القاهرة 28 سبتمبر 2016 الساعة 01:39 م
- لا أؤمن أن الرواية هي ديوان العرب اليوم لأن الرواية العربية لا تزال ضعيفة جدا بالمقارنة بسوق الرواية علي مستوي العالم
- بدون الشعر لا روح في المجتمعات
- الحركة النقدية شبه منعدمة في الحقبة الأخيرة في العالم العربي
- الكتابة بالنسبة لي حالة تماثل وسبب للوجود في الحياة .
حاورتها : نضال ممدوح
ـــ في ديوانك " رسائل غيب" في قصيدة " أرض سيناء " قلت : هنا حيث فرعون قديم أغرقه الله ثم أنجاه ببدنه ? في إشارة إلي الرئيس الأسبق حسني مبارك ? كيف أستقبلت نبأ حكم براءة مبارك ؟
ـــ إولا فقدت اهتمامي تماما بتطورات ما بعد الثورات العربية بما فيها الثورة المصرية والسبب يعود إلي إفساد بدايات تلك الثورات بما تلاها من حركات أصولية دينية وإرهابية وعودة وجوه إلي الحكم من الأنظمة السابقة إلي الحكم وكذلك وجود المؤامرات الإقليمية الدولية التي لا تتفق مع مبادئ الحرية والعيش والكرامة والعدالة الإجتماعية والتي قامت من أجلها الثورة سواء في تونس ? مصر ? سوريا ? اليمن وليبيا ? أشعر ان ما يحدث بما فيه من محاكمات وبراءات هو في هذا السياق المشوش لما بعد الثورة وليس بالتحديد تعبير عن إنجاز الثورة ? بالنسبة لمبارك أنا عشت أعوام طويلة تحت حكمه بإعتباري مقيمة في مصر منذ الثمانينيات ? وأتذكر له مراحل جيدة ? مراحل في حرية التعبير ? وأتذكر لمبارك مراحل أخذت فيها مصر مراحل في التقدم والتحديث رغم الفساد الذي كان يعتري أركان حكمه والشيخوخة ومشروع التحديث الذي إنتهي به زمنه ? وأنا ضد الإلغاء الكلي لفترة من الفترات ? علينا أن نري إيجابيات كل مرحلة وسلبياتها ? فكرة ان أمحو ما سبقني وأن أجعله مظلما تماما هذة فكرة فيها نوع من المحو للتاريخ ? علينا أن نكون منصفين ? جرائم مبارك ليست جرائم مالية ? جرائمه كانت سياسية وفي ظل هذة الجرائم دخل عنصر الفساد المالي وغيره ? كان يتوجب إن تناقش مرحلة مبارك بمسؤليات من معه أيضا وليس وزير داخلية ورئيس دولة فقط ? وأعتقد آن مبارك شاخ بما فيه الكفاية ? وأذل بما فيه الكفاية معنويا ? وبالنسبة لي تبرئته من عدمها لم تعد تعنيني .
