القاهرة 20 سبتمبر 2016 الساعة 11:48 ص
يبدو أن صراحة هذا الرجل "الصراحة الموجعة" قد أغضبت كثيرين ــ ونحن منهم ــ وقد أثارت مخاوف كثيرين أيضا ــ ونحن لسنا من بينهم بالطبع داخل الولايات المتحدة الأمريكية ــ واكنه يبقى الرجل الصريح الصادق، والأنسب والأفضل داخل البيت الأبيض ، بالنسبة لنا في الإقليم العربي ، وقد عانينا كثيرا
وطويىلا من ويلات مناورات وخديعة السياسة الأمريكية .. الوصاية والهيمنة .
أعتقد ــ والاعتقاد هنا بعيدا عن الظن .. قريبا من الواقع ــ لو فازت "هيلاري كلينتون" بقيادة البيت الأبيض .. سوف نجد صورة مكررة و"باهتة" تماما ، من إدارات ( بوش الإبن ــ وباراك أوباما) .. لا جديد .. إلا ما هو قائم وثابت ، وهو ليس في مصلحتنا .. أما إذا فاز "دونالد جون ترامب" فإن الاحتمالات قائمة لكي نرى "سياسة الصدمات" ، وحركة جديدة وربما صاخبة داخل البيت الأبيض ، من رجل أعمال يقال أنه متهور ، متطرف ، ولكنه بالطبع ليس مجنونا .. ولكنه قد يكون مغامرا ، ورجل الأعمال الناجح يقبل المغامرة من أجل صفقات ناجحة .. ولا يوجد رجل أعمال ناجح ومجنون في نفس الوقت !!
وقد يقال أنه يحمل عداءا مستحكما للإسلام والمسلمين .. وهذا ليس صحيحا .. إلا إذا كانت كراهية "المتأسلمين" صناعة أمريكية، من القاعدة إلى داعش وتفرعاته، خطيئة، وهي ليست كذلك بالطبع .. ونحن أيضا في عالمنا الإسلامي ندين ونستنكر ونحمل قدرا غير محدود من الكراهية لتلك الصورة المشوهة من الإسلام والمسلمين .. وحتى لو كان الرجل كارها للمسلمين بدوافع التعصب والعنصرية، فإنه ليس الشيطان الوحيد في أمريكا ، بل سبقه كثيرون في التعبير عن المشاعر السوداوية، ولكن مشكلة "ترامب " في صراحته الموجعة والصادقة، لأنه
يرفض أن يأتي إلينا لابسا عمامة ، وقد سبق وهدد "بوش الإبن" بالحرب الصليبية، ثم اعتذر لأصدقائه من العرب معترفا بـ "زلة لسان" .. وسبقه أيضا الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في كتابه (1999 ــ نصر بلا حرب) وعبرعن قلقه من الإسلام والمسلمين، ومحذرا "إنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ومعه سقوط الاشتراكية كحركة ومنظومة سياسية، سيواجه الغرب والولايات المتحدة خاصة "مارداً آخر" هو الإسلام" .. فلماذا نعيب فقط على الرجل الصريح "ترامب" ؟
عموما .. لدينا كل الأسباب لكي نشك في الولايات المتحدة ، وفي كل رئيس أمريكي ؟! ونحن في حقيقة الأمر لا نحكم على كل رئيس أمريكي، على أساس الرؤية العربية لحقوقنا ومصالحنا ، ولا على أساس أحكام القانون الدولي فيها ، ولا حتى على أساس الحق أو العدل .. لأن كل هذا ضرب من العبث والوهم لا مكان له .. فما تقرره أمريكا لنفسها ، يتم على ضوء مصالحها وأمنها، بصرف النظر عن رؤية الآخرين، وعن القانون ، وعن الحق والعدل !!
ونحن لا نتوقع تغييرا في الثوابت الحاكمة للسياسة الأمريكية في منطقتنا العربية ــ ولن يحدث بالطبع ــ لأن إسرائيل أصبحت إلى جانب ما تملكه من تداخل في عملية صنع القرار الأمريكي، عن طريق الأصوات والأموال ومراكز التأثير ــ هي في نفس الوقت ــ ركيزة أساسية في نظام الدفاع الأمريكي عن الشرق الأوسط ، وبمعنى أن إسرائيل أصبحت "السلاح النهائي" لمطلب الهيمنة الأمريكية المطلوبة على المنطقة.. أي انها سلاح الردع الأخير الذي يؤمّن هذه المنطقة الحساسة استراتيجيا بموقعها، والخطيرة اقتصاديا بمواردها ، وهي منطقة معرضة ــ من وجهة نظر أمريكية ــ لتفاعلات داخلية
سياسية واجتماعية .. وهكذا أصبح ضمان وجود وقوة إسرائيل ، أشياء حيوية بالنسبة لمصالح أمريكا .
