القاهرة 14 نوفمبر 2016 الساعة 10:46 ص
أتصور أن هناك شيئا ما سوف يحدث في أمريكا قريبا ، وبفعل الزمن الحاضر .. ولا أقصد محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ( وهي محاولة في دائرة الاحتمال القائم ) .. ولا أقصد أن أمريكا سوف تشهد قفزة إلى المجهول ، بحسب رؤية من أصابتهم الصدمة المفاجئة بخسارة هيلاري كلينتون ( ولكني أراها ربما تكون قفزة إلى المعلوم من متغيرات كان لابد أن يشهدها المجتمع الأمريكي والسياسة الأمريكية الخارجية ) .. وبمقدار مايشير إليه البعض بصورة ( أمريكا المعدلة .. موديل 2017 ) أو أمريكا .. يوم بعد غد.
وأظن ــ بعيدا عن تنبؤات الغيب العشوائية ــ ولكن استنادا إلى قراءة سطور الشواهد والمؤشرات والدلالات التي لايمكن إهمال ملامحها الواضحة .. أن هناك تغييرات ومتغيرات سوف تحدث في أمريكا ، ومع بداية ربيع 2017 ، أي بعد المائة يوم الأولى من ولاية الرئيس ترامب .. خاصة وأن كل رئيس أمريكي يحتاج إلى " حربه العادلة " ينتصر فيها ، ويحفر بها اسمه على تاريخ أمته .. ومثلا الرئيس الأمريكي الأسبق " إبراهام لينكولن " ــ تولى الرئاسة من 1861 / 1865 ــ كان يرى أن حربه العادلة ضد العبودية ( وهي عادلة بالطبع ) حتى تم إلغاء الرق عام 1863 ، وتم اغتياله أيضا بعد عامين تقريبا !! ومن المؤسسين الأوائل جورج واشنطن ، وكان يعتقد أن حربه العادلة هي حرب الاستقلال 1775 ( وهي عادلة ومشروعة ) حتى تم إعلان استقلال أمريكا في 4/7/1776
والرئيس جون كيندي كان يرى أن حربه العادلة هي نزع فتيل المواجهة بين القوتين الأعظم ، وخاصة بعد نهاية أزمة الكاريبي " الصواريخ الكوبية " في مواجهة الاتحاد السوفيتي ، وحين قرر سحب المستشارين العسكريين الأمريكيين من فيتنام الجنوبية 1963 تلافيا للتصعيد في مواجهة السوفيت الداعمين لنظام فيتنام الشمالية ، تم اغتياله من قبل عناصر محافظة شديدة
التطرف ، كانت ترى أن سياسة كيندي ستقود إلى تسليم فيتنام الجنوبية إلى الشيوعيين ، وكان الشك أيضا يحيط بدور إمبراطورية صناعة السلاح الأمريكية ، حيث تضيع أو تقل فرصة تسويق وبيع أسلحتها .. ( ملاحظة : كان الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور 1953 / 1961 حذر الشعب من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي يمثل أكبر خطر على الولايات المتحدة الأمريكية ) !!
وأخشى أن يلقى " ترامب " نفس مصير " كيندي " !!
وأيضا كان ليندون جونسون 1963 / 1969 يعتقد أن حربه العادلة في فيتنام ، مع بداية إرسال قوات عسكرية وشن غارات جوية ، حتى تورطت أمريكا في " الحرب القذرة " وانسحبت أخيرا مع بداية السبعينيات .. وكانت رؤية " جونسون " أقرب إلى رؤية " جورج دبليو بوش " الإبن ، فيما بعد، 2001 / 2009 وتصور أن الظروف جاءت له بحربه الخاصة التي يراها عادلة ، ويقنع شعبه كذلك بأن يراها عادلة ، ولكنه سقط في مستنقع العراق ، ولم تكن حربه عادلة بالطبع ، ولكنها كانت " نزوة جامحة " .
أما في الوضع الراهن ، أمام الرئيس ترامب ، فإن " أزمة الإرهاب " هي السيف المعلق على رقبة المجتمعات كلها ، وليس المجتمع ألأمريكي وحده .. وهي حرب عادلة ، ويمتلك مفاتيح الانتصار ، طالما كشف أن أمريكا نفسها هي التي صنعت وموّلت ودعمت داعش والتنظيمات الإرهابية ، وهي التي لعبت وأدارت " ورقة الإرهاب " للتدخل في شئون الدول العربية .. إذن فإن مفاتيح تجفيف منايع الإرهاب ومصادر تمويله ، ليست بعيدة عن ترامب .
وربما كانت الخطوة الأخرى المتوقعة ، وتهز أمريكا بأكثر مما هزتها أية تجربة سياسية سابقة ، هي " التفاهم " مع روسيا الاتحادية .. وكان واضحا أن هناك " كيمياء " معلنة وعابرة للمحيطات، بين ترامب والرئيس الروسي بوتين .. وهي حالة تاريخية غير مسبوقة في العلاقات بين واشنطن وموسكو ، باستثناء الترحيب "الأمريكي ــ الغربي" بالرجل الذي ضرب أول معول في بنيان الاتحاد السوفيتي " غورباتشوف " .. وبالطبع كان الودّ والترحيب تقديرا لدوره في تمهيد الأرض لتفكيك إمبراطورية الاتحاد السوفيتي .
أما خطوة ترامب ، وكشفت عنها تصريحات متبادلة مع بوتين ، فهي من التحولات الكبرى في التاريخ الأمريكي ، ويكفي أن تكون هناك درجة " ما " من الثقة بين الكرملين والبيت الأبيض ..
