القاهرة 14 اغسطس 2016 الساعة 02:37 م
كتبت:كريمة الدهان
رشيد، مدينة مصرية تُلقب باسم بلد المليون نخلة، تقع فى أقصى شمال مصر، وتقع على رأس فرع رشيد أحد فرعى نهر النيل والذى سُمى باسمها، إلا أن شهرتها الحقيقية جاءت مع الحملة الفرنسية التى اجتاحت مصر فى عام 1798 واستمرت بها حتى عام 1801.
ونجحت سيدة من أهل البلدة فى لفت الأنظار اليها، بعد زواجها من قائد الحملة مينو، الذى أسلم من أجل عيونها، هى زبيدة بنت محمد البواب، التى ما زال منزلها شاهدا على قصة حياتها وزواجها ومماتها ايضا.
وكتب الجنرال الفرنسى مينو، القائد الثالث للحملة الفرنسية على مصر، فى رسالة إلى أحد جنرالات الحملة، ردا على سؤاله حول زواجه من زبيدة ابنة السيد محمد البواب أحد أعيان رشيد، قال فيها:
"زوجتى طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصرى المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهى لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت، وأنا لم ألح عليها بعد فى الخروج سافرة على الرجال، فهذا سيأتى شيئا فشيئا، ولن أنتفع بما أباحه النبى من الزواج بأربع نساء خلاف السرارى، فإن فى النساء المسلمات شهوة حارة عنيفة، وفى زوجة واحدة أكثر من الكفاية".
وقال عبدالرحمن الرافعى فى كتابه "تاريخ الحركة القومية، تطور نظام الحكم فى مصر" إن مينو لم يقصد زبيدة بالذات، وإنما كانت لديه الرغبة فى مصاهرة عائلة تتصل بالسلالة النبوية.
وفى رشيد، يوجد نحو 20 منزلاً أثريا يعود تاريخها الى القرن الثامن عشر، وتتميز جميعها بتمازج الإبداع المعمارى المملوكى.
ويعد منزل الميزونى الذى شيده محمد عبد الرحمن البواب الميزونى، واحدا من أهم تلك المنازل، حيث يتكون من أربعة طوابق، وتتميز الواجهة بوجود بلاطات من القيشانى ولوح رخامى مثبت عليه تاريخ الإنشاء.
وقد كانت زبيدة واحدة من أجمل فتيات رشيد، وكان قد سبق لها الزواج وهى فى الثامنة عشرة من عمرها، فى حفل كبير من سليم أغا نعمة الله أحد أثرياء المماليك، إلا أن هذه الزيجة لم تستمر، حيث وقع الطلاق بعد عام واحد فقط.
وفيما كانت تفكر فى مصيرها بعد الطلاق، كان الجنرال مينو مبعوث نابليون بونابرت يتسلم مفتاح مدينة رشيد من كبار أعيانها فى يوليو من عام 1798.
كان مينو المثقل بالديون التى تركها فى باريس يحلم بتكوين مجد شخصى له فى رشيد يكمل به حلم الإمبراطورية الفرنسية التى يحلم بها نابليون رفيق دربه، فحرص على احترام الإسلام والاحتفال مع المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم حتى فى صوم رمضان.
ورغم ما كان لديه من جوارى من جنسيات مختلفة، إلا أن نفسه تاقت إلى زوجة شرقية تؤنس وحدته، ولكنه كان يعلم أن أحداً لن يزوجه ابنته من دون اعتناقه للإسلام، فأشهر إسلامه وسمى نفسه عبد الله.
سأل مينو عن أجمل نساء رشيد فأخبروه عن ابنة الشيخ الجارم إمام مسجد المحلى، وزبيدة ابنة محمد البواب تاجر الأرز المعروف، وعلم الشيخ الجارم بنوايا مينو، فأسرع بتزويج ابنته من أحد تلاميذه، الذين يأخذون عنه علم الحديث. فلم يبق أمام مينو إلا زبيدة تصغره بنحو 30 عاما.
وقد حكى التاريخ الكثير عن افتتان مينو بزوجته شرقية الملامح حتى إن إجازة زواجه منها امتدت لأكثر من شهرين.
وبعدما قرر بونابرت العودة إلى فرنسا اتجه مينو إلى العريش للقاء قائده وتلقى الأوامر منه بشأن بقاء الحملة فى مصر، وتعيين الجنرال جين كليبر قائدا عاما على مصر فى أغسطس 1799.
كان خروج نابليون إيذاناً بانقسام الحملة الفرنسية الى معسكرين، أولهما: بقيادة الجنرال كليبر، وكان يؤمن بعدم جدوى البقاء فى مصر، مفضلاً الانسحاب المشرف من مصر.
والثانى بقيادة مينو، الذى رأى ضرورة توطيد الوجود الفرنسى على أرض مصر واستمرار الوجود الفرنسى فيها.
واستمر الخلاف بين الجنرالين حتى مقتل كليبر على يد سليمان الحلبى فى 14 يونيو من عام 1800.
وبعدها تولى مينو قيادة الحملة الفرنسية فى القاهرة، تاركا زبيدة فى منزل الميزوني، وهى حامل بطفلهما الأول، والذى وضعته فى 27 نوفمبر من عام 1800 وتم تسميته سليمان مراد جاك.
واعتقد مينو أن الأمور قد استقرت له فى مصر، إلا أن تحالف الإنجليز والأتراك لم يسمح له بذلك، حيث تم الاتفاق بينهما على طرد الفرنسيين من مصر، وبدأ ذلك حينما هاجم الأسطول الإنجليزى الإسكندرية عام 1801، فخرج مينو إلى الإسكندرية لمواجهة الإنجليز، ولكنه فشل فى تحقيق أى انتصار عليهم، وليتواصل زحفهم حتى رشيد، فكان قرار زبيدة هو الهروب مع رضيعها خارج المدينة، ولتتنقل من مكان الى آخر حتى وصلت القاهرة حيث استضافها الضابط الفرنسى ألفران أحد أعوان زوجها مينو، الذى أقنعها بالرحيل هى وطفلها إلى فرنسا مع القوات المنسحبة فى التاسع من أغسطس عام 1801، ثم لحق بها مينو، وظلت فى عصمته، لكنه تنكر لها وهجرها فى تورينو بإيطاليا، وأبدل بها بعض الراقصات واتخذهن صديقاته، وتركها تعانى غصة العيش والهجر إلى أن توفيت بها.
وقال بعض المؤرخين الفرنسيين إن زبيدة ماتت فى فرنسا ولم تعد إلى مصر.
وقال الدكتور أحمد حسين الصاوى أستاذ الصحافة فى الجامعة الأمريكية: "إن زبيدة سافرت إلى فرنسا مع ابنها سليمان مراد وهناك أهمل مينو أمرها، ومات طفلها ثم عادت إلى مصر بعد أن عانت كثيرا من المتاعب"!
موقع مبتدا