القاهرة 02 نوفمبر 2016 الساعة 12:31 م
صحيح ..إن الذين لا يفهمون دروس التاريخ، يعيدون السنة .. وبمعنى تكرار نفس الأخطاء ،وتلقي نفس الصدمات ، والإذعان لنفس شروط الهيمنة والوصاية .. ولذلك فإن الثقة فيأي رئيس أمريكي ــ أي رئيس ــ قضية تستوجب ألف حساب ، خاصة وأن لدينا كل الأسبابلكي نشك في الولايات المتحدة ، وفي كل رئيس أمريكي، وربما منذ عهد الرئيس "هاريترومان" الديمقراطي 1948.. فالقصة وبايجاز غير مخل ( المواقف، والسياسات،والوقائع، والمخططات ) معروفة .. معادة ومكررة .. مع كل رئيس أمريكي حتى الآن ،ولم يعد فيها جديد يثير أو يلفت الانتباه !!
ورغمذلك، فإننا ــ كعرب ــ نتصدر قائمة المهتمين والمتابعين لسباق المنافسة على المكتبالبيضاوي داخل البيت الأبيض ، وربما أكثر من الأمريكان أنفسهم ، وبالطبع ليس حبا "محرما"في الساسة والسياسة الأمريكية، ولكن هي متابعة أقرب لمن يبحث عن خيط أبيض في النفق المظلم الطويل ، ولا يراوده مجرد أمل ، ولكنه يحتسب عند الله ، شرف المحاولة !!
وقدحدث مثل هذا بالضبط في خريف 2008 ونحن نتابع خطوة بخطوة .. ولحظة بلحظة ..المرشحالرئاسي وقتئذ، باراك حسين أوباما ، أول شاب ــ 48 سنة ــ وأول أسود "زنجي"، وأول أمريكي له جذور إسلامية، يتقدم إلى البيت الأبيض، رافعا شعار "الأملوالتغيير" .. وكنت ــ شخصيا ــ مثل غيري ، من الذين يأملون في تحسين صورةسيدة العالم "الشريرة" ــ وعلى الأقل ــ على أساس الحق، والعدل، وعلىأساس أحكام القانون الدولي، فقط لا غير!!
واختلفتمع أستاذي الكبير الراحل "هيكل" فيما يراه بأن "أوباما" مجردحالة يصدّرها للعالم ، صناع الرئيس ، فهو أول رئيس أسود، وهي دلالة ذات مغزى ،تنفي أصول العنصرية الأمريكية، وهو ثانيا شاب طموح ، وهي صورة تعبر عن حيوية وشبابدولة كبرى "ترهلت " بالفعل، وهو ثالثا ، ابن رجل مسلم من أصول أفريقية،وهنا دلالة أخرى لكل معاني التسامح وتقبّل الآخر .. وأذكر أن أستاذي الكبير قال : أوباماصناعة من يديرون المجتمع الأمريكي، وأوباما رجل أسود أدخله التاريخ أولئك الذينيصنعون الرؤساء في أمريكا ، في لحظة زمنية، كانت أمريكا تبحث خلالها على استراحة "رئاسية"تلتقط فيها أنفاسها، وتستعيد توازنها ، ثم يكون البحث جاريا فيما بعد عن رئيسأمريكي "حقيقي" وليس "مخلقّا" للظرف الراهن !! وهكذا .. بعدأن رحنا نراهن عليه وعلى لونه، ولم نكتشف وقتها أن أوباما لا علاقة له لا بالإسلامولا بلونه، فكانت الصدمة كالعادة قوية ومخيبة للعرب وللمسلمين !!
والمفارقةــ حقا ــ أن الجميع داخل الساحة العربية وخارجها، يرحبون الآن بخروجه من البيتالأبيض، بنفس درجة دخوله، وقيل ــ وأتصور أن القول صحيح ــ أن أوباما لعب في الوقتبدل الضائع منذ لحظة وصوله، فكان ينظر إلى ساعة الحائط داخل مكتب الرئاسة، أكثرمما ينظر إلى خرائط العالم وهي تشتعل من حوله !! وإذا كان علينا أن نتعلم الدرس،وأن نقرأ تجاربنا مع مجموعة رؤساء البيت الأبيض، ونقرأ تاريخنا معهم، ومواقفهم معقضايانا بعيون ثاقبة ، ونوقف عجلة تفاؤلنا المفرط بهذا أو ذاك .. فإنني أعتقد أنالرهان على "دونالد ترامب" له طعم ولون مختلف .. لماذا ؟
* أولا : الرجل ينافس "هيلاريكلينتون" .. وماضيها وتجاربها معنا، تسببت ولا تزال في تفجير الفوضى الأمنيةوالسياسية ، ولها مواقف سابقة من ثورتي الشعب المصري ( 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013)وعلاقاتها معروفة وموثقة مع جماعة التنظيم الدولي للإخوان، وداخل مؤسسة كلينتونالخيرية .. وهي صورة "كربونية" من أوباما، وبوش الإبن، وكلينتون الزوج،وعلى نفس مسار السابقين، وبالتالي لا جديد في السياسة والمواقف الأمريكية ، ومنروسيا الاتحادية إلى إقليمنا العربي .. وهذا التقييم أو التوقعات، وفقا لتصريحاتهاالتي تؤكد من خلالها على رؤيتها السياسية إذا دخلت البيت الأبيض !
