القاهرة 22 ديسمبر 2016 الساعة 03:41 م
تماسك الجبهة الداخلية.. والالتفاف حول المشروع الوطني.. وقدرات الجيش والشرطة ستنتصر في النهاية
قبل أن يطوي أيامه الاخيرة يصر عام 2016 علي الارهاب في كافة الاتجاهات بمعظم دول العالم.. لا يفرق بينها.
قبل أن تمر ايام علي حادث الأردن.. جاء حادث اغتيال السفير الروسي لدي انقرة.. وبعد ساعات دهست حافلة مواطنين يحتفلون بأعياد الميلاد في برلين.. والاعتداء علي المركز الاسلامي في زيوريخ.. وقبلها حادثا الهرم والعباسية بمصر ناهيك عما يحدث في باكستان وافغانستان وبورما والتهديد باستهداف العديد من البعثات الدبلوماسية سواء لإيران أو أمريكا.
تأتي هذه الجرائم الإرهابية وسط حالة من الارتباك يشهدها الاقليم والعالم.. وخفوت علاقات عربية متينة.. بل وتبني مواقف غربية لمجرد اختلاف في الرؤي إلا أن ما يتم علي الاراضي من تضاربات وتقاطعات عربية ــ عربية لم يثن مصر عن تحقيق مشروعها الوطني واستغلال ارادتها والحفاظ علي مقدراتها وتعاملها بلطف مع كل التجاوزات العربية.
لفك طلاسم المشهد الاقليمي والدولي وقبله العربي.. وحول الارادة المصرية والحفاظ علي الدولة الوطنية لكل قطر عربي ونبذ الطائفية التي اصبحت عنواناً رئيسياً لبعض الدول العربية رغم الخطورة التي تهدد كياناتها من هذا العنوان نحاور الدكتور محمود محيي الدين الباحث السياسي في شئون الأمن الاقليمي ونائب البرلمان عن دائرة اشمون منوفية.. وإلي نص الحوار:
* كيف تقرأ المشهد الاقليمي والدولي بعد الحوادث الارهابية الاخيرة وخاصة اغتيال السفير الروسي بانقرة.. ودهس الحافلة للمحتفلين بأعياد الميلاد في برلين وقبلها الحادث الارهابي بالاردن وحادث الكنيسة البطرسية وشارع الهرم بمصر؟
** حادث مقتل السفير الروسي بانقرة ترجمة لما يحدث في الاقليم من حالة صراع عنيف وتغير متسارع في طبيعة التوجهات والتحالفات بين القوي المؤثرة في هذا السياق الاقليمي المتعلق بالحرب في سوريا والعراق.
طبيعة قيادة روسيا للعمليات العسكرية لجانب النظام السوري وايران وحزب الله والميلشيات المتحالفة معها لتحقيق اهداف استراتيجية لها علي الارض السورية باستخدام القوة العسكرية ونشر قوات بحرية شرق البحر المتوسط اضافة لتواجد تمركزات في قاعدتي طرطوس واللاذقية شرق المتوسط وتطوير قاعدة جميمين الجوية لتكون مقراً لتمركز القوات الجوية الروسية علي ارض سوريا والتي انطلقت منها عمليات عسكرية علي تجمعات المسلحين المنتمين لقوي المعارضة التي تحمل السلاح والجهادية والتكفيرية بسوريا.
المتغيرات وتقاطع الاهداف جعلت من تركيا حليفاً تكتيكياً فيما يخص سوريا لمصالحها الاقليمية علي المستويين السياسي والعسكري.. سياسة تركيا لا ترغب في تمدد القوات الكردية غرب الفرات كي تصل لايجاد تواصل جغرافي مع الكيان الكردي في منطقة العراق والتواجد المباشر والملاصق للحدود التركية السورية.. ولذلك قامت تركيا بعمليات وبمشاركة الجيش السوري الحر لابعاد القوات الكردية عن منطقة غرب الفرات ومستمرة في عملياتها العسكرية في منطقة "الباب" و"جرايلس" وغرب الفرات لمنع قيام كيان كردي في شمال شرق سوريا.
