القاهرة 17 اكتوبر 2016 الساعة 12:07 م
هناك مقامرات في هذا البلد لا تجوز .. وهناك مضاربات سياسية "خارجية" تريد أن تدفع البلد إلى مجهول، حيث لا توجد هناك حوائط تمنع أو تحيل دون لاتجاه إلى
الهاوية .. !
ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن مصر تقف على أبواب أخطر مرحلة في تاريخها الحديث، وهي راغبة في السفر إلى المستقبل ، وهناك من يرغب تسكينها على ما هي عليه ، ولديهم بكل أسف أدواتهم في الداخل والخارج، خاصة وأن هناك ميراث ثقيل تراكمت طبقاته على إمتداد ما يقرب من أربعة عقود، كانت مصر خلالها مخترقة تماما، بل ومباحة أمام تحركات أجهزة استخبارية غربية وإقليمية، وحتى العربية ، ومراكز تقول أنها معنية بالدراسات السياسية والأبحاث ، ودكاكين تعددت مكاتبها لحقوق الإنسان، ووكالات تحمل شعارات التنمية والمعونة والدعم، وغيرها وغيرها .. إلى جانب أفراد ممن يطلق عليهم النخبة والنشطاء، ودون ذكر أسماء، حتى لا أدوس على أقدام آخرين !! وربما يقول قائل ــ وهو على حق ــ وإلى متى ستظل مصر تواجه أوضاعا قلقة ؟ ولماذا تقع الأعباء غالبا على المواطن البسيط ليواجه بدوره أوضاعا معيشية صعبة، حتى أن طاقته على الاحتمال لم تعد فيها بقية ، وأثقال الحياة المعيشية زادت بما لم يعد محتملا ؟!
والإجابة على متن نفس السؤال : إذ المطلوب في النهاية أن يثور الناس ويحتجون، وتنفتح بالضرورة أبواب العنف والفوضى المدمرة .. دون التفات لحقيقة أن مصر لا تزال تدفع ضريبة سنوات من التجريف والنهب المنظم ، وكانت هناك قضايا عولجت بالإهمال في زمن مبارك، وعولجت بالإرتجال في وقت مرسي ، وهناك حاليا عيون وأصابع تتربص، ومعها مؤثرات بالصوت والضوء تهب على مصر ، من داخل شوارعها وحواريها ، ومن خارج حدودها، وتدفع أمامها بكل وسائل
التشكيك وتشويه الحقائق قبل طمسها عن عمد، وتروج الروايات عن حالة الإنهيار الوشيك للدولة، حتى يفقد الشعب الثقة في نفسه قبل أن يفقدها في الوطن والقيادة .. والنتيجة ــ كما يتصورون ــ هي ما لم أستطع أن أفكر فيه ، لا قدر الله !
ولا أتصور، أن أحدا ينكر ــ أو يحق له أن ينكر لو كان عاقلا ــ أن مصر أمامها تحديات صعبة ، وهي تواجه عناصر داخلية وخارجية، بل وحتى من بعض الدول العربية التي تكفلت بالدعم والمساندة اقتصاديا، ولكنها تضمر في داخلها ما تخشاه من عودة مصر لدورها ومكانتها ، كقوة نافذة ، فاعلة، مؤثرة في الإقليم العربي، وتقوده بالرضا قبل الإذعان لحقائق القوة المصرية الناعمة والخشنة .. وهي الصورة التي نقلها الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، عن "ملك خليجي" بقوله : لا نريد لمصر أن تغرق أو تعوم .. إذا غرقت أخذتنا معها .. وإذا عامت لا نستطيع أن نقف بجوارها على قدم المساواة ، أو نرفض له طلبا !!
هناك بالفعل ، وهي حقائق ومؤشرات قائمة، من يريد للوطن أن يظل يرقع الثوب ولا يستبدل الجسد .. من يريد أن تظل مصر دولة رخوة لا تستطيع أن تصلب عودها .. وإذا كان التنظيم الدولي للإخوان ، قد فشل في الإمساك بجسد الوطن ليغرق معه في دوامة العنف والدم، أو أن يلعق الجراح ويلعن الأيام .. فإن هذا التنظيم ، وقد تمددت فروعه، وتكدست أمواله، وتشعبت فصائله، ووراءه قوة إرهابية بإمتياز .. لا يزال متعلقا بمحاولات إسقاط النظام الذي اخترناه بعد الثورة الشعبية الكاسحة في 30 يونيو 2013 وهكذا نجد أمامنا وضعا قابلا للتفجر ، حتى لا ترتفع قواعد بناء بدأ تأسيسها ، وحتى لا تهدأ موجات غضب من ارتفاع الأسعار، وحتى لا تستقر مصر على أرض صلبة، أو أن تصلب عودها .. و لا ننسى أن التنظيم الإخواني، لا يزال مجروحا ويعاني هواجس الإنحسار بعد هزيمة " الجماعة الأم" في معركة الاستحواذ والتمكين والهيمنة على مفاصل الدولة العربيىة (القاعدية) الكبرى (مصر) وما لحق بفروع الجماعة في الدول العربية من حصار وانكسار ووصم بالإرهاب، حتى أصبح التنظيم الإخواني أطلالا تلوح من بعيد كباقي الوشم في ظاهر
اليد ، وعلى حد تعبير الشاعر الجاهلي القديم .
