القاهرة 26 مايو 2016 الساعة 02:20 م
كشفت وثائق سرية أذاعها موقع "ويكيليكس" الشهير أول أمس - الثلاثاء - عن قائمة تضم 25 شخصية مصرية. سياسية وقانونية وأكاديمية وصحفية. بالإضافة إلي نشطاء. قالت الوثائق إنهم تلقوا تمويلا سريا من السفارة الأمريكية بالقاهرة. أو أدلوا بمعلومات لها عن الأوضاع الداخلية في مصر خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ولأن صحفا مصرية عديدة. نشرت هذه القائمة نقلا عن الموقع. في أعدادها الصادرة أول أمس. فقد توقعت أن يثير ذلك ردود فعل واسعة. نظرا لأهمية الشخصيات الواردة فيها. وأن تخرج بعض هذه الشخصيات لتنفي أو تبرر ما ألصقته الوثائق بها من اتهامات. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث حتي كتابة هذه السطور ظهر أمس.
ووفق العديد من البرقيات الدبلوماسية التي سربها الموقع وحصلت وكالة أنباء أمريكا "إن أرابيك" في واشنطن علي نسخ منها. فقد تلقي عدد من المنظمات الأهلية والحقوقية دعما مباشرا - بعضه بدون تصريح الحكومة المصرية - من هيئة المعونة الأمريكية.
كما تبين حرص السفارة الأمريكية علي عقد لقاءات بعضها غير معلن عن شخصيات عامة مصرية ونشطاء ساعين "للتمويل" وآخرين بغرض "الاطلاع علي الأوضاع الداخلية".
وتشير الوثائق إلي إصرار السفيرة الأمريكية السابقة "مارجريت سكوبي" علي سرية اللقاءات وسرية بعض الأسماء التي امتدت السفارة بمعلومات وقراءات لمستقبل مصر السياسي.
وكشف "ويكيليكس" عن البرقية الصادرة من القاهرة والتي كتبتها السفيرة "مارجريت سكوبي" وتقول فيها:
السفارة في القاهرة مستمرة في تنفيذ أجندة الرئيس "الأمريكي" للحرية. ونحن علي اتصال وثيق مع نطاق واسع مع المعارضة السياسية ونشطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحفيين من الصحافة المستقلة والمعارضة علاوة علي المدونين الذين يروجون للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتقول وثيقة أخري إن السفيرة "سكوبي" دعت عددا من النشطاء الآخرين إلي حفلات استقبال وحفلات شاي ولقاءات خاصة في منزلها علي العشاء أو الغداء للحصول علي معلومات عن الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر.
قائمة الشخصيات الـ 25. تضم هشام قاسم مؤسس صحيفة "المصري اليوم". والدكتور أسامة الغزالي حرب. وأنور عصمت السادات. والدكتور حسن نافعة. والدكتورة هالة مصطفي. والدكتور حسام عيسي. وداليا زيادة. والمستشار هشام البسطويسي. وحسام بهجت. وجميلة إسماعيل. والمحامي نجاد البرعي. وحافظ أبوسعدة. والمحامية الدولية مني ذوالفقار. ومايكل منير. ووائل نوارة. وإنجي حداد. وغادة شهبندر. وباربارا سعدالدين زوجة الدكتور سعدالدين إبراهيم الأمريكية. وأحمد سميح. ومازن حسن. وحمدي قناوي. ودعاء أمين. ومروة مختار. والمحامي ناصر أمين. والدكتور عمرو الشوبكي.
نحن هنا أمام اتهامين تلصقهما الوثائق بهذه الشخصيات. وهما:
1- تلقي تمويل أجنبي مباشر من هيئة المعونة الأمريكية. عن طريق السفارة الأمريكية بالقاهرة.
2- إمداد السفارة الأمريكية بمعلومات عن الأوضاع الداخلية في مصر.
وابتداء. فإن الوثائق المسربة لا تكشف لنا - للأسف - من.. فعل ماذا؟! فهي لا تحدد لنا من. من بين هؤلاء الشخصيات تلقي تمويلا.. ومن الذي أمد السفارة بمعلومات. وبالتالي تترك الاتهامين معلقين فوق رءوس الشخصيات الـ 25 جميعا.
إلا أن القراءة الموضوعية للأسماء الواردة في القائمة. يمكن أن تقودنا إلي التصنيف المحتمل لأصحابها ولو بصورة تقريبية. خصوصا أن القائمة وضعت أمام كل اسم وظيفة. وبالتالي فمن لديه منهم منظمات حقوقية أو نشاط ما في هذا المجال أو غيره مما تهتم به السفارة الأمريكية هو الأكثر احتمالا في طلب التمويل أو الحصول عليه.
بينما من يعمل في موقع يتيح له أن تكون لديه معلومات عن الأوضاع الداخلية. أو هو مؤهل بحكم هذا الموقع لأن تكون له رؤية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لمصر. هو الأكثر احتمالا لأن تلجأ إليه السفارة للحصول علي معلوماته ورؤيته. أو يتطوع هو للقيام بذلك.
هذه مجرد رؤية افتراضية محايدة من جانبي. لكني لا أستطيع أن أجزم بصحتها بالنسبة لكل من تضمنتهم القائمة. وبالتالي. تظل تهمة "تلقي تمويل أجنبي" عالقة. لا نعرف إن كانت قد اقتصرت علي أصحاب المنظمات الأهلية لدعم أنشطة منظماتهم. أم امتدت إلي من أدلوا بمعلومات للسفارة. كثمن لمعلوماتهم.
والواقع أن بعض الأسماء الواردة في القائمة. لا يمثل الكشف عن تواصلهم مع السفارة الأمريكية. سواء للحصول علي تمويل. أو للإدلاء بمعلومات. مفاجأة. حتي للقارئ العادي. من كثرة ما سمع وقرأ وعرف من تاريخهم في هذا المجال.
كما أن بعضهم. ومنهم مثلا المستشار هشام البسطويسي. أحمد المرشحين للرئاسة في أول انتخابات رئاسية أجريت بعد 25 يناير 2011. سبق لموقع "ويكيليكس" نفسه أن نشر برقيات سرية عن اتصالهم بالسفارة الأمريكية بالقاهرة. وتشاورهم معها في الأوضاع الداخلية. بل وفي بعض القرارات الشخصية.
وأذكر أنه عندما رشح المستشار البسطويسي نفسه للرئاسة. وأعلن "حزب التجمع" دعمه له. كتبت في هذا المكان أربأ بالحزب الذي يمثل - تاريخيا وفكريا - اليسار المصري. أن يدعم مرشحا له هذه الخلفية الأمريكية. لكن قيادة الحزب في ذلك الوقت ردت بأنها لا تعترف بالاتهامات الواردة في برقيات "ويكيليكس" وواصلت دعمها للبسطويسي.
إن تلقي تمويل أجنبي لجمعية أهلية أو لنشاط مجتمعي. أمر ينظمه القانون ولا غبار عليه. كما أن موضوع "الإدلاء بمعلومات" عن الأوضاع الداخلية موضوع فضفاض. تتوقف أهميته أو خطورته. علي أهمية الشخص المتهم به. والموقع الذي يشغله في الدولة أو المجتمع. وحدود المعلومات ونوعيتها التي يمكن أن يتيحها له هذا الموقع. ومدي تصنيف هذه المعلومات من حيث درجة سريتها أو اتصالها بالأمن القومي. إلي آخره.
وفي مجتمع تسوده الفوضي الإعلامية والمعلوماتية معا مثل المجتمع المصري. يستطيع أي أجنبي يبحث عن معلومات عن الأوضاع الداخلية فيه. أن يجد في الصحف وفي برامج التليفزيوني. وفي دردشات الناس علي المقاهي وفي وسائل المواصلات. وفي الندوات والمؤتمرات التي تقيمها مراكز البحوث المختلفة أضعاف ما يمكن أن يدلي به شخصية عامة من معلومات.
لكن ما يجعل التمويل الأجنبي. مشبوها. والإدلاء بمعلومات عن الأوضاع الداخلية تخابرا هو حرص طرفي العملية علي "سريتها". والطرفان هما: المصري والأمريكي.
فما تكشفه الوثائق هنا عن "إصرار" السفيرة الأمريكية السابقة مرجريت سكوبي. علي سرية اللقاءات التي تجريها مع هذه الشخصيات. وعلي سرية "بعض" الأسماء التي أمدت السفارة بمعلومات.. فضلا عن التمويل المباشر من المعونة الأمريكية من وراء ظهر الحكومة المصرية. يحمل إدانة للجميع. حتي لو كان المعلومات التي أدلوا بها لا ترقي إلي مستوي السرية التي يجرمها القانون. وحتي لو كان التمويل المباشر مستحقا.
من هنا. يصبح من حق الرأي العام المصري أن يسمع من هؤلاء شخصيا. ما يدفع عنهم غائلة الاتهام. وما يبرئ ساحتهم. خصوصا الشخصيات العامة منهم. والذين مازالوا يؤدون أدوارا في الحياة السياسية.