بجانب ذلك يأتي التوجه الامريكي بدفع القوات التركية ومشاركة خبراء من امريكا وفرنسا وبريطانيا لتحرير الرقة عاصمة الدولة الاسلامية في العراق والشام.
ما ظهر اخيرا وجود تنسيق كامل ما بين الجيش الروسي والقوات التركية لضمان سلامة تنفيذ العمليات العسكرية بلا صدام وتنفيذ الاهداف العسكرية لكلا الطرفين ولذا استهداف السفير الروسي في انقرة يمثل عملاً عدائياً للدولة التركية وهذه نقطة مهمة للاسباب والدوافع والنتائج التي سيترتب عليها هذا الحدث.. روسيا احدي الدول دائمة العضوية بمجلس الامن وثاني اكبر قوة عسكرية وتربطها مصالح استراتيجية خاصة ان الممرات الدافئة للاسطول الروسي في البحر الاسود يمر عبر ممر "الدردانيل" و"خليج البسفور".
* هل اغتيال السفير الروسي لدي انقرة سوف يؤثر سلباً علي العلاقات التركية الروسية؟
** استخلاص النتائج بصورة دقيقة سيتم من خلال الدراسة المشتركة بين اجهزة الامن في البلدين للوقوف علي الدوافع الحقيقية والمتورطين خلف هذا الحادث الذي يمثل سابقة تاريخية في العلاقات الدولية بالنسبة لروسيا لذا سينطوي علي تشدد روسي في تحقيق اهدافها الاستراتيجية بالمشاركة بفاعلية في الحرب السورية ضد الارهاب مع استمرار التعاون مع تركيا علي ارضية المصالح المشتركة واستنباط طبيعة العدائيات المستقبلية التي سيواجهها الطرفان من اجل تحقيق الاهداف وحماية المصالح.. فالأدوات المتحدة تترجم إرادة الكيانات الكبيرة.
* هل ملامح الجريمة تؤدي إلي وقوف داعش خلفها؟
** ليس بالضرورة الاشارة لداعش فقط.. وانما تأخذنا لحالة الصراع الداخلي في تركيا بين الكيان الموازي بقيادة "فتح الله جولن" المقيم في امريكا والمتهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد اردوغان.. كما تشير الجريمة لعملية تهجير السنة من حلب وترك المجال لتواجد الميلشيات الشيعية والايرانية في حلب معقل اهل السنة في سوريا.
* هل حادث اغتيال السفير الروسي سيعكر صفو العلاقات بينهما؟
** لن يتعكر صفو العلاقات الروسية التركية.. بل سوف تجمع البلدين في خندق واحد ضد قوي القوي اسلامية قومية بالتنسيق مع جهات استخباراتية غربية وهذا يترجم طبيعة الصراع والتغييرات الديمجرافية العتيقة التي تتم علي الأراضي السورية والعراقية.
* نشاط الإرهاب هل سيشهد انحساراً ام تنامياً في الفترة القادمة؟
** من المتوقع خلال مرحلة نشاط الارهاب وقد تمتد لسنوات بسبب التغير الحاد في التركيبة السكانية في سوريا التي لها انعكاسات اقليمية فيما يعرف "بالذئاب المتفردة" والارهاب المتجول ضد كل القوي التي تآمرت علي المشروع الاسلامي الجهادي السلفي والذي ادي في نهايته إلي ترسيخ النفوذ الطائفي لإيران في منطقة سوريا والعراق سوف يدفع المنطقة لحالة صراع لفترة طويلة تطوي كافة الانظمة العربية التي شاركت او تغاضت عما يحدث في سوريا او انسحبت من الوعود التي قطعتها علي نفسها لدعم الحركات الجهادية ومنها بعض من دول الخليج.