ــــ إحتلت الرواية العربية مكانة الشعر كديوانا للعرب ? هل تري ظبية خميس علي المدي البعيد إستعادة الشعر عرشه المفقود ? وكيف تفسرين الرواج الأوسع للرواية علي حساب الشعر ؟
ـــ لا أؤمن بهذة المقولة ? لا أؤمن أن الرواية هي ديوان العرب اليوم لأن الرواية العربية لا تزال ضعيفة جدا بالمقارنة بسوق الرواية علي مستوي العالم ? لدينا الكثير من الكتابات السهلة والكتابات ذات اللغة الركيكة ? وسوق الرواية إزدهر بسبب تجاري لأنه إرتبط بالجوائز وسهولة النشر وارتبط " بالإنترنت" وبالتسويق ? وعندما طرحوا فكرة " البوكر" وجوائز الرواية تحمس الناشرون لنشر الروايات بغية الوصول إلي هذة الجوائز ? ثم عندما أقيمت فكرة الأكثر مبيعا وهي قوائم أنا أشك فيها لأن كثير من الأعمال الضعيفة تتصدر هذة القوائم ? ربما يكون هناك سبب موضوعي أكثر لكتابة الرواية ? أن الرواية ترصد التحولات الإجتماعية ? وأنا لا أري أنها مزدهرة بنفس الدرجة في كل الدول العربية ? مثلا أري في الإمارات الكثير من الروايات حاليا ، وإنعدام الشعر ولكنها روايات هزيلة بلغة ضعيفة وبمواضيع لا توجع دماغ أحد ? مواضيع مطمئنة ? فيما يتعلق بمصر أعتقد أن الرواية كانت بالنسبة للشباب صرخة حيث كان في فترة من الفترات رواج للكتابات الساخرة التي كانت تسخر من النظام السياسي والاجتماعي ? ثم دخلنا في" لعبة " المسابقات ? فيما يتعلق بالشعر فهو الأصعب ? الشعر يريد التأصيل ? تأصيل معرفي ? تأصيل لغوي ? قراءة للتراث القديم ? قراءة لمنجز الحداثة ? قراءة للنقد وتجربة روحية خاصة ? لدينا إمتداد جديد لرواد الحداثة لكن أعتقد معظمهم مات ? مثلا عندما نتذكر محمود درويش ? محمد الماغوط ? أمل دنقل ولا أعتقد ان القامات الموجودة حاليا تضاهي هؤلاء في المنجز اللغوي الشعري أولا حتي في الموضوعات المطروحة ? الشعر مثل الموسيقي يدل علي روح الشعب وعلي الحالة الحضارية لهذا الشعب ? وأعتقد بما اننا في حالة إنحطاط سياسي حضاري إجتماعي يبدو الشعر مهمشا ? لكن بدون الشعر لا روح في المجتمعات ? في إوروبا ? في الصين ? وفي الهند واليابان وهي دولة متقدمة بالنسبة إلينا في الهند لا زال الشعر مهم ومازالت الملتقيات الشعرية مهمة ? ولازالت الإصدارات الشعرية مهمة فلا يمكن إلغاء الشعر نتيجة ترجمة لفظية لحالة حداثية ستتغير بعد قليل .
ـــ ما بين الشعر والنقد والقص والترجمة والعمل الصحفي والدبلوماسي ? أين تجد ظبية خميس ذاتها وأي الأجناس الأدبية الأقرب إليها ؟
ـــ الشعر دائما الأقرب هو إلي قلبي ? الرواية أو كتابة القصص محطة إستراحة بين السنوات ? المقال أكتب فيه ما أريد به مخاطبة العالم ?والجانب البحثي إو الدراسي النقدي هوتأصيل معرفي ? لكن بالنسبة لي يبقي الشعر هو ذاتي اللغة التي أعبر بها عن كينونتي الداخلية وأقلق عندما يغيب عني الشعر ? منذ أربع شهور وأنا أكتب عمل بعنوان " مقام الإعرابية الرائية" وأشعر بأن مثل هذا العمل مثلا يأخذني من بقية العالم ? تصبح روحي ويصبح ذهني وكينونتي في فضاء آخر غير الفضاء المعاش ? غير الفضاء الواقعي ? يصبح عندي حقيقتي الداخلية التي لا علاقة لها كثيرا بالحقائق الخارجية ? الشعر هو روحي ومنبري .