ولا ننسى أيضا أن المنطقة العربية ، يجري إعدادها لحدث كبير ، و لايبدو أن أحدا هنا أو هناك في الوطن العربي مدرك لذلك ، حتى بعد تدمير العراق ، ومحاولات تفكيك سوريا واستنزاف قوة جيشها، وضرب ليبيا بالفوضى السياسية والأمنية، وحيث لا دولة ولا قيادة ، والحال نفسه تقريبا قائم في اليمن .. وفي الصورة العربية الاجمالية، لم تعد سوى مصر قائمة على قدميها وتسعى لبناء قوتها ، وهي تعد حالة من المحرمات في مخطط "الحدث الكبير" ولا بد من حصارها وتكسير عظامها !!
وهذه الحقيقة، ربما لا يتعامل معها المصريون بجدية ، ويقدّرون تحدياتها الصعبة.. وهي حقيقة ليست غائبة عن القيادة ، وأذكر ما قاله الرئيس السيسي في أول لقاء
إعلامي : (نحن نعلم أن هناك من سيبحاول تكسير السيقان، قبل أن تنهض مصر، وكلما نهضت ، كلما زادت محاولاتهم، حتى لا تقوى على الوقوف، وهناك تجارب سابقة شهدتها مصر) .. وأشار إلى دولة كبرى لم يذكرها بالاسم ، ولكننا عرفنا أن المقصود هي الولايات المتحدة الأمريكية .
وعلى حدودنا الشرقية إسرائيل، وهي تردد ما أعلنه من قبل "بن جوريون" أن قوة إسرائيل ليست في سلاحها النووي، ولا في ترسانتها الذرية، وإنما قوتها تنبع من تفتيت 3 دول حولها، هي مصر وسوريا والعراق ، على أسس دينية وطائفية ، وأن نجاح إسرائيل في تحقيق ذلك لا يتوقف على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر .. ونحن نرى كيف نجحوا في ذلك بالنسبة للعراق، ثم الآن في سوريا، وبقيت محاولاتهم مع مصر .. وأرجو أن لايصل
بنا الغباء إلى تحقيق أحلامهم .
ولعلنا نتساءل : كيف ولماذا تراجعت الوعود العربية التي طفت كالفيضان الهادر في مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي ( في شهر مارس 2015 ) وكانت حصيلة الوعود 60 مليار دولار ؟ وأين المشروعات الاستثمارية ؟ وأين تمويل تأسيس العاصمة الإدارية التي بادر بعضهم برسم مخططاتها العمرانية ؟ ولماذا تحفظت دول خليجية وامتنعت أخرى ، في اللحظات الأخيرة، عن مبادرة مصر بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة؟ وكيف انخفض الدعم الخليجي لتلجأ مصر للإستدانة من صندوق النقد الدولي وترضخ لشروطه ؟ وليس سرا بالطبع أن أمريكا لها الكلمة العليا في منطقة الخليج العربي ؟! وليس سرا بالطبع أن هدف أمريكا ولصالح إسرائيل أولا وثانيا ، أن تبقى مصر فريسة على مائدة اللئام !!
المتربصون بمصر، من الخارج وأعوانهم في الداخل، يلعبون بموجة ارتفاع الأسعار، وعلى وتر معاناة الحياة المعيشية، وهي حالة لا ننكرها، أو نتهرب منها، ولكن نتعامل معها بمقدار ما يؤكده الفيلسوف والأديب الفرنسي الشهير " فولتير" ، بأن الرقي حينما يطرق أبواب أمة يسأل أولا : هل لديهم نقد ؟ فإذا ما أجابوه بنعم ، دخل والتقى برموز هذه الأمة .. وإذا ما أجابوه بـ "لا" هرب ولا يدخل هذا المجتمع .. فالنقد له 3 أركان هي ذكر الايجابيات ، ثم السلبيات، ثم طرق العلاج .. وإنكار ذلك مدمر للذات أولا قبل الوطن .. وهي صورة حذر منها زعيم الهند العظيم "نهرو" متسائلا: من يعيش إذا ماتت الهند ؟!
ولكني أرى في مصر، أن الفجر لا يزال على قيد الحياة