* شهدت مصر خلال الفترة الماضية عمليات ارهابية طالت إما رجال الأمن في "كمين الهرم" أو الوحدة الوطنية في "الكنيسة البطرسية" اين موقع مصر من نشاط الارهاب في الاقليم والعالم؟
** مصر ليست بعيدة عن الاقليم والعالم بل مؤثرة.. بالقطع سيكون لما يحدث علي الارض في سوريا والعراق وليبيا واليمن انعكاساً علي مصر.. لاستمرار موجة الارهاب التي تعم المنطقة.. لذلك ليس غريباً محاولة القيام بعمليات داخل مصر لاثبات الوجود فقط مع عدم تحقيق اي اهداف سياسية للعمليات الارهابية بسبب تماسك الجبهة الداخلية المصرية والتفافها حول المشروع الوطني المصري المتمثل في دولة المواطنة والمؤسسات وادراكاً من الشعب قيمة الوطن وسمو اهداف التعايش الانساني السلبي في منطقة وادي النيل.. اضافة لكفاءة وقدرة اجهزة الامن والقوات المسلحة في دحر الارهاب بقدراتنا الذاتية دون مشاركة او تواجد لأي قوي اجنبية علي الأراضي المصرية.
والاهم هو القيام بمشروعات تنمية حقيقية بهدف تخفيف الاعباء عن المواطن في مجالات البنية الاساسية والمشروعات القومية سواء كانت زراعية او صناعية او تجارية أو خدمية
* التقارب السعودي الاثيوبي.. والقطري الاثيوبي.. والقطري السعودي هل موجه لمصر؟
** هذه التقاربات لا تخرج عن السياق فالتحالف بين قطر والسعودية وتركيا لتحقيق اهداف استراتيجية لهم تم الاعلان عنها خلال لقاء وزراء خارجية الدول الثلاث.. وقد سبقت تركيا السعودية وقطر بانشاء علاقة قوية بين الجانب الاثيوبي في المجال العسكري والاقتصادي تمثل في تسليم اثيوبيا بعضاً من وحدات صواريخ ارض جو لحماية المنشآت الهامة كما ورد اعلامياً.
انجرار السعودية وقطر خلف المشروع التركي يماثل تماماً طبيعة تحالفهما فيما يخص الاحداث الجارية في سوريا والعراق.
* الشارع المصري يترقب اين ستذهب العلاقات المصرية السعودية والقطرية والتي تشهد فتوراً منذ فترة؟
** الأيام القادمة ستظهر حقيقة أولويات السياسة الخارجية لهذه الدول تجاه مصر.. وهذا يدعونا كمصريين لانتهاج سياسة خارجية نشطة حيال العلاقات المصرية الافريقية والغربية بنفس النشاط الذي تنتهجه مصر في مجمل علاقاتها مع كل من روسيا والصين.
* ما هي السيناريوهات المتوقعة لتطور الخلاف المصري السعودي؟
** اضعاف دور جامعة الدول العربية.. وكافة المشروعات المتعلقة بانشاء قوة عربية مشتركة.. واضعاف التحالف العربي فيما يخص الازمة اليمنية مما يدفع مجالاً لتمدد النفوذ الايراني في المنطقة بالرغم أن اولويات السياسة الخارجية المصرية هو العمل علي بناء رؤية عربية مشتركة لتحقيق اهداف وطموحات الأمة العربية.
* الخلاف السعودي المصري سيؤدي لنشوب صراع بين المعسكرين السني والشيعي في المنطقة؟
** لا.. الخلاف متعلق في عدم التوافق علي بعض القضايا الاقليمية وتوصيف العدائيات التي تواجهها المنطقة واولويات كل من مصر والسعودية في مواجهاتها ومواجهة الصعوبات الناجمة عن الأزمة السورية والعراقية.
* هل تمتلك مصر من الأوراق المؤثرة وتؤجل استخدامها؟
** مصر ليست في حاجة للرد بصورة أو بأخري علي التبعية السعودية والقطرية للمشروع التركي ما لم يتم المساس بأمنها القومي المباشر.. قيام مصر يخلق علاقات متوازنة وروابط قوية في المحيط الاقليمي والافريقي والانفتاح علي الغرب وتقوية الروابط العلمية والتكنولوجية والاقتصادية طبقاً لحركة التجارة العالمية سيكون رداً حاسماً في اتجاه اعادة بناء الدولة المصرية حفاظاً علي تحرر ارادتها السياسية والسمو فوق كل ما يتم التخطيط له لإعلان طائفية في المنطقة التزاماً من مصر بموروثها الثقافي المعتدل المتوارث عبر السنين للحفاظ علي مقدرات ومستقبل الشعب المصري والاجيال القادمة.
