القاهرة 16 اغسطس 2016 الساعة 11:40 ص
عندما كنت سفيرا لمصر في الصين زارت الصين وفود عدة من السياسيين وفي مقدمتهم رئيس مصر الاسبق الرئيس حسني مبارك ووزراء وسياسيون ودبلوماسيون كثيرون. ولكن أربع شخصيات هم من اطلق عليهم عمالقة لثلاثة أسباب أولها ان كل منهم ترك بصمة واضحة في المجتمع الصيني وفي العلاقات المصرية الصينية ، وكانوا موضع ترحيب حقيقي من المسؤلين ومن الشعب وثانيها إن كل واحد منهم نقل رسالة خاصة من مصر للصين وهي رسالة العلم والحضارة من مصر وحضارتها العريقة و تطلعاتها المستقبلية نحو غدا افضل للصين القوة الصاعدة في القرن الحادي والعشرين والثالث إنني ارتبطت بصورة أو باخري بهذه الشخصيات الاربع في فترة عملي كسفير لمصر في الصين ارتباطا وثيقا فلم أترك أيا منهم منذ وصوله حتي مغادرته و
ظللت علي صلة بمعظمهم بعد إنتهاء الزيارة واتمام فترة عملي في الصين .
والاول هو أحمد زويل الذي زار الصين عالما واحتفت به الصين وعلماؤها إحتفاء كبيرا وعقد مجموعة ندوات علمية في جامعة بكين وفي اكاديمية العلوم والتكنولوجيا وغيرها وكنت كسفير مصر ملازما له في كل تحركاته . وشعرت بالفخر لان أحد أبناء مصر بهذه المكانة العلمية الرفيعة وها هي الصينالصاعدة تحتفي به وأحاط به العلماء الصينيون يستفسرون عن اختراعه وعن جائزة نوبل وعن مشروعاته المستقبلية وهو يجبيب بأريحية وبدون غرور أو تكبر وأنا أستمع ولم أكن افهم سوي النذر اليسير مما كان يشرحه لهم.
والثاني الاستاذ الدكتور بطرس بطرس غالي والذي زار الصين بدعوة خاصة بعد أن إنتهت مدة عمله كأمين عام للامم المتحدة وهو بدوره اهتممت به بصفته استاذي في الجامعة وكرئيس سابق لي بوزارة الخارجية وكأمين عام للامم المتحدة أكد صلابة الشخصية المصرية في التمسك بما تراه حقا عندما أصر علي نشر تقرير الامم المتحدة عن مذبحة قانا رغم إعتراض الولايات المتحدة واللوبي اليهودي علي ذلك وشعرت الصين العظيمة أن هذا الرجل هو رجل مبادئ وليس ممن يبحثون عن وظيفة ويبيعون مبادءهم من أجلها . سافرت مع بطرس غالي وحرمه السيدة ليا إلي عدة مدن ومحافظات صينية وكان يحاضر في منتدياتها الفكرية ويتحلق حوله الصينيون والصينيات وكنت أداعبه قائلا" ينبغي أن تترشح في الصين لتصبح رئيسا لها وأحيانا مداعبة أخري فقلت له هؤلاء الصينيات يخلقن لك مشكلة عائلية إذ يصرون علي التقاط صور معه وأيضا علي أن يكتب لهن كلمة في الالبوم الخاص بكل منهن وكان يجعلني أكتب وهو يوقع.
والثالث هو الدكتور حسين كامل بهاء الدين وقد زار الصين عدة مرات أثناء وجودي وكان وزيرا للتعليم ورافقته في إجتماعاته مع المسؤلين الصينيين وفي محاضراته التي إلقاها في محافل اكاديمية وعلمية وتبادل الخبرات مع وزيرة التعليم الصينية والقيادات التعليمية الاخري.كان الاهتمام الصيني ببطرس غالي وحسين كامل بهاء الدين بصفتهما مفكرين . ولهذا قامت الصين بترجمة كتابين من كتب الدكتور حسين كامل بهاء الدين للغة الصينية عن المستقبل والثورة الرقمية والعولمة. وأيضا ترجمة كتابين لبطرس غالي وهما الرحلة للقدس وكتب مقدمتها نائب رئيس الوزراء الصيني وكان قبلها وزيرا للخارجية وهو تشيان تشي تشين كما ترجمت الصين كتابه الاخر حول الامم المتحدة وشاء الله أن ينشغل الصينيون ولم يرغب أحد من كبار المسؤلين أن يكتب المقدمة فطلب مني الناشر أن أكتب المقدمة لكونه إستاذي وبصفتي سفيرا لمصر في الصين وعرضت الامر علي الدكتور غالي فوافق علي الفور وكانت مقدمة أعتز بها وأرسلتها له قبل أن أرسلها لدار النشر فوافق عليها دون أن يغير كلمة واحدة رغم أنني كنت أنتقد بعض مواقفه فيها.
