القاهرة 06 نوفمبر 2016 الساعة 01:10 م
يبدو واضحا أن صحة مصر النفسية ـ هذه الأيام ـ ليست على مايرام .. وما آراه يقلقني ، ولكنه لا يخيفني أكثر من اللازم ، فهذه على طول التاريخ أعراض وعوارض ، حتى لو كانت الحالة النفسية " حرجة " جدا .. حتى ولو كنا ـ نحن ـ السبب أو جزء هام من السبب ، حين تشغلنا هموم انفلات الأسعار ، وطوفان الغلاء ، عن مخاطر بلا سقف ولا أرض .. وعن تدخل خارجي بإمكانياته وظلاله يجري من وراء الحدود !!
نحن لا ننكر أن انفلات الأسعار أصبح غير مقبول وغير محتمل .. ونحن لا ننكر أن أزمة السكر لحقت بأزمة سابقة للأرز ، وربما سوف تلحق بها أزمة زيت .. كل شيء وارد في دولة محاصرة بالفعل ، ومن نفس الدول التي حاصرت العراق من قبل ، وتحاصر سوريا حاليا .. حصار غير معلن صراحة ، ولكنه ينفذ بطرق ووسائل عديدة ، والمواقف والمقاصد واضحة ، بهدف جفاف موارد دولة ، ميزانيتها مرهقة ( جدا ) بأعباء ثقيلة ، والدين الخارجي والداخلي يتعاظمان عاما بعد عام ( مبارك جرف مصر .. ومرسي عراها ) حتى لم يعد أمامنا إلا أن نصلي طلبا لقروض ومنح واستثمارات ، كصلاة الاستسقاء عند الجفاف !!
الضغوط أشد وطأة وقسوة ، والتحديات بعضها معقد ، وبعضها شائك ، والأسوأ أن يحدث هذا في وقت تتقرر فيه مصائر ، ليس في مصر أوسوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن ، بل في المنطقة من حولنا ، والتي يجري إعدادها لحدث كبير !! أليس غريبا أن النظام العربي المتمثل في الجامعة العربية ، قام على ثلاث دول رئيسية : العراق ومصر وسوريا .. ولقد جرى
تدمير العراق ، وكما نرى فإن سوريا في مستنقع دم ، ولم يبق إلا مصر ، وهي في هذه الأحوال التي نراها ، وبصحة نفسية ليست على مايرام .. لماذا ؟!
* أولا .. نحن مستغرقون بالكامل في مشاكل آنية ( سكر ، أرز ، زيت ، سعر صرف الدولار ، ارتفاع الأسعار ) حتى كدنا لا نرى مشروعات تنموية وخدمية يجري تنفيذها على أرض مصر للمستقبل ، وهي مشروعات عملاقة بكل المقاييس ، شقت الجبال ( جبل الجلالة مثلا ) وحفرت باطن الصحراء بأنفاق تحت قناة السويس إلى سيناء ، وبسطت طرق حديدة لأول مرة في مصر ، وأقامت مدن وعالجت تشوهات وعشوائيات .. كل هذا تم تنقيذه بشق الأنفس وبموارد من ( خرم إبره ) كما يقولون .. ولا أحد يلتفت ، بل نضع أزمة السكر فوق رؤوسنا ، ونعزف لحن التذمر والإحباط !! ثم نقول لماذا صحة مصر النفسية ليست على مايرام ؟!
* ثانيا .. قوى الشر التي تحاصر الأحلام بالخديعة والتضليل مرة ، وبالشائعات والمراوغة والترويج لكل ما يبث اليأس مرات أخرى ، وتتربص وتتمنى فشل الرئيس السيسي ، تتصور أن مصر معرضة للانكسار ، حيث لا يثور الناس بسبب طيب أحوالهم ، وكمال صحتهم ، وهناء معيشتهم ، وهدوء بالهم ، وإنما يحتجون لأن طاقتهم على الاحتمال لم تعد فيها بقية، وأثقالهم زادت بما لم يعد محتملا .. وأن أسباب الضيق الاجتماعي تقف إلى جانبهم في لعبة (11 /11 ) وهي لعبة شيطانية مذمومة ، مكررة ومعادة ، في مسلسل مواعيد سابقة " مضروبة " فشلت ورحلت ، ولن يحدث شيء الأسبوع المقبل في اليوم الذي يحمل رهان نوايا وأهداف جماعة الإخوان ومن معهم من قوى الشر الخارجية والداخلية ، وهم يحشدون للفرصة الأخيرة أمامهم ( 11/ 11) باللعب على وتر الوضع الاقتصادي وانفلات الأسعار ..
