القاهرة 02 اغسطس 2016 الساعة 10:54 ص
ليس مهما أن نعرف عشق "هيلاري ديان رودهام كلينتون" للطعام الحار كثير التوابل، أو أن هناك دائمًا في حقيبة سفرها علبة من صلصة التاباسكو الحارة جدًا ومسحوق فلفل أحمر حار (كما يردد المقربون، من فريق السكرتارية الخاصة ) .. وليس مهما أيضا أن نعرف أن "هيلاري" 67 عاما، تحب أن ترتدي الألوان الثلاثة "الأبيض والأزرق والأحمر" وبمقدار ما تقول به ابنتها الوحيدة " تشيلسى كلينتون" .. صحيح .. ليس مهما ، ما سبق، رغم أنه لا
يمكن تجاهله في رسم صورة هيلاري كلينتون التي لم تفصح عن أي استراتيجية محددة للسياسة الأميركية المقبلة.
وربما كان المهم .. أن نكرر القول بأن مستقبل الإدارة الأمريكية بات بين يدي رجل أعمال "ترامب" وصورته أقرب إلى "البلياتشو" السياسي ، العصبي المتهور .. أو بيد أمراة تعشق الأضواء والسطة، وهي لا تزال في الثالثة عشر من عمرها مع بداية مشاركتها في الحملة الانتخابية للجمهوريين عام 1960، ثم تركت الجمهوريين وشاركت في الدعاية للمرشح الرئاسي الديمقراطي “جور ماكجوفيرن” عام 1971، وحتى زمن ابتلاعها خيانة زوجها الرئيس كلينتون، والدفاع عنه ، في أعقاب فضيحة مونيكا لوينسكي "الجنسية" عام 1998، خشية عزله، وبالتالي فقدانها منزلة "السيدة الأولى " بعيدا عن الأضواء ، وقد تعرضت هيلاري لضغوط اجتماعية ونفسية كبيرة ، ولكنها أظهرت قدرة على التحمل وبدت أسرتها متماسكة مما جعل بعض وسائل الإعلام تتهمها بـ"البرودة". . بصرف النظر عن عشقها للتوابل الحارة !!
"هيلاري كلينتون" ترى أن ترشيح الحزب الديمقراطي لها : " أحدث شرخاً لا سابق له في السقف الزجاجي" .. وهي تعني ترشيح أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة، وفي لحظة محورية للحركة النسوية الأميركية بعد 97 سنة من نيل المرأة حق التصويت .. و«كسرت» كلينتون، السقفَ المتوقع للفوز بالترشيح، ومعه احتكار الرجال، للوصول إلى هذه المرحلة من السباق في تاريخ الولايات المتحدة، وهذه الايجابية سُجّلت للحزب الديمقراطي، رغم وصف أحد القياديين بالحزب، تصويتَ المؤتمر العام لصالح كلينتون بأنه كمثل من يأمرك بأن «تغلق انفك، وتصوّت لهذه المرشحة» !!
وأولى محاولات " كسر السقف الزجاجي" للمطالبة بحق التصويت للمرأة الأمريكية، اصطدمت بمفهوم أن التصويت أمر "غير أنثوي" لأنه يجبر النساء على الدخول في مجال السياسة النشط والذي يكون أحياناً شائكاً.. والطريف ـ حقا ـ أن المعارضين لتصويت النساء، كانوا قلقين من أن هذا سيغير أدوار الجنسين في المنزل، وسيؤثر على الأدوار التقليدية للنساء كأمهات !! وحتى نجحت المرأة في 18 أغسطس / آب عام 1920في الحصول على حق التصويت، وبعد أكثر من مائة عام من النضال خاضته حركة حق التصويت للمرأة بزعامة سوزان انتوني، وإليزابيث سانتون، في منتصف الثمانينيات من القرن التاسع عشر ..
