القاهرة 06 ديسمبر 2016 الساعة 12:44 م
هذه قصة نعرف بدايتها ، ولكن لا نعرف نهايتها .. أو لا نعرف لها نهاية ، رغم أننا نعلم أن أحداث القصة تواصلت ، وتسلسلت فصولها، منذ أكثر من أربعة عقود ونصف تقريبا .. فهي من الروايات العبثية ، حيث اللامعقول فيها تجاوز كثيرا اللامقبول ، وفيها أيضا من المجهول أكثر من المعلوم .. وقد تكون تفاصيل القصة أقرب إلى المآسي الأغريقية، التي قيل عنها أنها أقدارا نهائية لا ترد !!
ولكن في حقيقة الأمر هي قصة تجنح إلى السريالية أوالغرائبية، حين نجد (حفل زار) داخل حقل ألغام .. وبرغم كل المحاذير، وعلامات التنبيه "أحذر .. منطقة ألغام خطرة "، ولا أحد يلتفت، أو يهتم، أو حتى يقف ليرى ويتحسب للمخاطر ، وكأنها خارج مرمى البصر .. ويقال أن ما حدث ويحدث، ربما كان بتأثير واقع الحال، وربما ساعدت عليه عوامل إضافية !!
والغريب ــ حقا ــ أن أحداث هذه القصة أو الرواية، لم تتغير منذ سنوات طويلة، وبالتحديد منذ العالم 1974 ، ولم يتغير المسرح بالطبع، ولم يتغير الديكور، ولم يتغير الموضوع ولا النص، وفي معظم الأحيان ولا الممثلين ، داخل ساحة شائكة محفوفة في كل جوانبها بنوع من ذلك "العبث الدموي" وفوضى سياسية غير محكومة وغير منضبطة، وفراغ سلطة مخيف، وفراغ قوة خطير .. والنتيجة "المرتقبة" : أزمة عاجلة تحوم حول العالم العربي، وهذه الأزمة نجد عواصفها تتجمع الآن، وإن كان موعد هبوبها لن يتأخر كثيرا !!
ولا أحد ينكر ــ ولا يحق له أن ينكر ــ أن الساحة العربية مستباحة، وأن العالم الغربي يتدخل، ومن لا يتدخل بشكل سافر، فإنه يتربص بنا ، ونجد أصحاب الساحة ــ وبكل أسف ــ لا يمدون البصر إلى ما وراء الصورة ليعرفوا أنه صراع على مستقبل أمة بأسرها، بل إنخرطت دول كان يطلق عليها الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ( نخلتين وخيمة) ويطلق عليها حاليا (محطات بنزين على شاطىء الخليج) وتورطت إلى تلك الدرجة من الرقص مع الذئاب المتربصة، فوق منطقة أصبحت أشبه بحقل ألغام ، ومن اليمن جنوبا، إلى سوريا شمالا ، ومن العراق في الشرق ، إلى ليبيا في الغرب !
ويبقى "حفل الزار " العربي، فوق الساحة السورية، صورة عربية "مجنونة" ، رغم أنني على يقين بأن "هؤلاء العرب" وكلاء حرب ودمار لإلحاق مصير سوريا بالعراق .. وهم منساقون، أو مكلفون بإقامة "حفل الزار " وتكاليفه .. أما قضية فلسطين ، فسوف تصفى ويلقى بها على الرصيف المجاور لحائط المسجد الأقصى !!
وكان واضحا ومؤلما ، الإلتزام العربي بتعليمات أمريكية ــ غربية ، لا ترد ، وكان تنفيذ الأوامر والتعليمات، "فجا" في العراق .. و "وقحا" في سوريا .. و"موجعا" في ليبيا .. وأشد مكرا وخبثا في اليمن .. وكانت دول عربية خليجية ــ بعينها ــ تتصور أن هناك عهودا بينها وبين الأصدقاء في الغرب ، حين كانت إيران ــ مثلا ــ تضرب بغداد في العام 1981 بصواريخ وصلتها من دولة عربية .. وكانت أمريكا تضرب بغداد في العام 2003 بصواريخ من قواعد في دول عربية .. والصورة تكررت في ليبيا، بشكل أو بآخر ، حين منحت جامعة الدول العربية ، وبتأثير وضغط دول خليجية، الرخصة لقوات "الناتو" بالتدخل في الثورة على نظام القذافي، ثم تقسيم الغنائم .. وفي كتابه " الحرب بدون أن نحبها" La Guerre Sans I,aimer يقول الكاتب اليهودي الفرنسي، برنارد هنري ليفي، صديق الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، والعاشق للدولة الصهيونية، بحسب تعبيره ، إنه صانع ما جرى في ليبيا ومدبّره، وأنه هو الذي كتب بيانات المجلس الانتقالي في ليبيا، وإنه هو الذي حرك دفعات المال وشحنات السلاح من كل مكان إلى ليبيا، وقد بلغت صراحته حدا غير مقبول عندما قال أنه هو الذي نصح بتوظيف جامعة الدول العربية لتكون جسرا لوضع ليبيا في سلطة مجلس الأمن كي يطبق فرض حظر جوي، انتهى بالطريقة التي رأيناها !!
وهكذا .. سباق مفتوح بالتتابع بين الدول العربية، يغذي أعمدة النيران المتصاعدة في سوريا، وليبيا، ومرورا باليمن والعراق، ومن بين الدول العربية أيضا ، من يغذي فلول الإرهابيين في سيناء ، ومنهم من يدفع باستحكام الفتن المذهبية بين سنة وشيعة، بل ويشعل النار فيها، وكأن ستارا من الغباء ينزل على الأمة العربية، وقد بدت وسط قفص حديدي، وكأنها ترقص على البارود .. وهناك من يرى أننا في حالة عدم اتزان، ولذلك أقمنا حفلات زار وسط النار، وفي هذه الحفلات الكل يصرخ، والكل يدور ويلف في مكانه، والكل يترنح، والكل يدق على الدفوف ، وتتصاعد من كل مكان رائحة شواء لحم عربي !!
وفي وسط هذه الأحوال كلها ، وكلها واصلة إلى الذروة، فإن العرب الذين يرقصون مع "الذئاب الكبرى" رقصة التدمير والقتل ، داخل الساحة العربية، لم يتعلموا لا في الماضي، ولا في الحاضر، أنه ليست هناك عهود للدول الكبرى، كلهم سوف يتنكر لأي عهد عند أول منحنى على الطريق إذا دعته مصالحه، وقد يكون التنكر للعهود فجا جلفا ، فليس لديهم وقت لأي تزويق يغطي المستضعفين !!
وبقي أمامنا تساؤل يثير التأمل : أليس غريبا أن النظام العربي المتمثل في الجامعة العربية، قام على ثلاث دول رئيسية، هي : العراق ومصر وسوريا، ولقد جرى تدمير العراق، أما سوريا فهي مستنقع دم، ولم يبق إلا مصر في هذه الأحوال الاقتصادية التي نراها، وإذا استطاعت أن تجد طريقا للخروج فهناك أمل.
مصر مطالبة الآن ، بأن تلملم نفسها ، وتجمع أطرافها، وأن تستجمع قواها ، وتصدر فتوى بعدم شرعية "حفل الزار" العربي .. يجب على مصر أن تفعل شيئا في عام 2017 ، عام المصير، وإلا فإني أخشى أن يعم الطوفان، وتنفجر الألغام في "حفل الزار" ومن يجاوره على امتداد الخريطة العربية ، طولا وعرضا !!