ولكن جماهير الشعب المصري تدرك بالحس قبل الفكر ، أن غير المقبول ( الإخوان ومن معهم ) لن يكون بديلا لغير المعقول ( ارتفاع الأسعار ) وأن العودة للوراء مستحيلة ، كما أن المصائر لا تتقرر تحت ضغوط اقتصادية يقع ضررها على جماهير تتحمل أعباء الحياة ..
* ثالثا : صحة مصر النفسية ليست على مايرام .. لأنها تواجه تحديات مصير .. حيث حدود ترسم ، ومصالح توزع ، وعوالم بأسرها تتغير ، وإذا أدرنا البصر على الآفاق من حولنا ، فلن نجد غير أعمدة نيران ، من ليبيا غربا إلى العراق شرقا ، ومن سوريا في الشمال الشرقي ، إلى اليمن في أقصى الجنوب .. وعلى الساحة العربية الآن ثلاثة مشروعات : مشروع غربي بأدواته ، ومشروع تركي طامح ، ومشروع إيراني يؤذن باستحياء .. وما يعنيني في هذه اللحظات الفارقة هي مصر ..
* رابعا : القوى المتربصة بمصر ، تعمل بعد وسائل ، أولاها العمل السري ، ثم الضغوط الاقتصادية والسياسية ، وهذا ماتواجهه مصر بوضوح لا يقبل الشك.. وهي الظروف والأجواء التي يحاول من خلالها ( الإخوان ومن معهم ) أن تنقسم البلاد إلى (أصحاب لمعاوية ) و( شيعة لعلي ) .. وحين ننشغل نحن عن كل هذا ، ولا نلتفت إليه، فإن صحة مصر النفسية تزداد سوءا ..
* خامسا : نحن أمام لحظات فارقة في حياة الأمم .. ضغوط اقتصادية تدفع أمامها بأزمات نعاني منها جميعا .. والحاصل أن كل الوزراء في حكومة شريف إسماعيل ، إما حائرون من الموقف ، أو هم أقل قدرة من الموقف ( وهو الصحيح ) .. وهناك ضغوط سياسية ، وهي أعقد كثيرا مما يبدو على السطح .. وهناك الدعم المالي والمخابراتي للإخوان ، وللعناصر التكفيرية الإرهابية في سيناء ( أمريكا تمدهم بصور الأقمار الصناعية التي تحدد المواقع السرية والآمنة لأكمنة الجيش والشرطة في سيناء .. إحداثيات بكافة االتفاصيل ) ..
* سادسا : استطرد ومن هنا إلى ملاحظة جانبية ، لكنها مهمة .. وهي تتصل ببيان أصدره " البرادعي " بعد أن كان شغوفا فقط بالعصفورة ( تويتر ) وبالطبع البيان ليس مصادفة ولكنه مجرد ورقة عمل في أجندة يوم ( 11 / 11 ) وفيما أتصور أن هذا اليوم ( سيمر دون شيء ) وربما يكون الحلقة الأخيرة في مسلسل فشل جماعة الإخوان ومن معها في الداخل والخارج ، وبمعنى أن بيان " البرادعي " أقرب إلى ( تغريدة البجعة ) حين تصدر أصوات ألم أخيرة قبل رحيلها، وكأنها تغني للموت !!
* ورغم كل مانراه .. فإن الأمور في مصر تجري في مجاريها الصحيحة .. وإذا كنا ونحن صغار على مقاعد الدراسة الإبتدائية ، حفظنا مع مدرس التاريخ مقولة أن (مصر مقبرة الغزاة ) .. فإن الأبناء والأحفاد سوف يتعلمون أن ( مصر مقبرة