ــــ كيف ترين الحركة النقدية في العالم العربي خاصة مصر ? وهل تتواكب وتلاحق المنتج الثقافي المطروح والمتعدد ؟
ـــ الحركة النقدية شبه منعدمة في الحقبة الأخيرة في العالم العربي ولدينا قلة من النقاد المبدعين مثل عبد الفتاح كيليطو في المغرب ? الحركة النقدية هي حركة ذهنية إبداعية تتعلق بالنظريات النقدية ? تتعلق بأن يلحق النقد بالأدب وليس العكس ? ولأن الحالة الذهنية العربية كما سبق وان قلت في حالة انحطاط معرفي وفكري وإبداعي فإن ما نراه علي أنه نقد ضئيل جدا وربما لا زلنا نستفيد من النقاد السابقين الذين ظهروا في الأربعينيات والخمسينيات والذين ظهروا في الستينيات والسبعينيات أكثر من النقاد الحاليين ? والصحافة لعبت دور لأن هناك القراءة الإنطباعية السريعة للكتب ? كذلك الأكاديمية المتحجرة لعبت دور لأن هناك إتكاء علي نظريات الزمن يتجاوزها ويحاول أن يفهم بهذة النظريات ما يكتب اليوم وهذا يجعل النقد متحجر قليلا ? ثم إتجاه كثير من النقاد إلي الكتابة الصحفية بدلا من التأليف النقدي وإقامة الندوات ? نحن في حاجة ماسة إلي حركة نقدية لأن ذلك يعني تعمل علي تقويم العقل الفكري والحضاري وتقويم العقل المبدع ليستوعب ما يحدث ضمن لحظته التاريخية وليس ضمن الماضوية ولا ضمن نظويات قد سقطت من الغرب ايضا ? مازلنا نري نقاد يقولون نحن حداثيون او تفكيكيون ? فالنقد بحاجة إلي إحياء واعتقد ان مواكبة الترجمة للنظريات الحديثة في العالم ثم التأمل الخاص بنا حضاريا يمكن ان يعيد قولبة الوضع الخاص بالنقد الأدبي ? هل هناك نقاد شباب ? عندما تريدين تناول نص أدبي تلجأين إلي نقاد قدماء مثل صلاح فضل وجابر عصفور وهؤلاء خريجين الخمسينيات والستينيات الشباب عليه نفسه ان يخرج منه نقاده ? نريد نقاد في الثلاثينيات والأربعينيات ونريدهم علي صلة باللغات الأخري وعلي صلة بالجانب التاريخي الحضاري العربي وهناك مناهج كثيرة ظهرت في العشرين عام الأخيرة في الغرب مثل النقد الأدبي النسوي والنقد الاجتماعي الأدبي والنقد الخاص بالفئات المجتمعية المختلف ? محتاجين إلي تطور في التعليم الأكاديمي للنقد وتطور في الحركة النقدية ? وجود " الإنترنت" ووجود الكاتب الذي يعيش بعيدا مع ذاته وبعيدا عن التقاطع مع كتاب آخرين ? عدم وجود هذة الحالة التجمعية هذة لعب دور فقديما كان الناقد يخرج من نفس التجمع الأدبي الإبداعي هنا معايشة لتجربة الإبداع نفسها فكان يخلق مزيج إبداعي فيه فهم لما يحدث ? أما الآن المبدع لا يعتمد علي الحركة البشرية بل يعتمد أكثر علي دور النشر و" الإنترنت" ? الحركة النقد ية محتاجة وسط أكاديمي وفكري وحتاجة تجربة معاشة و ترافق في الأبداع بين الناقد والمبدع .
ـــ الكتابة محاولة للٌإنعتاق لأن الحياة لم تكن يوما عادلة وربما محاولة لهزيمة الموت ? ما المنطق الذي تعتنقه ظبية في الكتابة بمعني أدق لماذا تكتبين ؟
ـــ الكتابة بالنسبة لي طريقة حياة ? فمثلا النجار يصنع الأثاث ? الممثل يؤدي والكاتب سواء الكاتب الروائي أو كاتب المسرح أو الشاعر له تركيبة خاصة لأن الكاتب بداخله مراقب ومتأمل ? أنا تعجبني مقولة سيدنا المسيح :" أنا في الدنيا ولكن لست من أهل الدنيا " هناك في الحياة شخصيات لديها حالة التأمل مبكرة وتري تفاصيل لا يستطيع الانسان العادي رصدها هي في الحدث وتشعر بالحدث ? في المشهد وتراه معا ? لا تستطيع ان تعيش الحياة العادية ? حياة الوظيفة والزواج والإنجاب والإنهماك في الأمور المادية المعاشة ? هناك جانب مما وراء الطبيعة في شخصيات المبدعين ? حتي عندما عملت وظائف مختلفة في حياتي كانت الوظيفة لخدمة الكتابة ? وعملت في وظائف بعضها مميزة جدا لكي أستطيع الإنفاق علي نفسي وأتفرغ للكتابة ? لم أري نفسي كدبلوماسية أو صحفية لم أري نفسي في أي وظيفة علي أنها صفتي ? صفتي كانت الكتابة وكل ما عملته في الحياة من تنقل بين البلدان والحياة خارج وطني والعمل الوظيفي وحتي العمل الدراسي كان من أجل الكتابة ? هذة هي الطريقة التي أستطيع أن أعبر بها عن مروري الوجودي في هذة الدنيا ? بالنسبة لي الكتابة حالة تماثل وسبب للوجود في الحياة .