وهي خطوة جريئة تتغير بها موازين وحسابات ، أو على الأقل لاتكون المواقف بين البلدين على خط ساخن من الألغام المشحونة بالديناميت ، مما يثير قلق العالم ، ويزيد من تعقيدات الانقسام بين الحلفاء .
الخطوة الجرئية الثانية المتوقعة من إدارة الرئيس ترامب ، سوف تتغير بها موازين المنطقة (المنطقة العربية تحديدا ) وسوف تتبدل معها كل التناقضات .. فهناك موقف معلن .. محدد وواضح، ضد داعش والجماعات والتنظيمات الإرهابية في المنطقة .. وهناك موقف معلن .. محدد وواضح، تجاه ما يجري في سوريا من توظيف ( أمريكي ــ غربي ) للتنظيمات الإرهابية ، والصورة سبق أن تكررت في العراق ، ولحقت بها ليبيا .. ونحن في مصر عانينا من مواقف ومن تعنت ( أمريكي ــ غربي ) بعد ثورة 30 يونيو 2013 وإزاحة حكم الإخوان والتيار الإسلامي ، فتمت عرقلة توريد أسلحة لردع الإرهابيين في سيناء ، وماطلت أمريكا كثيرا وطويل في تسليم صفقة الطائرات المروحية " الأباتشي " المتعاقد عليها من قبل الثورتين 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وهي سلاح الجو الرادع لمكافحة وملاحقة الإرهابيين .. وحين تعاقدنا على صفقة مروحيات التمساح " كا ــ 52 " من روسيا ( وهي أكفأ من الأباتشي ) أفرجت واشنطن عن الصفقة مؤخرا !!
وبالطبع كان موقف أمريكا والغرب من جماعة الإخوان المسلمين ودورها في العنف والإرهاب، كاشفا لحقيقة الأهداف الأمريكية والغربية .. وفي كل هذا كان موقف الرئيس "ترامب" واضحا ومحددا ، بل ويعتبر الإرهاب والإرهابيين " حربه العادل " التي تسجل إسمه في تاريخ بلاده .
وليس غريبا بالطبع ، أن قطاعا عريضا داخل أمريكا ، وعلى رأسه شركات صناعة السلاح ، وجماعات " المصالح " و" الضغط " و "النفعيين" ، ومؤسسات مالية وإعلامية ، وقطاع عريض من العرب الخليجيين ، كانوا يريدون ، ويتمنوا، ويتحرقوا بالرغبة واللهفة، لفوز هيلاري كلينتون ، خشية أي تغيير محتمل ، وعلى أن يبقى الوضع الأمريكي كما هو عليه قائما ، ولذلك قالوا إن زلزالا ضرب أمريكا بفوز ترامب "بائع الأحلام" !! ولكن الغريب ــ حقا ــ أن لايلتفت أحد إلى رغبة المجتمع الأمريكي في التغيير ، خاصة بعد صدمة عهد باراك أوباما ، وكان الرجل بائعا شاطرا لشعار " الأمل " ثم تكشفت كل أوراق إدارته ، ولم يخطو خطوة واحدة خارج السرب ، أي على نفس مسار الانحدار الأمريكي .. لم يلتفت أحد إلى رغبة كامنة في وجدان الشعب الأمريكي للتغيير ، ولذلك جاءت نسبة الإقبال على التصويت أولا ، وعدد الأصوات التي فاز بها ترامب "مرتاحا " لتؤكد الرغبة الأمريكية في " تغيير .. ما " حتى ولو
جاءت الرغبة متأخرة ، وبمقدار مقولة مارتن لوثر كينغ ( يأتي دائما وقت يصبح التحرك فيه متأخرا جدا ) .
ولم يقف أحد ليحلل ويدقق بالقدر الكافي في حقائق هذه المتغيرات المطلوبة داخليا وخارجيا ، بما في ذلك دواعيها وأحكامها ، وأين وكيف بالضبط ؟! ولكن اكتفوا بالإشارة إلى الزلزال السياسي الذي ضرب أمريكا من رجل يبيع الأحلام ، بحسب رؤيتهم !! ولكن ربما كان الرجل يحلم ، وهو يعتقد أن الحلم مشروع ، وهو بالضرورة يعلم أن قضايا العمل الداخلي ، هي القضايا التي تصنع أو تكسر أي رئيس في أي دولة ، وهي التي كسرت أوباما ، وانعكس فشله على حملة هيلاري كلينتون ، حينما انحازت إدارته انحيازا سافرا ، ولأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وبدعم غير مسبوق للمرشحة المنافسة "كلينتون" حتى ولو كانت مرشحة الحزب الديمقراطي ، وهذا ليس مبررا من رئيس الولايات المتحدة ، وعليه أولا أن يعلي مصلحة أمريكا قبل مصلحة حزبه ، وهو الأمر الذي حدده الدستور الأمريكي !! وبالضرورة ، حين يفشل الرئيس في تأكيد مكانه داخل الولايات المتحدة، فإنه يعجز عن تأكيد قيادته لحلفائها، وهو ما حدث مع " أوباما " .
بقى أن أقول ان هناك تغييرا محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية ، وربما يكون مفاجئا للعالم، على صعيد العلاقات مع روسيا .. وربما كانت هناك تحولات نوعية على ساحة الشرق الأوسط، وبالطبع باستثناء " إسرائيل " شأنه في ذلك ــ أي ترامب ــ شأن من سبقوه ، وشأن من سيلحق به في البيت الأبيض، لأن قصة الرابط الاستراتيجي مع إسرائيل، سارت تفاصيلها مسرى الأمثال ، وتكررت لها نماذج مع كل رئيس أمريكي ، وتحول تكرار النماذج إلى شبه قانون في السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية ..