القاهرة 26 مايو 2016 الساعة 05:26 م
بقلم : د. رامي ناصر
داخل فنجان القهوة الناشف تظهر تكتلات البن الجاف على عدة أشكال ، يراها البعض عادية والبعض الآخر يحلو له أن يفسرها للآخرين ، فإذا بهم يصدقون التوقعات والإفتراضات، ليبنوا تصرفاتهم ومواقفهم على أساسها . إنه التبصير الذي يعتمد على طرفين : قارئة الفنجان الخبيرة في طرح التأويلات وترجمة خطوط القهوة المتشكلة في الفنحان ، والشخص الذي يسعى إلى معرفة مستقبله بلهفة الباحث عن المواقف الإيجابية
إن مرحلة قراءة الفنجان تبدأ بطريقة صنع القهوة ، ثم كيفية تركيز الأفكار عند شربها (تحديد الأفكار وحصرها بالأمور التي نرغب بالإطلاع عليها ، لذلك يجب التنفس بهدوء ، فالتنفس هو عنصر ضروري) ، وطريقة طب الفنجان ، مروراً بتحديد الأشكال والمعالم المكونة فيه.
تصنع القهوة خصيصاً للشخص الذي ننوي التبصير له.
عدم إضافة سكر أو أية مواد أخرى للقهوة.
غلي القهوة لمدة دقيقتين.
توجيه الفنجان لجهة اليسار أثناء طبه.
عدم صب القهوة في الفنجان المراد التبصير فيه إلا مرة واحدة فقط.
بعد طب الفنجان الإنتظار أربع دقائق قبل تحريكه.
يجب التنفس بهدوء ، فالتنفس هو عنصر ضروري لظهور الرموز والصور في الفنجان ، فارتباط تفاعلات الإنسان مع محيطه ، تنتقل من خلال ملامسة الفنجان وعبر الشهيق والزفيرأثناء شرب القهوة ، وهو الموجه الأساسي لتكوين الأشكال والصور فيه.
وما يهمنا في مقالتنا هذه الأشكال الحيوانية وتفسيراتها المختلفة وتحليل التفسيرات ومقارنتها مع خصائص كل حيوان ومدى تأثيراتها في المجتمع المدروس.
إن حلقة الفنجان هي نقطة الإنطلاق لقراءته ، بحيث توجه الحلقة إلى جهة اليسار ويُقرأ الفنجان من الشمال إلى اليمين ثم يقرأ قعره.
إن إيجابية الأفكار ضرورية ، فالقراءة تعتمد على الحدس المرتبط كل الإرتباط على حل الرموز المتشكلة في الفنجان.
هناك عدة إعتبارات تتداخل لتحدّد عملية قراءة الفنجان (تؤخذ بعين الإعتبار عند القراءة( :
لون الفنجان:
الفاتح:يعني الايجابية والقلب النقي
اللون العادي:الحياة الهادئة.
الغامق اللون:يعني الحزن.
أقسام الفنجان ودلالاتها:
قعر الفنجان:يرمز الى المنزل او مكان العمل.
جانب الفنجان:يرمز الى المحيط الاجتماعي.
حلقة الفنجان:ترمز الى توقيت الاحداث.
خطوط الفنجان:
الخطوط الثعبانية:تعني الاحباط.
الخطوط العشبية:تعني الحيرة.
الخطوط المختلفة الملامح:تعني تنوع الحياة.
إن طريقة تحليل الرموز تبدأ بتصنيف لون الفنجان بعدها تحديد موقع الأشكال ثم بتعين الخطوط. إن تشخيص الفنجان أساساً ناتج عن عملية إندماج بين تفل القهوة وذرات الإنسان ينتج عنها أشكالاً ورموزاً وخطوطاً ما هي إلا رموز شارب الفنجان .
إن هناك شبه بين ميزات وجه الإنسان وخطوط وجه الحيوان ، وبما أنهما يتشابهان في غرائزهما ، فإن الجزء الكبير من قراءة الفنجان يركز على تشخيص أشكال الحيوان .
فالحيوانات ذوات الجباه العريضة كالأسد والنمر هي مفترسة ومن طبيعتها الهجوم و التعدي . نلاحظ أن الأشخاص ذوي الجباه العريضة في معظمهم هجوميين وأقوياء.