إذن .. قد يبدو للبعض أنه لا رهان على قيادة "هيلاري كليتنون" أو "ترامب " للبيت الأبيض ، وكل منهما سبق وقدم أوراق اعتماده مبكرا لدوائر الضغط، ومراكز اللوبي اليهودي الفاعلة والنافذة .. وكان من الطبيعي أن يتبارى "ترامب وكلينتون" في هذ السباق المشهود، وأن يزايد كل منهما على الآخر داخل الشروط الثلاثة الحاكمة للسياسة الأمريكية الخارجية .. وهي : تعهد أمريكا بأن تحتفظ لإسرائيل بتفوق عسكري كامل .. وتعهد أمريكي يحول دون أي قرار في الأمم المتحدة يوجه مجرد اللوم لها ... وتعهد أمريكا بعدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل تحت الحاح أصدقائها العرب، ومهما كانت الظروف !!
أتصور أن هذه قصة ، سارت تفاصيلها مسرى الأمثال .. وتكررت لها نماذج مع كل رئيس أمريكي ، من "هاري ترومان" 1948 وحتى الآن ، بل وتحول تكرار النماذج إلى ما يشبه قانون في السياسة الداخلية الأمريكية ، يعتبر أن المنظمات الصهيونية اليهودية، في الولايات
المتحدة، هي أقوى جماعات الضغط السياسي المنظمة .. وهذه قصة معروفة، لم يعد فيها جديد يثير !!
ورغم هذه الثوابت والتعهدات والحقائق المتوارثة داخل البيت الأبيض .. إلا أننا نجد أن فوز "ترامب" لمصلحتنا ، أو على الأقل سيكون صانعا لتوجهات جديدة في السياسة الأمريكية ، حتى ولو بطريقفة إلقاء حجر داخل البحيرة التقليدية للسياسة الأمريكية .. كيف ولماذا ؟!
أولا : توجهات ورؤية "هيلاري كلينتون" معروفة ، وليست جديدة على البيت الأبيض ، ولا على المنطقة العربية، ومن تقسيمات المعتدلين والراديكاليين العرب، والسنة والشيعة المسلمين ، ولديها سوابق تتصل بصناعة "المافيا الإسلامية" من التنظيمات التكفيرية "داعش ــ مثلا" ، وبينها وبين روسيا عداءا أآيديولوجيا من زمن الحرب الباردة .. ومن الواضح ، وفقا لتصريحاتها السابقة، فإن هيلاري رودهام كلينتون، سوف تسير على طريق (بوش ـ أوباما) الرابط بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، دون تغيير في الوسائل والأدوات .. فيما يخص السياسة الخارجية في الشرق الأوسط !
ثانيا : أما "ترامب" فإن تطرفه يكشف عن صدق نواياه دون مواربة ، و قد يكون متهورا .. ومتهورا جدا .. حسب تصريحاته ، ولا يستطيع أن يمسك لسانه.. وأتصور أنه لمصلحتنا أن يحكم الولايات المتحدة رجل متهور متطرف مثله، لأن المتطرفين يصنعون السياسة أحياانا، وبمقدار القفز فوق البخطوط
التقليدية المرسومة لهم .. وفيما أظن أن "ترامب" لديه الرغبة، ولديه القدرة على اتخاذ مواقف وقرارات مصيرية غير تقليدية، وربما تحدث تغييرا مفاجئا على خط السياسة الخارجية الأمريكية.
ثالثا : ليس مستبعدا تماما ، أن الرجل المتهور "ترامب" إذا جلس خلف المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، فإنه قد يتصور نفسه العالم ببواطن الأمور، والقادر على اتخاذ القرارات المناسبة ، وربما يرى أنه الوحيد الحريص على مصلحة أمريكا ، وربما يفاجىء العالم بمبادرات على غرار تواجده مثلا في
الكرملين، في زيارة صداقة "صادقة" ، وربما يعلن صراحة أن أمريكا التي صنعت "داعش" تتحمل وحدها عبء تخليص العالم من شرور التنظيم الإرهابي ومن معه من تنظيمات فرعية أخرى ..
