليل.
ج- «البهايم اللي متشبعش في كياك ادعي عليها بالهلاك»
5-طوبه
مخصص للإله أمو اله الطبيعة
– من 9 يناير إلى 7 فبراير
– أمثاله :
أ- «طوبة تخلى العجوزة كركوبة، من كثرة البرد والرطوبة»
ب- «طوبه تخلي الصبية جلدة والعجوزة قردة»
ج- «طوبه تزيد الشمس طوبة»
د-“الاسم لطوبة والفعل لأمشير”.
6- أمشير
مأخوذ من اله الزوابع والعواصف
– يأتي من 8 فبراير إلى 9 مارس
– أمثاله :
أ-أمشير:أبو الزعابير الكتير أبو الطبل الكبير
ب- «أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير»
ج-أمشير أبو الزعابير الكتير (ياخد الهدوم ويطير)
د- «أمشير يقول لبرمهات عشرة منى خد وعشرة منك هات نطير العجوز بين السفكات».
7- برمهات
مأخوذ من مونت اله الحرب والنيران
– من 10مارس إلى 8 أبريل
– أمثاله :
برمهات روح الغيط وهات قمحات وعدسات وبصلات
دلالة على أنه شهر بداية الحصاد لمزروعات الشتاء .
8- برمودة
مشتق من رنو اله الرياح او اله الموت
– من 9 أبريل إلى 8 مايو
– أمثاله :
أ- «برمودة دق العامودة» أي دق سنابل القمح بعد نضجها.
ب- برمودة:وردة برمودة بالعودة لأنه شهر الحصاد.
9- بشنس
مخصص للإله خنوسو اله القمر
– من 9 مايو إلى 7 يونيو
– أمثاله :
أ- «بشنس يكنس الغيط كنس» لأنه لم يبقى في الغيط شيء
ب- «فى بشنس خلى بالك من الشمس».
10- بؤونه
(باذنى ) مشتق من اله المعادن
– 8 يونيو إلى 7 يوليو
– أمثاله :
أ- «بؤونه نقل وتخزين المونة» أي المؤنة للاحتفاظ بها بقية العام، خشية الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض.
ب- «بؤونة تكتر فيه الحرارة الملعونة»
د- «شهر بؤونة يفلق الحجر».
11- أبيب
مشتق من أبيب إله الفرح
– 8 يوليو إلى 6 أغسطس
– أمثاله :
أ- «أبيب فيه العنب يطيب»
ب- «أبيب طباخ العنب والزبيب»
ج- «إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب»
د- «أبيب مية النيل فيه تريب» نسبة إلى الفيضان.
12- مسرى
مشتق من مس را اله الشمس
– من 7 أغسطس إلى 5 سبتمبر
– أمثاله :
أ- «عنب مسرى إن فاتك متلقاش ولا كسرة» أي الحث على الإسراع في زراعة الذرة.
ب- «مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة» حيث تزداد مياه الفيضان فتغمر كل مصر.
13- نسيء
الشهر الصغير ومعناه التأخير
وكل من الشهور القبطية أو الفرعونية لها شهرة متميزة بنوع من أنواع الطعام ولذا يقال في الأمثال الأخرى،
“لم نرى في مصر مثل: ماء طوبة، ولبن أمشير، وخروب برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كياهك.”