والحيوانات ذوات الجباه الضيقة كالخراف والحمير فإنها ضعيفة وجبانة ، تماماً كما هو حال الأشخاص ذوي الجباه الضيقة ، معظمهم منطوين على ذاتهم والخوف يتملكهم .
وهكذا في قراءة رموز الفنجان ، تشبّه صورة الحيوان بشخصية إنسان شبيهة له ، ويوصف تبعا لشخصيته ولغرائزه الحيوانية المعروفة.
إن قراءة الفنجان هي أمر وراثي ينتقل من إلى ، فالبنت كما يقال في مجتمعنا سر أمها ، تحمل ما تحمل وتقلد ما تراه من تصرفاتها ، تحفظ ما تسمعه فيأتي التطبيق جبلة من مكنونات ماضية وحقائق وتجارب آنية . فكما يقول المثل الشعبي (طب الجرة عَـ تمها بتطلع البنت لَـ إمها) . فالإبنة التي تساعد أمها في أعمال المنزل وأعمال الضيافة وتشاركها مجالس النسوة ، صفحة بيضاء يحط فيها ما يدور وما يجري في هذه الإجتماعات .
ومن خلال العلاقة الحميمة مع أمها و/أو جدتها ، مصاغة بأسلوب محيطها الاجتماعي ، يعطيها ويوجه جزءاً من إهتماماتها إلى قراءة الفنجان ، كعادة متوارثة من جيل إلى جيل . فمن دون نكهة قراءة الفنجان وتحليل رموزه لا تحلو الصبحية أو السهرية ، وقراءة الفنجان لا تكتمل إلا بالرموز الحيوانية ، فيطيب الحديث واللقاء حول تفسيرات الفنجان وتأويلات القارئة والكشف عن الأمور التي تثير إهتمام النسوة : كالأزواج ، صحة الزوج ووفائه ، والوضع المادي ، وغيرها من الأمور التي تهم النسوة . فيكون له الوقع المميز على المستمعات ، إذ ترتبط هذه الرموز الحيوانية بمخيلتهن بأمور شديدة الشبه لما يفكرن به ولما يظننه أو يتوقعنه من كل حيوان (فالكلب = صديق ، مثلاً ، والعقرب = عدو) .
ولا بد لقارئة (أو قارىء الفنجان – الذي بات ظاهرة شائعة في أيامنا –) القدرة على :
تشخيص الشكل أو التشبيه : فالشكل الذي تراه في الفنجان يحتاج إلى دقة لإستبيان مدى مقاربته لشكل الحيوان الحقيقي . ومن الملاحظ أن الحيوانات التي تختارها القارئة هي حيوانات مشهورة ومعروفة في البيئة والمحيط الذي تعيش فيه القارئة والمستمع صاحب الفنجان . وإن خصائص هذه الحيوانات موجودة في ثقافته ويملك حيالها المستمع قرباً إنفعالياً وجدانياً واحداً. إن هذا البعد الوجداني في الذاكرة الجماعية الشعبية ، قريب إلى درجة أن تفسير الرموز الحيوانية وما تدل و تشير إليه ، يبقى واحداً عندهم ، وذلك أن المسافة بين القارئة والمستمع من جهة ، وما يشير إليه الرمز الحيواني من جهة أخرى هي واحدة ، أي أن الرمز يولّد نفس الشعور وله ذات الوقع في نفوسهم .
تفكيك الرموز إلى كلام يتوافق وسياق الشرح العام ويراعى فيه نفسية وبيئة الفرد . وتجدر الإشارة إلى وجود توافق في المجتمع المحلي حول بعض الرموزوالأشكال الحيوانية المستخدمة وتفسيراتها . ففي البيئة نفسها أو المحيط تتبادل البصارات المعطيات الرمزية نفسها وذلك بما يتوافق وثقافة المكان . ولكننا نرى الإختلاف في دلالات بعض الرموز الأخرى ، كما الإختلاف في القراءة بين البصارات على إختلاف إنتمائهن البيئي ، وبالرغم من وجود بعض الرموز الحيوانية التي يجوز فيها الجنسين ، نلاحظ أن معظم الرموز الحيوانية أنثوية ، وكأن الأمر يرتبط بما تعيشه المرأة
بشكل عام ، أو كأنه يرتبط بالنظرة إلى المرأة (نظرة المجتمع إليها) وكيفية ربطها مع هذه الرموز الحيوانية الأنثوية . فالأمر يعود إلى مجرد رغبة نسوية بالسيطرة على هذا المجال ، ومن خلاله وبطريقة غير مباشرة ، محاولة لإسترجاع سيطرتها المفقودة في المجتمع . فالمسألة تختصر بوجود إمرأة في جلسة ثرثرة نسائية تقرأ فناجين صاحباتها . وقد أسرّت لي إحدى القارئات بأن فنجان القهوة العربي أفضل في عملية التبصير ، لأنه (حسبما قالت) “بيطلع حكي أكتر” ، وهذا له إرتباط بالأصول العربية وإعداد القهوة ومجالس النسوة.