* وثانيا: السيدة كلينتونترى أن أجندة السياسة الأمريكية الخارجية ومواقفها، لا غبار عليها، وليس هناك أفضلمما هو كائن ، (وهذا بالطبع غير صحيح) ! بينما يرى
"دونالد ترامب" بصراحتهالموجعة، أن السياسة الأمريكية، دمرت وأنهكت دول كثيرة، ( وهذا صحيح وقائم فيمنطقتنا العربية ) .. وأن الإدارة الأمريكية، صنعت "داعش" بعد أن انتهىدور "القاعدة" كبندقية للإيجار، وأداة لضرب استقرار دول عربية .. وهو ـأي ترامب ــ يناصب العداء المستحكم للإسلاميين المتطرفين "التكفيريينالإرهابيين"، ونحن معه بالطبع ، بينما تتحفظ على ذلك "كلينتون" لأنهمأثبتوا جدارة كأداة أمريكية ، تمت ويتم الاستفاده بها ومنها !!
* وثالثا : أغلب المواقفوالرؤي التي يطرحها "ترامب" تشير أن ثمة أراء مشتركة و أفكار تجمعه معالسياسة المصرية، وفي المقدمة الموقف من جماعة الاخوان، ويصفهم بالمتشددينالإرهابيين المتطرفين ، ويتهم هيلاري كلينتون بمساعدة الاخوان للوصول للحكم علىحساب الرئيس الأسبق مبارك ، قائلا : " في مصر ساعدت كلينتون على الإطاحةبنظام صديق واستبدلته بنظام متشدد تابع للإخوان المسلمين، وقد تمكن الجيش المصريمن استرداد السيطرة لكن كلينتون فتحت علبة الشرور الخاصة بالإسلام المتطرف".. موقف "ترامب" إيجابيًا جدًا تجاه السياسة المصرية ، وهو يعتقد أنجماعة الإخوان هي جماعة إرهابية وينبغي تصنيفها هكذا داخل أمريكا.. والحقيقةالغائبة، أن "ترامب" ليس ضد الإسلام والمسلمين، ولكنه يريد حربا "ضدالمتطرفين" من المتأسلمين، ونحن نعاني منهم بالطبع ، ومن مصر إلى سوريا،مرورا بالعراق وليبيا .. هذا ليس إسلاما ! ولذلك طالب "ترامب" بمراقبةالمساجد وتأسيس قاعدة بيانات للمسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدةالامريكية، وهو ما تفعله ، بصور كثيرة أخرى، الدول العربية التي تخشى العملياتالإرهابية.
بينماقالت هيلاري كلينتون، خلال مناظرة على الهواء مع منافسيها داخل الحزب الديمقراطيبيرني ساندرز ، في شهر ديسمبر 2015 عن النظام الحاكم في مصر : " رأينا ما حدثفي مصر، لقد حذرت من سقوط سريع لمبارك، وها نحن الآن مرة أخرى مع ديكتاتوريةعسكرية بشكل جوهري"!!
* رابعا : من الواضح، أنصناع الرئيس في أمريكا، وجماعات المصالح والضغط ، لا تريد رجلا ينتقد الواقع ،ويكشف عورات السياسة الأمريكية، ولا يكره "العدو اللدود"
روسيا، ويبحث عن تغيير الصورة الراهنة .. وتركزت حملات الهجوم، على جانب واحد فقط "الأخلاقي"وكأن كل نساء أمريكا والعالم تحرش بهن "ترامب" ، وكأن كل الساسةالأمريكان ملائكة، باستثناء "ترامب" شيطان النساء الوحيد .. وكأن "الملائكية"احدى صفات الرئيس الأمريكي .. وهي ليست كذلك بالطبع !
* خامسا : مواقف وتصريحات "ترامب"تثير ثيرانا هائجة داخل أمريكا وخارجها، خاصة عقب إعلانه أن ( الرئيس السورى "بشارالأسد" أقوى من الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" وأذكى من منافستهالديمقراطية "هيلارى كلينتون )، فى إطار الحديث عن الحرب الأهلية فى سوريا فىالمناظرة التى جمعته بالديمقراطية "كلينتون".. وأضاف ترامب، إن الكثيرمما يحدث فى سوريا هذه الأيام نتيجة سياسات الرئيس الأمريكى باراك أوباما،والمرشحة هيلارى كلينتون، موضّحًا : "نعطى الأموال للمقاتلين فى سوريا ولانعرف من هم".
* سادسا: انهم يخشون فوز "ترامب"رئيسا للولايات المتحدة، حتى لايلعب في ثوابت السياسة الأمريكية الخارجية، وربماينحرف قليلا عن مصالح الشركات الكبرى من قواعد ومؤسسات "الرأسمالية المتوحشة"،فالرئيس الأمريكي، يتمتع بأكبر صلاحيات رئيس في العالم، عكس ما بروج له البعض بأنأمريكا دولة مؤسسات .. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو رئيس الدولة، ورئيسالحكومة، يؤدي أدوار رئيس السلطة التنفيذية للحكومة الاتحادية والقائد الأعلىللقوات المسلحة.
