القاهرة 26 مايو 2016 الساعة 11:11 ص
هى مهنة البحث عن المتاعب بحق .. يدفع أصحابها ثمن مواقفهم فى الوقت الذى يتدثر بالصمت وقت الجد بعض من يطالبهم بالشجاعة بل ويدتثرون بالطناش ....نعم أصحاب المبادىء والرسالات لايعنيهم سوى ما يؤمنون به ، لكن كلامى موجه لمن يريدون الحرب والمواجهة حتى آخر قطرة من دم
الآخرين ...وحتى يكون الكلام محددا أقول .. بعض القراء أو غالبيتهم ينتقدون ويقيمون المشانق لبعض الصحفيين أو الكتاب إذا غضوا الطرف عن ذكر حقيقة ما أو لم ينشروا أخبارا ما ضد سلطة بعينها فى أى زمن أو أى مكان .. فى الوقت الذى يتدثر بعض القراء بالصمت ولن أقول الجبن إذا واجهوا مجرد رئيسهم فى العمل حتى لو كان بسيطا .. مثلا لا يجرؤ واحد على مواجهة بائع خضار أو عسكرى مرور أو موظف مرتشى فى الوقت الذى يطالبون الصحفى بالوقوف أمام أكبر سلطة ... والأهم من ذلك إذا تعرض الصحفى للفصل من عمله أو السجن لا يجد من يقف بجواره ..
أقول ذلك بمناسبة تعرض الصحفية الفرنسية فينسيان جاكيو مراسلة جريدة "لوسوير" le Soir بالقاهرة للفصل من جريدتها بسبب رفضها تنفيذ أوامر إدارة الجريدة فى فرنسا بإلصاق تهمة سقوط الطائرة المصرية إلى العنصر المصرى وقالت فينسيان جاكيوعلى حسابها على موقع التواصل الاجتماعى : " عقب اختفاء طائرة مصر للطيران بين باريس والقاهرة، طُلب منى ألا أقدم مقالا عن الوقائع والتركيز بدلاً من ذلك على حزن عائلات الضحايا والحديث عن توجيه الاتهام إلى الأمن فى شركة الطيران المصرية. ...وأكدت المراسلة فى بوست لها على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" باللغتين العربية والفرنسية: "رفضت لإننى " لم أستطع لقاء الأهالى (رفضوا الحديث مع الإعلام)، وأضافت بشجاعة مهنية "وبما إن سبب الحادث غير معروف (ليس لدينا حتى مؤشرات)، لم أكن أستطيع توجيه الاتهام، ولا حتى التلميح بمسئولية، مصر للطيران عن الحادث. ...وأضافت :" اليوم يشكروننى، ويخبروننى إنى لم أعد "على قوة العمل"،...
يعنى بلغة ولاد البلد عندنا :" المقاول مبسوط منك وبيقولك متجيش بكره "
وتضيف الصحفية الشجاعة "فى هذا الوقت الذى يتهم فيه الناس الصحفيين بالكذب، والمبالغة، والتزييف، بالتغطية على فساد المسئولين.. باختصار، لا يثقون فينا، قررت أن أقول "لا"، قررت ألا استسلم لصحافة التلاعب بالمشاعر ولتجاهل صحافة المعلومة وأخلاقياتها من أجل مرتب هزلى". ..وتابعت :" أنا لست نادمة على ذلك بل فخورة،و لم تكن المرة الأولى التى يطلبون فيها ، التركيز على الإثارة بدلا من الحقائق، ولكن كان الأمر يتعلق بموضوعات أقل أهمية فلم ألتفت لها". ..وأشارت :" من الضرورى أن نستطيع نحن كصحفيين -مستقلين وغيرهم- أن نقول "لا" وأن نتذكر أن كلماتنا ومعالجتنا يمكن أن يكون لها آثار كارثية على الأفراد، ويجب أن نكون نحن من يعيد ثقة القراء المفقودة لأن أطقم التحرير، إن قامت بهذا، فستقوم به على استحياء، عاشت صحافة المعلومات".
انتهى بوست الصحفية الفرنسية على الفيس بوك لكن لم تنته القضية أو فصولها... فهى قديمة..جديدة.. متجددة .. نعم تختلف البلدان والحكومات والأزمان ..والضحية لا تتغير.. تختلف الأسماء ، لكن السجن واحد والفصل والتشريد واحد .. يختلف السجان والديكتاتور ، ولا تختلف الآنات ..ماحدث للزميلة الصحفية الفرنسية التى أشرف بالانتماء معها إلى مهنة البحث عن المتاعب تطرح العديد من الإشكاليات وتعدد المعايير:-
• أولا: إنها من بلد الحريات وبلاد النور ..ومع ذلك تعاملوا معها كما تتعامل جمهوريات الموز مع المختلفين معها ، ولذلك لا معنى للتشدق هناك عن الحريات
• ثانيا :إن الملكيين فى كل مكان يكونون أكثر سطوة من الملك ، فقد تعاملت إدارة الجريدة معها كما لا يستطع رئيس فرنسا أن يتعامل به معها ، فصلوها من العمل لمجرد إنها رفضت الكذب والخداع .
نعم ..الكيل بمكيالين والمعيار ليس واحدا أبدا..