وفي حقيقة الأمر .. فإن أول شرخ حقيقي للسقف الزجاجي، لم يبدأ مع "هيلاري كلينتون" ولكنه بدأ في العام 1940، حين ترشحت "جريسي ألان" كأول أمرأة لمنصب الرئيس، في مواجهة فرانكلين روزفلت، لكنها خسرت الانتخابات، ثم تلتها، مارغريت رايت، وإيفلين ريد، وغيرهن، ممن ترشحن عن أحزاب صغيرة لا تحظى بشعبية.. ثم برزت هيلاري كلينتون لتكون أول امرأة تترشح عن حزب كبير مثل الحزب الديمقراطي، مكللة جهود سابقاتها من النساء الأمريكيات المناضلات بالنجاح، وإن كان بعد مضي قرنين من الزمان.
والشاهد .. أن الأمريكيين، استهلكوا وقتا طويلا،حتى يعتادوا على فكرة تولي امرأة منصب الرئاسة، على الأقل منذ عام 2008، عندما رشحت كلينتون نفسها أمام باراك أوباما من أجل الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لها، وعندما تقدمت أخيرا باستقالتها، كان عدد الأصوات الأولية لصالحها يقارب 18 مليون صوت، أطلقت هي عليهم «18 مليون تصدع» في «السقف الزجاجي الأعلى والأقوى».
و"كلينتون" أحدثت شرخا في "السقف الزجاجي" بمقدار كونها المرشحة الأولى التي تحظى بتأييد الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، إلا أنها بكل تأكيد ليست السيدة الأولى التي تترشح للرئاسة .. فقد ترشحت ــ مثلا ــ "فيكتوريا وودهل" للرئاسة الأمريكية، في عام 1872 عن حزب "الحقوق المتساوية"، وقبل 50 عامًا تقريبًا من حصول المرأة على حق التصويت في الانتخابات الأمريكية.. وفي عام 1888م ترشحت "بيليفا لوك هود" عن نفس الحزب أيضا، وحصلت على 4100 صوتًا، في وقتٍ لم تستطع فيه معظم السيدات الإدلاء بأصواتهن .. وفي عام 1940 ترشحت "جرسيا الآن" للرئاسة وعمرها تقريبًا 31 عام، وبدأت مثل المرشح الحالي "دونالد ترامب"، بداية كوميدية، معتمدة على برنامج "ساخر" لجذب المواطنين، وحصدت 42 ألف صوت .. وفي عام 1968 دخلت سباق المنافسة على رئسة البيت البيض "كارلين ميشيل" وهي أول سيدة من أصل إفريقي تترشح للانتخابات الأمريكية؛ وحصلت على ما يقرب من 1000 صوتًا فقط.
وهكذا .. قائمة طويلة ، ضمت ليندا جينس 1972 ، و مارجريت رايت 1976 وإلين ماكروماك 1980 وسونيا جونسون 1984 وكانت مرشحة عن حزب المواطن الأمريكي، ولينورا فلوني، 1988 عن حزب التحالف الجديد ، وسينشيا ماكيني 2008 وحصلت على 161 ألف صوت ، وجيل ستاين 2012 وتعتبر أكثر السيدات حصولًا على الأصوات في الانتخابات الأمريكية، حيث حصلت على تأييد نحو 500 ألف مواطن أمريكي.
ويبقى الشرخ الحقيقي في "السقف الزجاجي" مع فوز "هيلاري كلينتون" برئاسة البيت الأبيض، رغم تحذير الرئيس أوباما، بأن فوز "ترامب" محتمل ويجب خوض الانتخابات من هذا المنطلق و"أن نكون خائفين" .. ويبدو أن الرئيس الأمريكي، يخشى تجربة سابقة ، حين جاء "جيمي كارتر" إلى الرئاسة "هاويا" وفي لحظة كان الشعب الأمريكي فيها قد ضاق صدره بالمحترفين ( الرئيس جونسون وما فعله في فيتنام، والرئيس نيكسون وما تورط فيه بفضيحة " ووتر غيت" ) كان الشعب الأمريكي يدرك تماما أن "كارتر" لا تسنده سابق تجربة، ولكن ربما يستطيع أن يتعلم من منصبه .. وبالطبع لم يحدث، وكان واحدا من أضعف الرؤوساء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية .
وعموما .. يبقى مصير "السقف الزجاجي" معلقا .. حتى يوم الثلاثاء 8 نوفمبر / تشرين الثاني المقبل ، حيث تكون كلمة الحسم الأخيرة للمجمع الانتخابي.