وربما يكفينا منه أن ينقذنا من "لعبة ورقة الإرهاب" الأمريكية التي مارستها منذ تأسيس "القاعدة" في أفغانستان .. ومن مناورات السياسة الأمريكية على الساحة العربية، ومن أطراف البحار شمالا ، إلى حواف الرمال في الصحراء العربية جنوبا .. ومن العداء المستتر لأي توجه عربي قومي "مستقل" وممارسة الضغوط الشرسه عليه ، اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا ــ ومصر .. نموذجا ــ وأعتقد أن الرجل المتطرف "ترامب" له رؤية مغايرة تماما عن المواقف التقليدية الأمريكية التي عانينا ومازلنا نعاني من تداعياتها وآثارها المباشرة والجانبية.
رابعا : هناك من يعتقد أن سلطة وسلطات الرئيس الأمريكي محدودة ، وأن أمريكا دولة مؤسسات ، وأن التغيير الذي حدث في توازن القوى داخل أمريكا، لم يترك البيت الأبيض بالسلطة التي كان عليها أيام "فرانكلين روزفلت" وزمن الأمبراطورية الأمريكية .. ولا حتى السلطة التي كان عليها أيام "إيزنهاور ، وكيندي" .. تحت ضغط ظروف الحرب العالمية الثانية ، والحرب الباردة، وقتها كان تركيز السلطة مطلوبا .. وفيما بعد أعيد توزيع السلطة على القمة في الولايات المتحدة، وإعادة التوزيع أخذت كثيرا من سلطة البيت الأبيض وأضافته إلى سلطة الكونغرس، وأخذت كثيرا من سلطة البيت الأبيض وأضافته إلى سلطة المحكمة العليا .. بل وأخذت كثيرا من سلطة البيت الأبيض وأعطته لوسائل الإعلام في عهدها الجديد " من الصحافة الإلكترونية والورقية والتليفزيون " ..
ولكن هذا لاينفي حقيقة، أنه منذ تأسيس الولايات المتحدة ، ازدادت قوة الرئيس والحكومة الاتحادية إلى حد كبير، وغالباً مايتم وصف رئيس الولايات المتحدة في العصر الحديث بأنه الشخص الأكثر نفوذاً في العالم .. فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جانب مسؤولية تعيين المكتب التنفيذي المرافق له ، والمسؤولين القضائيين، وإبرام معاهدات مع القوى الأجنبية، بمشورة وموافقة
مجلس الشيوخ ، ويخول الرئيس لمنح العفو وإرجاء تنفيذ الأحكام، وعقد وتأجيل مجلسي النواب ومجلس الشيوخ في ظل ظروف استثنائية.
وعلى أساس البند السابع من المادة الأولى، من الدستور الأمريكي، يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية مخالفة قرارات المجلس التشريعي الأمريكي .. أي أنه إذا قدمت قائمة قرارات مجلسي النواب و الشيوخ للرئيس الأمريكي لكي يوقعها ، فلم يوقعها ولم يصدق عليها، يجب على المجلس التشريعي بغرفتيه (النواب والشيوخ) أن يعيد النظر بقراراته، وأن يرفع نقائصها وإشكالاتها، ومن ثم يحيلها لرئيس الجمهورية لكي يوقعها .. وإذا كن الرئيس لا يملك
مبدئيا صلاحية إعلان الحرب، فإن جميع حالات التدخل العسكري في الخارج لاتعتبر اعلان حرب، وغالبا ما تعود صلاحية ارسال قوات الى المعركة فعلا الى الرئيس، ثم يتدخل الكونغرس عندئذ للاشراف على عمليات التدخل المسلحة في الخارج (مثل افغانستان أو العراق) من خلال التصويت على قرارات تتناول عموما جدولا زمنيا للانتشار وطبيعته وحجمه والمهمات المنوطة به.. ويستطيع الرئيس استخدام سلطته باستدعاء الحرس الوطني للولايات المتحدة في مكافحة الارهاب، وفي هذا الاطار تنتشر حاليا قوات من الحرس الوطني في العراق !
سلطات واسعة يتمتع بها الرئيس الأمريكي .. ومن هنا تبدو الهواجدس من فوز ترامب بمنصب الرئيس .. ومن هنا نترقب نحن من يفوز .. ولمصلحتنا فوز "ترامب" .. وأي قول غير هذا لن يفيد شيئا مع "أكليشيه" السياسة الأمريكية وثوابتها في المنطقة.
صدقوني .. فوز "ترامب" لمصلحتنا .