القاهرة 05 يونيو 2016 الساعة 01:24 م
في وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى لم الشمل،ونبذ الفرقة،ورأب الصدع، يفاجئنا رامز جلال في فيلم «كنغر حبنا»،،الذي كتبه لؤي السيد وأخرجه أحمد البدري،بتعمده الإساءة،ومن دون مناسبة،إلى بدو مصر،واتهام شيخهم بالبلطجة،والاتجار في السلاح،والخطف بهدف الابتزاز،وطلب فدية مقابل الإفراج عن الرهائن !
المثير للدهشة أن «رامز» فعلها من قبل في فيلمه السابق «مراتي وزوجتي»،الذي كتبه أيضاً لؤي السيد،عندما تعمد،في عنصرية بغيضة،الإساءة إلى شعوب القارة السمراء،واختار الحديث عن دولة أفريقية يحتاج من يسافر إليها إلى التطعيم باثني عشرة حقنة،ويقع مطارها في صحراء جرداء يفتقر إلى الإمكانات ما يضطر الركاب إلى قضاء حاجاتهم في العراء،بينما لا تفرق طائراتها بين الماعز والدواجن والبشر،أما المواطن هناك فهو ذو رائحة نتنة،يُصدر كل الأصوات القبيحة من مؤخرته !
في فيلم «كنغر حبنا» يتورط الثلاثي (جلال/ السيد/ البدري) في تأجيج الفتنة من جديد بأن افتعلوا خطاً درامياً خارج سياق الأحداث يتعرض فيه البطل «خالد» (رامز جلال) وحبيبته «رانيا» (سارة سلامة) إلى الاختطاف،بواسطة جماعة من البدو،يتاجرون بالسلاح والبشر،بعد طلب فدية مقابل الإفراج عنهم،وعندما يطمعون في الحيوانين يُدخل البطل في روعهم أن «الكنغر» نتاج مضاجعة بين الكلب والغزال !
يبدأ «كنغر حبنا» بموسيقى صاخبة،ومزعجة (عمرو إسماعيل)،وحارة تنطق بالزيف (ديكور إسلام يوسف)،وتلفيق درامي صارخ يُداهم فيه «توك توك» غرفة نوم «خالد»،الذي نعرف أنه يعمل في شركة شحن،ويعيش مع أمه (أنعام سالوسة) التي يُخيل إليك أنها جدته للفارق الشاسع في العمر بينهما،وترغب في تزويجه «زواج صالونات»،وكما فعل رامز جلال في بداياته يتحول «إدوارد» إلى صديق البطل،الذي يتولى تأمين قصر يملكه أمير خليجي (داود حسين) في القاهرة،في حين يضطر «خالد» إلى تنفيذ تعليمات «نيازي» (حسن حسني) مدير الشركة باستلام شحنة من قرية البضائع بالمطار،وتوصيلها إلى «فلوبتير» (لطفي لبيب) الذي يملك جاليري للقطع الفنية،غير أن بطلنا يفاجأ أن الشحنة عبارة عن «كنغرين» صغيرين ذهبا بالخطأ إلى «فلوباتير»،الذي كان ينتظر تمثالين قامت الشركة بتوصيلهما إلى «شوقي الضبع» (بيومي فؤاد) الذي أبرم صفقة شيطانية لتوريد الحيوانين إلى السيرك !
مفارقة مثيرة كان بالإمكان أن تقودنا إلى مواقف كوميدية صارخة لولا الافتعال،والتلفيق،ولي ذراع الدراما بشكل لا يحتمل؛ فالعيد على الأبواب وقرية البضائع ترفض استعادة الحيوانين،وكذلك حديقة الحيوان التي لا ترحب باستضافتهما،ما يضطر «خالد» إلى العودة بهما إلى منزله بكل ما يعنيه هذا من فوضى عمت الحارة ثم انتقلت إلى البيت؛حيث الأم التي تعاني ضعفاً في نظرها يصور لها أن «الكنغر» خروف العيد،ومن دون مبرر يأخذ «خالد» الحيوانين إلى قصر الأمير،الذي يصل فجأة مع ابنه «زبيب» الذي لا يبتسم منذ وفاة أمه،وتتكرر المواقف السذاجة التي لا تُضحك أحداً سوى «رامز جلال» وصحبته !