ــــ في منطقة ناطقة بالضاد كونك إمرأة تضعك محل إتهام طوال الوقت خاصة إذا كنت إمرأة مبدعة ? كيف تعايشت مع هذا الوضع ? خاصة عقب نشر كتابك " منفي جامعة الدول العربية" والذي هاجمت فيه الجامعة وطريقة أداء أمينها العام ? وهل ترين جامعة الدول كيان مازال يستحق الحياة ؟
ــــ تعاملت بصدامية ومواجهة وقتالية منذ نعومة أظافري ? والكتابة ساقتني إلي كثير من العراقيل والعدوانية المضادة ? الكتابة عندي وتحدياتها وما ذكرتيه عن كتاب " منفي جامعة الدول العربية" يتضمن كلام يسبق جامعة الدول العربية بكثير فيما قد تعانينه كمبدعة كمثقفة ككاتبة من إضطهاد ليس الوسط السياسي فقط لكن حتي الوسط الثقافي لأن الكتابة مرتبطة بعالم ذكوري معين في العالم العربي حتي الشعر مرتبط بفكرة، فحولة الشعراء ? وفي كل مكان هناك كاتبة بدون عراب ستضطر لمواجهة الكثير من الذئاب وفكريا ومعنويا وربما جسديا لكي تحقق حلمها كما تريد خارج إطار هيمنة عراب يقبض الثمن ? لم تكن رحلة سهلة ويفتح لها الأبواب ? أتذكر دائما عنوان مذكرات فدوي طوقان " رحلة جبلية صعبة " التي كتبت فيها مع تجربتها عن الكتابة ? وأتذكر تجربة غادة السمان التي إضطرت إلي ترك العالم العربي كله بالفرار إلي باريس ? وأتذكر تجربة نوال السعداوي ومحاكمة ليلي العثمان في الكويت بسبب الكتابة ? ليلي بعلبكي اللبنانية ومحاكمتها في الستينيات بسبب روايتها " السفينة " ? الكتابة في العالم العربي جهاد ونضال وثورة ضد عقل ذكوري مغلق وضد مفاهيم سلطوية متآكلة خصوصا الكتابة الحرة التي تنتمي للقرن ال عشرين والواحد والعشرين ? وبسبب الكتابة تعرضت لمصادرة كتبي وتعرضت للخطف والإعتقال والفصل من عملي والإعتداء، في الأوساط الثقافية ? كل هذا كان ثمنا للكتابة ? ما حدث لم يثنيني عن الكتابة وفي كل مرة أري رد الفعل يزداد إيماني وإدراكي بخطورة وأهمية الكتابة وبآخر الأمر ما سيبقي هو الكلمة ? أما العقلية فهي قابلة للتغيير مع الزمن ? ولنتخيل كاتبة عربية بعد مائة عام والعالم أستمر في تطوره وتجاوزه للفكر التقليدي علي مستوي العالم وليس العالم العربي فقط سيكون هناك كاتبات يكتبن أشياء لا نجرؤ حتي بالحلم بها كما انني في القرن ال21 أكتب أشياء لم تستطع مثلا " عائشة التيمورية" في بداية القرن ال20 ان تحلم بها ? ولدي كتابين عن المرأة والكتابة هما " صنم المرأة الشعري " وهو كتاب نقدي وكتاب " الذات الأنثوية والأبداع " رصدت فيه التجربة العربية في الشعر ? وعناوين كتبي ثاني كتاب أصدرته كان بعنوان " أنا المرأة الارض " المرأة بالنسبة لي كصوت أعتقد أنا وجيلي استطعنا ان نصل إلي مراحل متقدمة جدا علي مستوي تاريخ الأدب العربي الشعري وحتي الرواية وكلما زاد الحضور الإنثوي الذكي في أي مجتمع كلما إزداد إمكانية تحضر هذة المجتمعات أكثر وتقدمها الإنساني .