* هل ستتغير ملامح صورة الاقليم في عهد امريكا ترامب؟
** الحرب الطائفية عبرت عنها القوي الاقليمية وذلك لا يمكن احتواؤه حتي من القوي العظمي ما لم تمس مصالحها بصورة مباشرة.
وما آلت إليه المنطقة حتي الآن نتيجة للصراع في سوريا والعراق موشر للعالم بأهمية العمل علي وقف هذا التدهور لأن جميع الاطراف الاقليمية والدولية والعربية ستدفع ثمناً باهظاً الآن وفي المستقبل.
* تدخل امريكا ترامب وارد؟
** أمريكا لن تدخل بصورة مباشرة وستكتفي بمدربين عسكريين لحلفائها أو تزويدهم بالسلاح والتكنولوجيا لتحقيق اهداف استراتيجية لأمريكا دون تدخل مباشر والتي سميت باستراتيجية اوباما تجاه الشرق الاوسط.
لأن وا قع الحال علي المستوي العالمي انتقال الصراع الحقيقي لمنطقة اسيا.
* هل ستغير امريكا من ترتيب حلفائها في المنطقة؟
** لا.. حتي اللحظة الراهنة ستظل دول الخليج واسرائيل وتركيا حلفاء لها.
* هل تفهم من ذلك جدية ترامب فيما يخص الاتفاق النووي الايراني "5«1"ِ
** الطائفية احدي ادوات الصراع في الشرق الاوسط ولكن بالاساس هو عملية صراع علي النفوذ الدولي.. والطاقة خاصة خطوط الغاز والبترول التي اصبحت ظاهرة للعيان في الشرق الاوسط.. لا ننكر طبيعة الصراع وتأثيراته علي امدادات الطاقة وخطوط إنتاجها وتصديرها لاوروبا وشرق اسيا.. الصراع ودوائر النفوذ في الشرق الاوسط ليست مجمل الصراع العالمي بل سيظل الصراع الحقيقي بين القوي العالمية في منطقة اسيا والباسيفيك.
* هل مازلت تعتقد أن هناك احتمالات لنشوب حرب عالمية؟
** لا.. لا تلوح في الافق حرب كونية الان ولكن هناك نقاطا ساخنة للصراع جعلت من انطلاق شرارتها قريبة.. ولكن لدي ا لقوي العظمي قدرة علي ضبط النفس كما حدث في الصراع في سوريا حين تم احتواء امكانية حدوث صدام بين حلف الناتو وروسيا بتراجع اوروبا عن دعم تركيا عقب اسقاطها للطائرة الروسية.. وترك المجال لروسيا لتنفيذ مخططهم وحماية مصالحها علي الارض السورية والذي يسمي بانتصار بوتين لروسيا.
* يعد حصار الإرهاب ــ داعش وروافدها في سوريا والعراق إلي أين ستذهب؟
** ستذهب لمناطق حصينة تسمح لها بإعادة إنتاج نفسها في المحافظات الصحراوية غرب العراق وشرق سوريا.. وعودة مقاتلي داعش من الاجانب لمجتمعاتهم التي قدموا منها ليصبحوا قنابل موقوتة تهدد هذه المجتمعات من خلال ممارسة اعمال الارهاب ونشر الفكر بصورة قد تنتج اجيالاً اشد شراسة وعداء لهذه المجتمعات.
* اعدام حبارة.. سيزيد عمليات الإرهاب في الداخل المصري؟
** لا قيمة لاعدام حبارة وانما هناك استراتيجية لخلق حالة لعدم الاستقرار.
تختفي خلف اهداف لتنفيذه