القاهرة 23 اكتوبر 2016 الساعة 10:55 ص
ماذا يعني تأكيد الرئيس في أغلب أحاديثه وحواراته أولوية الاهتمام بالمواطن من خلال تواصل دائم معه وحل مشكلاته؟ ألا يعني ضرورة سعي الأجهزة المسئولة وسبقها إلي رصد مطالبه واحترام استحقاقاته وأن يسبق اتخاذ القرارات خاصة التي تتعلق بمصالحه وأموره الحياتية تواصلا دائما معه عبر حوارات توضح وتستمع إلي الأصداء الجماهيرية لما يراد اتخاذه من قرارات وتسعي إلي تعديلها أو تغييرها، وبما يحقق عدالة القرارات بدلا من التراجع عنها بعد صدورها وبعد ما يترتب عليها من غضب من يضارون منها.. وكما كتبت الاسبوع الماضي كانت أول أهداف خروج المصريين في 25 يناير و30/6 قيام دولة الشعب.. ودولة المواطن وسيادة القانون والعدالة وإنهاء دولة انفراد السلطة بالقرار دون اعتبار لرأي ومصلحة المواطن وحقه في أن يعرف ويشارك ويحُس أن رأيه ومراعاة مصالحه وظروفه أولوية في اتخاذ جميع القرارات.. انه درس أبناء مدينة بورسعيد الذي يجب أن يستوعبه ويحترمه كل مسئول يدرك أهمية ثقة ورضا واطمئنان المواطنين الذين يمثلون الأرصدة والظهير الشعبي لدولة 30/6 في إطار الاحترام والالتزام بالقوانين والتعاقدات التي أُبرمت بين المواطن والدولة.
أخطر من غضب أبناء بورسعيد من تحويل مشروعهم للإسكان الاجتماعي الذي تعاقدوا عليه عام 2013 من التبعية للمحافظة إلي نظام التمويل العقاري بعد تاريخ طويل من الألم يحفظه الكثير من أبناء المدينة مع هذا النظام!! وأرجو أن يكون قد تم الإفراج عمن تم القبض عليهم، خاصة أنه كان في استجابة المحافظ اللواء عادل الغضبان لهم وإعادة المشروع إلي أصل التعاقد بين المواطنين والمحافظة ما يؤكد عدالة مطلبهم وغضبهم.
أعود لأؤكد أن أخطر من هذا الغضب ما كشفه الرصد الإعلامي لأحوال المدينة خاصة في برنامج «العاشرة مساء» من كساد تجاري وانهيار اقتصادي، انعكس علي قطاعات عريضة من أبنائها وحجم ما تعانيه اجتماعيا واقتصاديا مدينة بحر بمؤهلات ربما لا تملك مثلها مدينة أخري من مدن البحر القريبة والبعيدة التي يتمتع أبناؤها برضاء وازدهار، بينما تشهد مدينة بورسعيد وأبناؤها هذه الظروف الصعبة بعد كل ما قدموا لبلادهم من فداء وتضحيات، وكل ما عانوه قبل الثورة من تخبط سياسات إدارة المدينة وتضارب القرارات وإدارات فاشلة وعاجزة عن ترشيد وتنظيم ادارة واستثمار ثرواتها الطبيعية والبشرية وميزات الجغرافيا وعظمة التاريخ النضالي.. ومضت سنوات علي آخر زيارة قمت بها لمدينتي الجميلة رجعت منها غارقة في أحزان التحولات والتشوهات التي حدثت لها. بدت لي المدينة في هذه الزيارة البعيدة لتي كتبت بعدها مقالا في «الأهرام» بعنوان «لا بحر في بورسعيد» فكأنها لا كانت ومازالت بحرا يتوسط وتتوسط معه الدنيا.. ولا هي مدينة قناة تقاتلت علي السيطرة عليها قوي الاستعمار القديم والحديث، ولا هي معبر لتجارة وشعوب الدنيا، ولا كانت مقرا لجاليات أجنبية من شعوب المتوسط أحبتها واعتبرتها وطنا لها ولا كانت أولي محافظات مصر في جميع قياسات ومعدلات التنمية البشرية التعليم والصحة ودخول ابنائها ومستوي المعيشة.. وواصلت التخبط فى القرارات والقوانين المنظمة للسوق والمدينة والمنطقة الحرة بل أقيمت مناطق حرة في عديد من محافظات مصر حتي القاهرة!! واختلفت التركيبة السكانية والأخلاقية وانسحب أغلب سكانها الاصليين بعد أن غزاها كل من استطاع أن يتربح من مؤهلاتها وثرواتها الطبيعية وزحف بعض سكان القري المحيطة التي استوطنها العوز والاهمال والخارجون عن القانون.. وكأنها لم تكن دائما الخط الأول لحماية بلادها وخاصة في عدوان 1956 الذي نقترب من ذكري الاحتفاء به وبما أنجزته المدينة شعبيا وجيشا وشرطة في نوفمبر وديسمبر كل عام.
