القاهرة 02 يناير 2017 الساعة 12:19 م
يبدو واضحا أن هناك بالفعل "كيمياء" خاصة بين الرئيس السيسي ــ رئيس أقدم دولة هامة في التاريخ ( مصر) .. وبين الرئيس دونالد ترامب ــ رئيس أحدث دولة هامة في التاريخ (أمريكا) .. وتعبير "الكيمياء" الذي ورد على لسان الرئيس "ترامب" عقب أول لقاء مع الرئيس السيسي في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى شهر سبتمبر الماضى ... يسجل حالة غير مسبوقة ، في العلاقات بين واشنطن والقاهرة على مستوى القيادتين، وبعد الانجراف المصري نحو الغرب 1974 وما لحق به من شبه إذعان لما تريده الدولة العظمى، وهي تريد أن تلعب مصر دورا يتم تكليفها به ، أو مهام تقوم بها .. ليس أكثر أو أقل !!
وبعد ثورة 30 يونيو 2013 ، كانت نفاط الخلاف كثيرة بين واشنطن والقاهرة ، وساد توتر مكتوم ، وكانت مصر تتحفظ فقط على شطحات المواقف الأمريكية، من اللعب بورقة حقوق الإنسان، والتمويل المفتوح لنشطاء وكالات أو منظمات مصرية في هذا المجال .. أو التلاعب بسياسة الدعم المقرر لمصر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد (العسكري والاقتصادي) وعكس الالتزام فوق العادة بالجانب المقرر لإسرائيل .. ثم أدركت مصر أخيرا أن الإختراق أو التدخل الأمريكي في الشأن المصري، أصبح غير صحي وغير مقبول !!
والتزمت مصر بالغضب "المكتوم" وهي تراقب وترصد ما يتم تدبيره للمنطقة العربية ..وحتى حين جاء "الإخوان" لسدة الحكم ، في وضع معين أو لحظة بالغة الإلتباس ، ورغم أن اختيارهم لم يكن اختيارا حقيقيا، ولكن صنعته المصادفات والظروف .. نجد أن أمريكا، رفعت الحظر "فيتو" الذي كانت تضعه على "الإخوان" ، وأعلنت أنها لا تمانع في التعامل معهم،وذلك ما قاله أوباما، وكررته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية وقتئذ .. وكانت الإدارة الأمريكية عينها على مخطط "الفوضى الخلاقة" ، وحدث ما حدث في سوريا وليبيا، بعد العراق بالطبع .. وتكشف الدعم الأمريكي للتنظيمات والجماعات الإرهابية في المنطقة العربية، ولم يكن الأمر بعيدا عن سيناء أيضا !!
ثم جاء "ترامب" بفكر ورؤية مغايرة تماما ، بل وتقترب تماما من مواقف مصر تجاه سوريا وليبيا، وتجاه التنظيمات الإرهابية ، والدول العربية والإقليمية الداعمة لها، بالتمويل والسلاح .. وإذا كانت مصر تتحفظ على الأسماء، إلا أن "ترامب" كان صريحا ومحددا وهو يشير بأصابع الاتهام لتلك الدول .. بل وأن يتوعد وينذر ويحذر .. واعترف أيضا بالدور الأمريكي، في تخليق وصناعة الجماعات الإرهابية .. وأعلن أن "حربه المشروعة" ضد الإرهاب للقضاء عليه ، وعقاب من يمول ويدعم .. وهو توافق تام مع رؤية الرئيس السيسي في مكافحة الإرهاب، وعدم التدخل في شئون الدول، والحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية والليبية، وأن الحل السياسي في سوريا بقيادة الرئيس الأسد، هو الحل الوحيد المتاح والأمثل لحل الأزمة السورية، وردع الإرهابيين..
أمريكيا ، والتعليمات واجبة التنفيذ .. وجدت في كل هذا سقفا واسعا للعربدة السياسية في الإقليم العربي .. ودولة أخرى أنفقت ببذخ على تكبير حجم صورتها الصغيرة .. وهي الدول التي لعبت مع الإرهاب والإرهابيين، وبالوكالة عن الكبار، وقد تصورت أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية ، سوف تكفل لها البقاء على الكرسي !!