تتساءل عن مدير الشركة ؟ وكيف تمضي الأحداث بعد أن وصلت إلى نقطة الذروة ولم يعد هناك جديد ؟
الإجابة عند المؤلف،والمخرج أحمد البدري،الذي اشتهر بإخراج أفلام المقاولات،حيث المزيد من الصنعة والارتباك والتلفيق والشخصيات الزائدة،التي أطلقوا عليها «ضيوف الشرف»؛فالمدير«نيازي» سافر مع زوجته «تهاني» (هياتم) وحفيديه للاستجمام،وهناك يسقط هاتفه في البحر،ومن ثم يعجز «خالد» عن الاتصال به،بينما يحتدم الصراع بين «الضبع» و«فلوباتير» لاستعادة الصفقتين،وعلى غير توقع نكتشف أن «الضبع»،الذي لا يتورع عن تهديد أعدائه بضبع أسماه «ربيع»،ينكل بالحيوانات،ويُلقي بها في التهلكة؛حيث التعذيب والتجويع بواسطة القيمون على السيرك،وهي الحقيقة التي تكشف عنها «رانيا» (سارة سلامة) طبيبة الحجر الصحي،وعضو جمعية الرفق بالحيوان،التي تؤكد انتماء «الكنغرين» إلى سلالة نادرة،وأنهما سُرقا من محمية طبيعية في استراليا،وتقع في غرام «خالد»،الذي تكتشف أنه ملحن،ويمتلك في غرفته أورج وجيتار،بالإضافة إلى أنه خريج كلية التربية الموسيقية لكن البطالة اضطرته للعمل في شركة شحن،وتنجح في إقناعه بضرورة إنقاذ الحيوانين من براثن «الضبع» !
وفي تأكيد جديد على «الفبركة» يتدخل الأمير الخليجي،فجأة،لإنقاذ «خالد» من السجن بعد اتهامه بتبديد العهدة،ومبرر الأمير في هذا أن «الكنغر» أعاد الضحكة إلى وجه ابنه،ولوجه الله والإنسانية يوافق،بحضور ضابط الشرطة (ياسر الطوبجي) الذي يبارك الاتفاق العجيب،على سداد مائة ألف جنيه للشرير «الضبع» نظير تحرير الحيوانين،وإعادتهما لموطنهما،وكأن الفيلم يكافئ الشرير وكل «ضبع» ارتكب جريمة،ويُقنن البلطجة والسرقة والنصب !
«كنغر حبنا» أنموذج للأفلام التي لا تدري لم صنعت وكيف وما الأسباب التي تدعو منتج لتمويلها ؟ فالفكرة تُقدم في نصف ساعة على أكثر تقدير،والاستعانة بموسيقى الفك المفترس يعكس فقراً وضحالة من جانب المخرج بينما استمرار الموسيقى التصويرية من دون توقف أو فرصة لالتقاط الأنفاس عجز وإفلاس،والأداء التمثيلي في أسوأ حالاته،بسبب ضعف المخرج، وهزال إمكاناته،ولأن رامز جلال لم يعد لديه جديد،وانفعالاته كعادة كل أعماله،يغلب عليها التشنج والعصبية،ومخارج ألفاظه ضاعت أو كادت،وضيوف الشرف كُثر من دون الحاجة إليهم أو القدرة على استغلالهم،ولولا المشاهد التي صورت في ما أصطلح على تسميته Magic Hours،وأداء معتز التوني،الذي قام بدور الطبيب،الذي يخالف مقتضيات المهنة،بتلقائية لم تعد غريبة عليه،لكنا أمام «كارثة» بمعنى الكلمة؛خصوصاً إذا علمنا أن بعض الأفلام تتعرض للنفي والإقصاء بعيداً عن صالات العرض التجارية،لأنها تمثل معادلة إنتاجية وفنية مختلفة،في حين تتربع نوعية من الأفلام؛التي على شاكلة «كنغر حبنا»،على قلوبنا وصدورنا وقاعاتهم،رغم سطحيتها وركاكتها وسذاجتها،وانتفاء علاقتها بالحبكة والحرفة،لمجرد أنها تتمتع بحماية وهيمنة الطغمة التي تتحكم في مقدرات صناعة السينما المصرية،من منتجين وموزعين وأصحاب دور عرض،بكل ما يعنيه هذا من سطوة واحتكار .. وفساد !