القاهرة 13 ديسمبر 2016 الساعة 01:47 م
*القادرون على الجمع بين التشكيل والرسم الساخر قلة في الوطن العربي مثل مصطفى حسين وجورج بهجوري
*المبالغة في استخدام التقنيات تقتل إحساس الفنان الرسام
*الكاريكاتير الاجتماعي والرياضي في المجتمعات العربية يغلب على السياسي
* الفنان حاضر في رسوماته ومواقفه تتسلل إلى اللوحة...والمجال متعب للفنان وممتع للمتلقي
*إذا كانت الصورة تشبه الشخصية بنسبة 70 في المئة فإن اللوحة تشبه صاحبها بنسبة أكبر بكثير
*وجوه بعض السياسيين "بخيلة" لأن السياسي يستطيع إخفاء ملامحه وحقيقة مشاعره في أغلب الأحيان
منالكويت محمود متولي
حسن إدلبي فنان كاريكاتوري سوري من الطراز الأول استطاع ان يحقق بصمة مميزة في عالم الكاريكاتير في الوطن العربي بعد أن وقع في غرام رسم وجوه المشاهير في كافة المجالات في فترة مبكرة من حياته الفنية، ما أهله للتعامل بكثير من البراعة مع الكاريكاتير، خصوصا تحوير الوجوه .
إدلبي المقيم حالياً في مدينة دبي الإماراتيه أجاد بريشته فن اصطياد التناقضات على وجوه شخوص لوحاته بعين مرهفة ووجدان مسكون بإحساس لا يقبل إلا الصحيح وأنامل تترجم هذه المنظومة لتحيلها إلى فعل مباشر اسمه الكاريكاتير بكل تفاصيلها جامعاً فيه أضلاع التميز الثلاثة الثقافة والعين الثاقبة وأدوات الإبداع، لهذا كان دائماً مثار إعجاب من يشاهد لوحاته الساخرة في كل مجلة أو صحيفة كان فيها رسام للكاريكاتير.
قدم بريشته مئات الوجوه لسياسيين وأدباء وفنانين وأشخاصاً عاديين، أغراه «كرم وجوههم» فرسمها، مؤرخاً من خلال تجربة تعد الأبرز بين التجارب القليلة المتميزة في الوطن العربي معتمداً على الأسلوب الواقعي .
أدلبي الذي شارك في عشرات المعارض الفنية في مصر ورسم مئات الوجوه لسياسيين وفنانيين مفكرين ومثقفين مصريين يؤكد عشقه اللامحدود لمصر ولا يجد من ذلك الحب فكاكاً فهي كل حياته يشعر تجاهها بما يشعر به كل محب نبيل ويثق في أنها تبادله ذلك الحب.
مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي:
*ما مساحة الحرية المتاحة لرسام الكاريكاتير؟
- مساحة الحريات تختلف من صحيفة إلى أخرى وبين بلد وآخر والحرية تضمن نجاح الكاريكاتير وتحقق الأهداف التي يسعى الرسام من خلالها إلى الإصلاح، شأنه شأن الكاتب والناقد الصحفي كما أن في الوعي بالنقد وتقبله ما يتيح النجاح للكاريكاتير الذي أصبح جزءاً هاماً في أي صحيفة.
*ومامدى تأثير الانترنت على رسام الكاريكاتير في ظل تراجع الصحافة الورقية؟
-التطور الإلكتروني شمل كل مناحي الحياة ومنها أساليب الاتصال ومع ذلك لا زالت الصحافة الورقية تأخذ وضعها بل ارتفع فيها عدد الصفحات والإعلانات، كما أن للإنترنت دوراً في انتشار الجريدة والكاريكاتير، حيث يمكن للقاري متابعة الجريدة في أي مكان في العالم بما فيها الكاريكاتير، ويمكن أن استشهد بموقف حينما رسمت صورة لإحدى الفنانات بشكل ساخر حول قضية التجميل والمبالغة فيها فوجدت ردود فعل كبيرة من مختلف دول العالم رغم أن توزيع المجلة محدود .
وأرى ان المبالغة في استخدام التقنيات تقتل إحساس الفنان الرسام، إذ لا يمكن أن توجد فناناً ممثلاً إلكترونياً، إذ يبقى إحساس الفنان أهم من كل التأثيرات والإبهار مع أنه لا يمكن لأي مبدع بتلك التقنيات إن لم يكن متمكناًً وموهوباً على أن لا تطغى التقنيات على علاقته بإبداعه، لذلك فإن البقاء للمسة الفنان الحقيقية كما أنه لا يمكن لمن لا يملك الموهبة أن يتعامل مع الكمبيوتر، فلمسة الفنان على الكمبيوتر يسبقها قدرات وأحاسيس الفنان ابتداء من المخيلة إلى الجهاز ثم الطباعة.
*برأيك ما أسباب توجه أغلب رسامي الكاريكاتير العربي للقضايا الاجتماعية في الوقت الذي يزخر فيه العالم بقضايا السياسة؟
-لكل دولة خصوصيتها وقضاياها كما أن مساحة الحرية تجاه الرسم السياسي تختلف بين مجتمع وآخر.. وفي مجتمعاتنا العربية يغلب فيها الكاريكاتير الاجتماعي والرياضي على الكاريكاتير السياسي.
*هل تتسلل مشاعر ومواقف فنان الكاريكاتير إلى رسوماته؟
-الكاريكاتير متعب للفنان، بقدر ما يقدم من متعة للمتلقي والمسألة تكمن في تقييد الفنان بأدق تفاصيل الشخصية والفنان حاضر في رسوماته، مهما حاول تجنب ذلك، فمشاعره ومواقفه تتسلل إلى اللوحة.