وحتى جاءت "صدمة ترامب" .. ليقلب الطاولة، ويبعثر أوراق "الأجندة" المتعارف عليها ، وقبل أن يدخل البيت الأبيض .. وخلال حملته الانتخابية، التى قال فيها ، إن الدول الخليجية عليها أن "تدفع ثمن الحماية الأمريكية" .. ثم .. وأمام حشد من أنصاره فى ولاية فلوريدا، أضاف الرئيس المنتخب دونالد
ترامب، الأسبوع الماضي، : "سنساعد سوريا على بناء مناطق
آمنة بها، ( أي إعادة التعمير) ولكن مع إنفاق الدول الخليجية عليها، سنساعد الجميع، لكن لن نجعلهم يأتون إلى أمريكا، سنبنى تلك المناطق وسنجعل الدول الخليجية تنفق من أجلها".
ولم يعد أمام هذه الدول إلا البحث عن "كفيل" في صورة بريطانيا، التي كانت عظمى يوما ما .. وكأنها عودة بريطانية لميراث الإمبراطورية التي تنازلت عنه للولايات المتحدة الأمريكية، حين انسحبت من المنطقة عقب حرب السويس 1956 وسلمتها لأمريكا كنوع من الأثاث أو الحقائب أو ما غير ذلك !! والمؤلم .. أنه يبدو وكأن العرب لم يتغيروا ، وكأنهم عادوا إلى حيث كانوا .. وكأنهم ما زالوا هناك عند "سايكس بيكو الأولى" .. ثم أن ظاهر ما يسمعون ، يأخذهم إلى حيث تريد لهم أوهامهم !!
نحن نعلم أن لجماعات الضغط الصهيوني اليهودي، دورها في تشكيل القرار السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط ، وهي تأثيرها نافذ في كل المجالات ، خصوصا على السلطات التي يتعاظم تدخلها في القرار السياسي الأمريكي، مثل الكونغرس ووسائل الإعلام .. ونحن نعلم أن كل رئيس في الولايات المتحدة خضع للصغط ، والظاهرة تتكرر مع كل رئيس أمريكي .. ولكن يبقى الرهان على الرئيس ترامب ، في تغليب قضية (أمريكا ..أولا ) وهي قضية رأي عام أمريكي، تهمه بالدرجة الأولى الأوضاع الداخلية (إقتصاديا ) .. وهي أيضا قصية أمن قومي، لشارع يترقب كل لحظة ضربات "داعشية" تصل إليه بعد أوروبا المكتوية بنيران الإرهاب والإرهابيين .
ولو ترسخت قواعد جبهة "السيسي ـ ترامب" بحسب تعبير الدول الراعية والداعمة للإرهاب والإرهابيين .. ولو تحقق ما أعلن عنه ترامب .. فإن أشياء كثيرة سوف تتغير .. وأعلام كثيرة سوف تسقط .. وسوف نجد أنفسنا أمام سيناريو جديد لشكل الحوادث المحتملة والتطورات الممكنة ..
ولكن .. تبقى المخاوف من وكالة المخابرات المركزية، وهي تعد من أبرز الجهات المعادية لترامب، والتي تحولت تحت إدارتي بوش الابن وأوباما إلى وكالة اغتيالات مركزية، وخاصة
أن جزءاً كبيراً من ميزانيتها يعتمد على مواصلة الحرب على سورية وعمليات الاغتيال التي تقوم بها طائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان وأماكن أخرى، ومن المرجح أن توقف سياسات ترامب الأكثر استقلالية تلك الحملات وأرصدة الميزانيات ذات الصلة.. وإضافة إلى وكالة المخابرات المركزية هناك شركات صناعة الأسلحة التي يمكن أن تخسر مبيعات هائلة لكبار العملاء في الخليج العربي من جراء خفض تدخلات أمريكا الخارجية المكلفة جداً في منطقة الشرق الأوسط والحاصل .. أن الدول الراعية، أو الداعمة للإرهابيين التكفيريين، بدأت تتحدث همسا عن .. أو تشير تلميحا إلى .. أو تخشى صراحة من .. ما تطلق عليه جبهة " السيسي ــ ترامب" .. ومن بين هذه الدول من سبق لها وأن تطاولت على مصر ومكانتها ودورها، واستقوت بالقواعد الأمريكية على أراضيها .. ودول عربية تجاوزت كثيرا حدود التعليمات الأمريكية لها بالتدخل غير المباشر في سوريا وليبيا .. وهي دول وجدت في "وظيفتها" والمهام الموكلة إليها