إن شكل الفنجان العربي ، يسمح بالإكثار من المعطيات الرمزية والكلامية ، فشكله يسهّل مرور التفاعلات أثناء التنفس ، مما يؤدي إلى تشكل الرموز بدقة أكبر.
يتبين لنا من خلال هذه الدراسة ، أن هناك ذاكرة مشتركة فيما يختص بالرموز الحيوانية وتفسيراتها وفيما يلي نورد مجموعة من الحيوانات الممكن تشكلها في الفنجان وما تؤوّل إليه تفسيراتها .
الجمل: يعني خبر موت . اذا كان محمّلا ، يعني خبر موت من/أو عن قريب وكلما قلّت الحمولة بعدت القرابة. إذا كان الجمل مرفوع الرأس ، يعني أن صاحب الفنجان لن يتأثر بهذا الخبر.
الأسد: ويعني الإنتصار بشكل عام ، الأسد الرابض يعني الإنتصار المتحتم والأسد “الماشي” يعني أن صاحبه سيواجه مشكلة وعليه أن يجابه ليبلغ الإنتصار كاملا. أما إذا كان الأسد يفترس أحداً في قعر الفنجان ، فهذا يعني بأن صاحب الفنجان سيواجه هجوماً من صديق.
البقرة: تعني مرحلة أو توقيتاً زمنياً ، إذا كانت البقرة كبيرة فذلك يعني أن صاحب الفنجان سيمر بمرحلة ميسورة لفترة طويلة. أما اذا كانت البقرة هزيلة فهذا يعني أن صاحب الفنجان قادم على توقيت سيء.
الثعلب: يعني الإحتيال ، إذا ظهر في بقعة فاتحة اللون ، فهذا يعني محاولة إحتيال فاشلة على صاحب الفنجان. أما إذا ظهر في بقعة غامقة اللون فهذا يعني أن صاحب الفنجان سيخسر مالاً بسبب وقوعه في فخ من قبل شخص مقرب. أما اذا ظهر بالقرب من حلقة الفنجان أو حافته ، فهذا يعني النيل من الشخص الذي يحاول أن يخدع صاحب الفنجان.
الحصان: دليل العز ، إذا ظهر وكأن شخصاً يمتطيه فالعز يناله صاحب الفنجان. إذا ظهر في قعر الفنجان فإنه يعني النجاح في العمل أو المحيط العائلي. أما إذا ظهر محملاً فإنه يعني الحب السعيد.
الخروف/الكبش: يعني رزقة أو خبر جديد. إذا ظهر بالقرب من حافة الفنجان أو حلقته يعني ذلك رزقة غير متوقعة بتاتاً. أما إذا ظهر مقابل الحلقة ، فمعناه مولوداً جديداً ، وظهوره في قعر الفنجان يعني فرح داخل المنزل.
الديك: يعني إعلان خبر ، إذا ظهر مرفوع الرأس وكأنه يصيح في بقعة فاتحة اللون فذلك يعني خبراً جميلاً لصاحب الفنجان. أما ظهوره في بقعة غامقة اللون فإنه يعني خبراً حزيناً لصاحب الفنجان.
العقرب: يعني الدهاء ، إذا ظهر في بقعة فاتحة اللون فهذا يعني فشل محاولة شخص شديد الدهاء للإيقاع بصاحب الفنجان. أما ظهوره في بقعة غامقة اللون فيعني الوقوع في الفخ.
