القاهرة 31 يوليو 2016 الساعة 11:19 ص
أصبح من غير المستساغ في عصر المعلومات المتاحة،والسماوات المفتوحة،أن تُطلق الأحكام القاطعة،وتُطرح وجهات النظر النزقة،التي تعكس نوعاً من
الافتقار إلى المعرفة الحقة بأبعاد الموضوع المُثار على الساحة؛ففي ظل الطفرة التكنولوحية الهائلة، لم تعد ثمة صعوبة في العودة إلى قاعدة المعلومات المتاحة،سهلة التداول،وقريبة التناول،ولن يكون من المقبول إسقاط بعض الحقائق الثابتة بحجة الجهل بها !
سطور فرضت نفسها بعد الصدمة التي تملكتني،عقب الهجوم الذي طال مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي،قبل انطلاق دورته التاسعة،تحت ذريعة أنه «مهرجان للفيلم العربي لا يضم فيلماً مصرياً واحداً»،ومبعث الصدمة أن الهجوم انطلق من معلومة مغلوطة،بل مغالطة صارخة؛فالحقيقة التي سيعرفها أي شخص بذل بعض الجهد في التحصيل،وخصص جزءاً من الوقت لتصفح الموقع الإلكتروني للدورة التاسعة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي (22 – 27 يوليو 2016)،أن المهرجان لم يُسقط السينما المصرية من حساباته،وإنما وضعها في دائرة اهتماماته؛بدليل اختيار ثلاثة أفلام مصرية للتنافس في المسابقات الرسمية الثلاثة هي : «حار جاف صيفاً» إخراج شريف البنداري (شارك في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة)،«أبداً لم نكن أطفالاً» إخراج محمود سليمان (شارك في مسابقة الأفلام الوثائقية) و«نوارة» إخراج هالة خليل (شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة)،ولم يقف الأمر عند هذا الحد،وإنما بلغت الحفاوة منتهاها،باختيار النجم المصري فاروق الفيشاوي ليكون ضيف شرف الطبعة التاسعة من المهرجان،ونوهت محافظة المهرجان إلى أن الاختيار«يأتي نظير أدواره المميزة في عديد الأعمال السينمائية،وكذا مواقفه الحكيمة خلال الأزمة الكروية بين الجزائر ومصر»،كما انضمت النجمة صفية العمري إلى قائمة ضيوف الشرف،وكانت قد شاركت من قبل في تظاهرة «أيام الفيلم العربي المتوج»،التي أقيمت في إطار الاحتفالات باختيار «قُسنطينة عاصمة للثقافة العربية عام 2015» .
في سياق تكريم السينما المصرية أيضاً جرى اختيار الممثل الشاب آسر ياسين لينضم إلى عضوية لجنة تحكيم الأفلام الطويلة،التي يترأسها المخرج السوري الكبير محمد ملص،وعبر«ياسين» عن امتنانه للاختيار؛عبر تسجيل مصور،أعرب من خلاله عن سعادته بالمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي،وفرحته بأول زيارة يقوم بها للجزائر، كونها تتيح له الفرصة للتعرف على شعبها،كما قامت محافظة المهرجان ببرمجة وقفة تكريمية لفيلم «عودة الابن الضال» للمخرج الكبير يوسف شاهين بمناسبة مرور 40 عاماً على إنتاج الفيلم،الذي وصفته بأنه «حكاية حب بين مصر والجزائر»؛حيث يُعد إنجازاً سينمائياً مشتركاً بين البلدين،وشهد مشاركة النجم الجزائري الكبير سيد علي كويرات في البطولة مع اللبنانية ماجدة الرومي والنجوم المصرينن : هدى سلطان،شكري سرحان،محمود المليجي،هشام سليم وأحمد محرز .
بالأرقام شهد «مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي» في دورته التاسعة تواجد ما يقرب من 13 دولة عربية؛من بينها : مصر،سوريا،العراق،فلسطين،المغرب وتونس بالإضافة إلى الدولة المضيفة الجزائر،كما شارك 34 فيلما في المسابقة الرسمية؛ من بينها 12 فيلما روائيا طويلا،12 فيلما روائيا قصيرا و 10 أفلام وثائقية،وعندما تتواجد السينما المصرية،بثلاثة أفلام،في المسابقات الرسمية الثلاثة،فضلاً عن ضيوف الشرف،ويتم تمثيلها في عضوية لجنة التحكيم،وتخليدها من خلال «الابن الضال»،فأي تجاهل ذلك الذي جري الحديث عنه،وُروج من خلاله أن «مهرجان للفيلم العربي لا يضم فيلماً مصرياً واحداً» ؟ وما المطلوب من مهرجان عربي لم يقصر،مطلقاً،في منح السينما المصرية العريقة ما تستحقه من تقدير وتوقير واحترام لها ولرموزها ؟
يفسر علماء النفس والاجتماع «الشوفينية» بأنها «المبالغة في الوطنية المصحوبة بكراهية شديدة للدول الأخرى،وبشكل يعكس غياب رصانة العقل والاستحكام في التحزب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها؛وأسوأها ما يقترن بالحط من شأن جماعات نظيرة،والتحامل عليها،بما يجعلها نوعاً من التعصب الأعمى». وفي رأيي أن الهجوم على مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي لا يخلو من مثل هذه «الشوفينية»؛فهناك وطنية مفرطة،وتزمت لا يخلو من عنجهية،وغيرة ليس لها ما يبررها،لأن إعلاء شأن السينما المصرية لا ينبغي أن يأتي على حساب الفعاليات العربية،أو يُسهم في زرع بذور الفرقة،وتأجيج مشاعر التعصب،وإلا صدق علماء النفس السياسي عندما أكدوا أن «الشوفينية» هي «نوع من التكتيك الدفاعي يلجأ إليه الفرد غير المؤهل نفسيا لأن يقيم علاقات سوية متكافئة مع الآخرين» وعرفوا «الشوفينيي» بأنه «من يخشى تهديدا آنيا لمصالحه، فيكون صراع المصالح هو السبب المباشر في إيقاظ مشاعر الكراهية بين المواطنين» !