ومنذتأسيس الولايات المتحدة ، ازدادت قوة الرئيس، وهو المسؤول إلى حد كبير عن إملاءجدول الأعمال التشريعية في حزبه والسياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة .. غالباًمايتم وصف رئيس الولايات المتحدة في العصر الحديث بأنه الشخص الأكثر نفوذاً فيالعالم.. والمادة الثانية من الدستور الأمريكي تمنح السلطة التنفيذية للولاياتالمتحدة للرئيس، عبر تنفيذ القانون الاتحادي، إلى جانب مسؤولية تعيين المكتبالتنفيذي المرافق له، و المستشارين الدبلوماسي ، الفيدرالي ، التنظيمي ،والمسؤولين القضائيين، و يخول الرئيس لمنح العفو وإرجاء تنفيذ الأحكام، وعقدوتأجيل مجلسي النواب ومجلس الشيوخ في ظل ظروف استثنائية.
وحسبالبند الثاني من المادة الثانية، فإن الرئيس الأمريكي، هو قائد جميع القوات البريةوالجوية والبحرية في الولايات المتحدة الأمريكية .. وعلى أساس البند السابع منالمادة الأولى، يتمتع الرئيس بصلاحية مخالفة قرارات المجلس التشريعي الأمريكي، أيأنه إذا قدمت قائمة قرارات مجلس النواب ومجلس الشيوخ للرئيس كي يوقعها، فلم يوقعهاولم يصدق عليها، يجب على المجلس أن يعيد النظر بقراراته وأن يرفع نقائصهاوإشكالاتها، ومن ثم يحيلها للرئيس لكي يوقعها.. وعلى أساس البند الثالث من المادةالثانية يستطيع رئيس أمريكا أن يطالب بانعقاد جلسة طارئة للكونغرس، وفي حال ظهوراختلاف في الرؤى بين المجلسين التشريعيين حول تاريخ تعطيل الكونغرس يستطيع الرئيسأن يعطله للمدة التي يراها مناسبة.
وإذاكان لا يملك مبدئيا صلاحية إعلان الحرب ، مثلا ، فهو قرار يعود الى الكونغرس. فإنجميع حالات التدخل العسكري في الخارج، لا تعتبر اعلان حرب، وغالبا ما تعود صلاحيةارسال قوات الى المعركة فعلا الى الرئيس الأمريكي، (مثل افغانستان أو العراق) ويتدخلالكونغرس فقط من خلال التصويت على قرارات تتناول عموما جدولا زمنيا للانتشاروطبيعته وحجمه والمهمات المنوطة به.كما بامكان الرئيس استدعاء الحرس الوطنيللولايات.وقد استخدم دوايت ايزنهاور وجون كينيدي هذه الصلاحيات اثر اضطرابات عرقيةفي الجنوب في الخمسينات والستينات.. وهذه الصلاحيات يمكن تأويلها بشكل أوسع، وعلىسبيل المثال حين قرر جورج دبليو بوش استخدام الحرس الوطني في مكافحة الارهاب، وفيهذا الاطار تنتشر حاليا قوات من الحرس الوطني الأمريكي في العراق !.
وهكذاصلاحيات واسعة للرئيس الأمريكي .. وهو ما يحلم به "ترامب" لتحقيق "حلمالتغيير" .. وأتصور أن "تهوّره" لو كان متهوّرا كما يقولون .. وأن "حماقته"لو كان أحمقا .. وأن تطرفه وعصبيته ، لو كان متطرفا حقا .. سوف تدفعه لإلقاء حجرفي بحيرة السياسة الأمريكية الراكدة ، واختراق "تابوهات" رسختها مصالحداخلية وخارجية ، وحافظت عليها "لوبيات" ضغط متعددة داخل الولاياتالمتحدة .
المؤسفأن من بيننا ، من يراهن على "كلينتون" وخاصة من العرب "أصحابالجلابيب البيضاء" ومن الليبراليين .. وحتى صديقي الأمريكي ، الشرقاوي الأصل،واليساري السابق، على الشريف، ومن المتبرعين لحملات هيلاري كلينتون، عاتبني علىرؤيتي لصالح "ترامب" ورهاني عليه من أجل تغيير "ما" فيالسياسة الأمريكية التي أرهقتنا، وأذلت كثيرين داخل الإقليم العربي .
أكرر.. من مصلحتنا فوز "ترامب" ، على الأقل من زاوية "متطرف مجهول أفضلمن شيطان معروف" .. وإذا لم يتحقق على يديه أي تغيير ، فإننا لن نخسر شيئامما عهدناه وعانينا منه، في صورة الهيمنة والوصاية، وصناعة التنظيمات الإرهابية .
ومنيستبعد فوز "ترامب"، فإن الفيسلوف والكاتب الفرنسي " أندريه موروا"يرى ( أن أبعد الأشياء عن الظن، هو أقربها إلى الوقوع ) .. ربما !!