الشخصية الرابعة لم تحضر شخصيا للصين ولكن فكره حضر نيابة عنه وهو الشاعر الكبير فاروق جويدة وقد حضرت للسفارة إستاذة صينية وابلغتني أنها
أعدت رسالة دكتوراه حول شعر فاروق جويدة وطلبت أن أحضر المناقشة بصفتي سفيرا لمصر فرحبت بذلك أيما ترحيب وأعطي حضوري طابعا خاصا للمناقشة فليس هناك كثير من السفراء يحضرون مناقشات أكاديمية في الجامعات. وشاء الله أن أكتب مقالات نشرت في الاهرام عام 1999 وعام 2000 عن هؤلاء الاشخاص الاربعة ثم جمعتها وأعدت نشرها في كتابي الذي حررته بعنوان "الصين بعيون مصرية" ونشر في سلسلة إقرأ بدار المعارف عام 2002 وتضمن الكتاب مقالات لمفكرين مصريين مثل محمد سيد أحمد وانور عبد الملك ورجب البنا وشوقي جلال وسفراء أعضاء في المجلس المصري للشئون الخارجية ومنهم محمد شاكر وعبد الرؤؤف الريدي وسيد شلبي .وتم ترجمة هذا الكتاب للغة الصينية من جامعة شنغهاي للدراست الاجنبية عام 2006.
لقد كانت تجربتي في الصين تجربة غنية مثل تاريخ مصروالصين وحضارتهما . بالطبع زار الصين في فترة عملي بها كثيرون مثل الرئيس الاسبق مبارك و الاستاذ ابراهيم نافع رئيس تحرير الاهرام ونخبة من مركز الدراسات الاستراتيجية بالاهرام ومن الصحفيين و الدبلوماسيين والاكاديميين والوزراء ورجال الاعمال. ولكن العمالقة الاربعة تفوقوا علي غيرهم من كبار المسؤلين أو الوزراء أو رجال الأعلام والأعمال أو الدبلوماسيين . ومن هنا حرصت علي تسجيل ملاحظاتي في مقالات منشورة بالاهرام في حينه . ولقد انتقل الي رحمة الله سبحانه وتعالي ثلاثة من هؤلاء العمالقة . وإنني ادعو الله أن يمد في عمر الرابع ونستمتع وشعب مصر بكتاباته الشعرية وبعموده اليومي ومقاله الاسبوعي الذي يعبر عن الشجاعة الادبية والنقد البناء النابع من حب مصر .
ولعلي أشير إلي عنوان مقالي عن بطرس غالي وهو " مصر والصين و بطرس غالي" وعنوان مقالي عن زويل وهو " أحمد زويل بين مصر والصين وأمريكا ". وطبعا العنوان له دلالات واضحة ورسالة ينقلها لمصر الحبيبة وشعبها أن ابناءها هم أكبر ثروة وأكبر قوة ضاربة فهم القوة الناعمة والذخيرة المتجددة وإن عبقرية الشعب المصري مستمرة ومصر كما يقال ولادة .ومن هنا أتوجه للرئيس عبد الفتاح السيسي أن يواصل إنفتاحه علي شعب مصر وعلمائها ومفكريها وخبرائها فهم القوة الرادعة لمن تسول له نفسه لان العلم يبني للحاضر والمستقبل وحقا قال الشاعر : العلم يرفع بيوتا لا عماد لها " وها نحن نفتخر حتي الآن بحضارة مصر القديمة وعبقرية شعبها . إننا نفخر بالملك ميناء موحد القطرين وببناة الاهرام
وكاموس واحمس محررا مصر من الهكسوس والرعامسة وخاصة رمسيس الثاني القائد العظيم وحور محب وغيرهم ، وها هو اختاتون أول داعية للتوحيد .
وحقا القول المأثور اتخذوا من مصر جنودا فهم خير أجناد الارض وهذا القول يعني الجنود بالمعني الواسع فكل مصري يكرس جهده وفكره وطاقته وعمله لبناء مصر وحضارتها فهو جندي في ميدان معركته العلمية او القتالية.
نحن جميعا جنودا لمصر بالعلم والايمان والبناء والفكر والارادة وها هو شعب مصر المعطاء باستمرار. وتحيا مصر حرة مستقلة وآمنة مستقرة. وفي الانجيل "مبارك شعب مصر" وفي القرآن" ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". وتحيا مصر.