الكلب: عموما يعني صديق ، فإذا ظهر في بقعة غامقة اللون فإنه دليل ضيق أو مرض شخص مقرب من صاحب الفنجان. أما ظهوره في قعر الفنجان ، قد يعني ذلك قدوم عريس. وإذا ظهر في بقعة فاتحة اللون يعني خبراً جميلاً من صديق أو أن صاحب الفنجان محمي من صديق وفي.
الأفعى: تعني الخبث ، إذا ظهرت بالقرب من حافة الفنجان فإنها دليل الخبث والنميمة من شخص يتظاهر بحسن النية ومقرب من صاحب الفنجان. أما إذا ظهرت على جانب الفنجان وفي بقعة غامقة اللون ، تعني ذلك مكيدة تحاك من قبل شخص في محيط صاحب الفنجان لذا يجب عليه الحذر. أما ظهورها في بقعة فاتحة اللون ، فذلك يعني أن صاحب الفنجان لن يتأثر بالحقد المضمر له.
من الملاحظ أن إختلاف لون الحيوان أو لون ومكان البقعة الموجود فيها يؤدي إلى تغير معاني الرموز. إن وجود الحيوان في بيئة وثقافة المبصّرة والمستمع/ـعة ، هو المحدّد الأساسي لتواجده في الفنحان ، يعني أن أهمية الحيوان وتداوله في الذاكرة الشعبية للقارئة والمستمع ، هو المحدّد الأساسي لتواجد أو عدم تواجد الرمز الحيواني .
وينعكس تصنيف الحيوانات ، كحيوانات خيّرة أو شريرة ، أليفة مدجّنة أو برية ، ذات نفع للإنسان أم ذات ضرر ، على تفسيرات أشكالها وذلك كإرتباط قوي ومباشر مع بيئة وثقافة المجتمع المحلي . فالحشرات والزواحف مثلاً ، تفسيرها الضرر والسوء أو الشر المحدق لما تمثله من قرف ثقافي ، وبالعكس فالفراشة هي نموذج الرقة والطيبة والشفافية . أما الحيوانات المفترسة فهي نموذج للخطر والسوء الذي سيصيب صاحب الفنجان.
إن تفسير الرموز الحيوانية المتشكلة في الفنجان ، تحوي ما تحويه كنتاج التفاعل مع الحيوان. فالحيوان أو شكله يستمد معناه من الواقع المعاش المرتبط بالتجارب السابقة والآنية ، وما تضيفه شخصية القارئة وبراعتها في تركيب الكلام واللعب على نفسية المستمع. لذلك نادراً ما نجد رموزاً ترتبط معانيها بالأساطير أو بالبعد والإعتقاد الديني . لكن إذا صودف بعدان أو معنيان لرمز واحد ، فالبعد الديني لا يلعب دوراً كبيراً. فالحية/الأفعى مثلاً (الشقراء = حياة ، السوداء = عدو ، البيضاء = حياة حلوة) بخلاف الإعتقاد الديني (تجدّد الجلد = حياة/موت = إبليس). كما أننا لا نجد دينصوراً أو تنيناً (مثلاً) في الفنجان وذلك لعدم وجود هذين الحيوانين في ثقافة المستمع والقارئة .
وترتبط التفسيرات بشكل الحيوان ، فتؤحذ الصفة المعروفة عنه. فالثعلب = لص محتال . وتظهر أيضاً في التفسيرات ما خزنته الذاكرة من إعتقاد مسبق أو تجربة معيوشة مع الحيوان. وأحياناً تؤول تبعاً لشكله في الفنجان (فالحية المرقطة = تمثل قَطْعَ عدّة مطبات أو مراحل أو محن)
إن تبصير الفنجان بدأ كوسيلة لإمضاء الوقت في مجالس النسوة ، ثم إنتشر بإعتباره طريقة لكشف الطالع ومعرفة الأحداث المستقبلية. إنه (تخريف) في قالب محكم ، تخريف مقبول ومحبّب للنفوس ، تصيغه القارئة بعبارات “سلسة” تفتن السامع وتُحدِث فيه وقع الرضى والإستحسان ، وتروي نفسه القلقة لمعرفة المجهول والإطمئنان إلى المستقبل.
كاتب المقال : باحث أنثروبولوجي من لبنان
موقع أرنتروبوس