> توقع أبناء المدينة وتوقعت معهم كواحدة منهم عارفة معرفة مؤكدة ما تمتليء به المدينة والمنطقة من كنوز تنتظر أن تطلق وتدار إدارة علمية ووطنية رشيدة أن يكون لبورسعيد ميلاد جديد بعد 30/6 وللأسف تأخر وتعطل كما تأخر الكثير من المواجهات الضرورية للهموم والمشاكل والازمات الموروثة والجديدة التي لاتبرر أن يطول الانتظار وأن يتسارع إيقاع تنفيذ المشروعات والخطط المعدة للمنطقة لوجستيا وصناعيا وتجاريا وكل ما يمكن اتخاذه من اجراءات لاستثمار مقومات المدينة بحرا وبرا وقناة وصلات تاريخية وجغرافية عبقرية وإحياء للمقومات البشرية الأصيلة داخل أطر الاحترام والثقة وتواصل المسئولين مع مشاكل المواطنين وتقديم الحلول لها وأدعو ابن بورسعيد ومحافظها اللواء عادل الغضبان لعقد مؤتمر عاجل من أبناء بورسعيد، بكل ما لديهم من مقترحات لإنقاذ مدينتهم وأبناء بورسعيد الذين نجحوا خارجها ودعوة أعداد من محبيها وعشاقها القدامي من خبراء ومفكرين ورموز من الرأسمالية الوطنية من أبناء بورسعيد ـ والشركات المحلية والأجنبية التي تستثمر ثروات المدينة للحوار حول ما يجب اتخاذه من خطوات عاجلة لتخفيف معاناة ابناء المدينة والحد من التراجعات الاقتصادية والاجتماعية ونسب البطالة وإلي أن تبدأ الخطط والمشروعات المعدة للمنطقة تؤتي ثمارها علي أن يكون في مقدمة شروط نجاحها أن ابناء بورسعيد وسائر ابناء مدن القناة علي رأس العاملين بها في إطار ادراك المكون النفسي والتاريخي لأبناء المنطقة كعائد ومنتج طبيعي لتاريخ النضال والوطنية والمقاومة وهو الاعتزاز بالكرامة واحترام شراكتهم في كل قرار يصدر.
تحية لسلالة وأحفاد صناع النصر الذي نعيش هذه الايام ذكريات الإعداد له ولمواجهة قوي العدوان الثلاثي الذي داهم مصر كلها غضبا من الجلاء عنها وتأميم قناتها وأراد أن يجعل من اجتياح مدينة بورسعيد وإسقاطها مدخلا لإعادة احتلال مصر ـ فهزموا في بورسعيد هزيمة جعلت الشمس تغرب عن قوي الاستعمار القديم التي خرجت تجر أذيال فشلها من ميناء بورسعيد في 23 ديسمبر 1956 ولعل المقاومة والانتصار بكل عجائب ومدهشات البطولات التي حدثت في مواجهة ثلاثة جيوش معتدية أبلغ رسالة ترسل هذه الأيام للدعوات المأجورة والممولة التي ستلحق بمشيئة الله بما سبقها من حلقات غدر ومحاولات فاشلة توهمت أنها تستطيع أن تهزم عشق المصريين لبلدهم واستعدادهم لبذل الروح فداء لها وحفاظا عليها، وكراهيتهم لكل أشكال الغدر بها، وتحقيق أطماع ونوايا المتربصين بها ونشر الفوضي الخلاقة! وإهدار دماء أبنائها وجرهم الي صراع واقتتال داخلي.. ودون أن يتناقض العشق الوطني والحفاظ عليه وعلي سلامته وتحقيق آفاق الأمل والنجاح الذي نتطلع اليه مع تصحيح وتعديل وتقويم كل ما يجب أن يعدل ويصحح.