وأعتقد أن أغلب الكائنات تتواصل من خلال النظر للتعبير عن المشاعر وأكثر ما يعنيني في الشخصية هما العينان اللتان أستطيع من خلالهما قراءة الشخصية والوجه لا يحتمل الخطأ، خصوصاً العين التي يؤدي أي تحوير فيها إلى تشويه العمل.
*هل ثمة تشابه بين لوحاتك والشخصيات التي ترسمها؟
-إذا كانت الصورة تشبه الشخصية بنسبة 70 في المئة، فإن اللوحة تشبه صاحبها بنسبة أكبر بكثير.
وهناك عدد من الرسامين يستشرفون ملامح الشخصية في المستقبل ما يعني أن ثمة انفتاحاً على الزمن في الكاريكاتير، بعكس الصورة التي تتوقف عند لحظة التقاطها.
ويكتسب اللون في الكاريكاتير أهمية، تبعاً للشخصية، فالمبالغة في اللون والكتلة والخطوط كذلك لها أهميتها، على أن تلك المبالغة ليست مجانية، ولا تمس بالشخصية، أو أسلوب تقديمها.
*وكيف تنعكس مشاعرك من الشخصية على اللوحة؟
-إذا كنت أحب الشخصية، فذلك ينعكس على اللوحة، والعكس صحيح، مع المحافظة في الحالتين على المستوى الفني وذلك أقرب إلى الموقف النقدي، البعيد عن الكراهية والتشويه،وإعادة رسم الشخصية من جديد، يعيد تقديمها بشكل مختلف.
*ما ملامح الوجوه التي تدفعك إلى رسمها، وما طبيعة تلك، التي ترفض تسليم مفاتيحها؟
-ثمة وجوه لا تشجعني على رسمها، ولكن في وقت ما، أعود إلى اللحظة الأولى فأبني عليها، وتلك اللحظة تشكل قلب الهدف .
*متى يكون الوجه مفروضاً على الفنان، على الرغم من عدم وجود مفاتيح واضحة تمكنه من تقديم لوحة معبرة؟
-تُعرف وجوه بعض السياسيين بأنها بخيلة، لأن السياسي يستطيع إخفاء ملامحه وحقيقة مشاعره في أغلب الأحيان، على العكس من الوجوه الفنية متعددة القراءات، والتي تُوصف في الكاريكاتير بـ"الكريمة"، لأنها تمنح الفنان مساحات أكبر، وفي الصحافة العالمية يعرف العمر الافتراضي للوجه السياسي بأنه قصير نسبياً، أما الوجوه الفنية والأدبية، فهي أكثر حضورا وديمومة.
*ما مدى انعكاس معرفتك بالشخصية على شكل اللوحة التي رسمها؟
-المعرفة المفرطة تضر أحياناً بالعمل، بحيث تبعد الفنان عن نقطة التركيز ، لذلك يجب أن ابتعد قليلاً حتى أتمكن من توظيف تلك المعرفة من الذاكرة، فلا أستطيع مثلاً رسم أمي، لأن تعدد الحالات التي اختزنتها تعمل على تشويش عناصر اللوحة.
*برأيك ...ما أكثر الوجوه شعبية؟
-هناك إجماع لدى الرسامين على وجوه الأدباء أكثر من غيرها، بحيث يُرسم الأديب بكثير من الحب، ولكن مشاعر الفنان تجاه مواقف السياسي، تدخل في تكوين اللوحة.
*وكيف تنظر للرسوم الكاريكاتورية الساخرة؟
-الرسم الساخر يرسخ صورة الفنان التي هي في الأصل كاريكاتير خاص، مثل الفنانين عادل إمام، ، وغيره وكذلك لدى الأدباء كاريكاتير معين مثل الشاعر أدونيس، ولكن الكاريزما ليست مهمة للأديب بقدر أهميتها للفنان.
والكاريكاتير على الرغم من تحرره، إلا أنه يجبرك على الارتباط بالشخصية وملامحها.
*وكيف ترى الجمع بين التشكيل والرسم الساخر؟
-القادرون على الجمع بين التشكيل والرسم الساخر هم قلة في الوطن العربي، منهم جورج بهجوري ، والراحل مصطفى حسين، أما غالبية رسامي الكاريكاتير فرسومهم أقرب إلى التوضيحية منها إلى اللوحة التشكيلية او الكاريكاتير.
*هل تتذكر بعض المفارقات التي تعرضت لها بسبب لوحاتك؟
-أعترض أحد الأشخاص على صورة رسمتها له، واصفا إياها بأنها لا تشبهه، فيما قال أحد الفنانين العرب إن هذه اللوحة تشبهه أكثر منه فكشفت لي تلك الجملة أن الزخارف والإضافات، ربما تشكل عناصر تشويش، لذلك كان تركيزي على عناصر العمل وتسليط الضوء على الحالة، بعيداً عن الإضافات.
*ماجديدك؟
-أشارك حالياً بمجموعة من الأعمال في المهرجان العربي للكاريكاتير الذي تستضيفه مدينة صفاقس التونسية بحضور عدد من أشهر رسامي الكاريكاتير من تونس والوطن العربي.
ويتضمن المهرجان عددا من المعارض والورش لأبرز رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي يحتضنها أربعون فضاء ثقافياً وتربوياً وشبابياً وجامعياً كما يقام على هامش المعرض معرض جماعي لرموز فن الكاريكاتير في الوطن العربي.