• مثلا عندما سقطت الطائرة الروسية فى شرم الشيخ لم تمض دقائق حتى كانت الاتهامات فى كل مكان بأن الحدث إرهابى لأن المخطط محدد وهو معاقبة مصر وحصارها وحتى الآن يمنع السياحة الغربية عن زيارة مصر !
• لم نسمع شيئا عن إعلان واشنطن مسئوليتها عن إسقاط أو سقوط الطائرة المصرية القادمة منها وعلى متنها مجموعة من خيرة عقول مصر وأجنادها منذ سنوات ، وخرج علينا السيناريو الساذج بانتحار قائدها الطيار "البطوطى" لإنه قال توكلنا على الله ، مثلما حاولت الترويج لقائد الطائرة المصرية التى
سقطت مؤخرا فى طريق عودتها من باريس لإنه قال لزوجته أحبك للأبد !!
سيناريوهات ساذجة ومحاولات مستميتة فى عرقلة تقدم مصر للأمام وضرب علاقتها بكل من يقف معها لإبعادهم عن مساعدتها .. بدأت بروسيا ثم إيطاليا بمقتل أحد شبابها فى حادث ينتابه الغموض المؤقت ..وأخيرا فرنسا ..واعتقد أن هذه العمليات المستمرة لايمكن أن تخرج عن خطط وسيناريوهات مخابراتية تدعمها تكنولوجيا حديثة وأموال بلا حصر لأن الهدف ثمين جدا وهو مصر ..
إسقاطها هو الهدف النهائى أو على الأقل مبدئيا .. تركيعها ومنعها عن التقدم للأمام ولو خطوة واحدة !!
وبالمناسبة قابلت ذات يوم أحد الصحفيين البريطانيين فى القاهرة ودار حديث طويل عن حرية الصحافة عندنا وعندهم ، طبعا لديه بعض الحق فى بعض ما أثاره ، لكننى سألته سؤالا مباغتا حتى أحفظ الحرية فى بلادى بعض الحق
قائلا : هل كنت فى القاهرة أيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو ؟
• قال: نعم .
• تصور أننى سأسأله عن ثورة 25 يناير لكننى فاجأته بسؤالى : هل رأيت الملايين فى الشوارع قبل وبعد ثورة 30 يونيو ؟
صمت برهة وكأنه أدرك خبث مقصدى وقال حين حاصرته نظراتى : نعم
• قلت: هل كانت الجماهير فى الشوارع فى 30 يونيو بعشرات الملايين أم لا ؟
- قال : نعم
• قلت : إذن لماذا وصفتم 25 يناير بإنها ثورة ووصفتم ثورة 30 يونيو بأنها انقلاب مع العلم إننى شاركت فى الثورتين ؟
- صمت ثم نظر بعيدا عنى قائلا : هى السياسة !!
• قلت :هل مات ضمير الصحافة عندكم ؟
- قال : تحركها السياسة أحيانا .
• قلت : أقدر مشاعرك الإنسانية لكن لا أقدر مشاعرك المهنية إنت وغالبية المراسلين الصحفيين الغربيين الذين لم يصفوا ثورة 30 يونيو بأنها ثورة شعبية وتغلبت عليكم مخططات بلادكم ومصالحها ضد الحقيقة !
نعم أستطيع أن أقول بضمير مرتاح أن معظم الصحافة ووسائل الإعلام الغربية بالنسبة للبلاد والشعوب الأخرى لاتحركها الحقيقة فقط ولكن تسيطر عليها مصالح بلادها إلا من رحم ربك طبعا مثل هذه الصحفية الفرنسية .. إنهم يطبقون المثل غير المعروف أو المبدأ غير المعلن : الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية لنا وحدنا داخل بلادنا .. ويمكن تصدير هذه المصطلحات لتنفيذ أغراضها فإذا اصطدمت بمصالحنا تكون الثورات انقلابات والديمقراطية لها أنياب وحقوق الإنسان مرحلة لم تحن بعد ... والتعذيب فى سجون أبى غريب وجونتانمو والقتل والسجن فى الأراضى الفلسطينية المحتلة من قبل العدو الإسرائيلى .. مشروع لإنه ضد كائنات لاتستحق إطلاق لفظ بشر عليها !!.. وأى انتهاك فى سجون الآخرين جريمة ضد الإنسانية !!
طبعا لا نعدم المنابر الشريفة وأصحاب الضمائر الحية هناك الأمس واليوم ...وأذكر مثلا الكاتب الصحفى مصطفى شردى مؤسس جريدة الوفد أيام العدوان الثلاثى على مصر 1956 وكان شردى يغطى أحداث معارك الفدائيين فى منطقة القناة لجريدة أخبار اليوم وتجول بكاميراته شوارع بورسعيد يصور الأحداث الدامية والهجمات الوحشية على أبناء بورسعيد والقتلى الموجودين بالشوارع وكانت معه بندقية يدافع بها عن بلده ويضرب بها المعتدين وباليد الأخرى يخفى الكاميرا بين طيات ملابسه يلتقط بها وحشية الاحتلال والتقط صوراً فضحت العدوان وقسوته وارتدى الصحفى الصغير ملابس الصيادين حتى يتمكن من الهرب بالصور إلى أخبار اليوم عبر بحيرة المنزلة بعد أن ركب أحد القوارب الصغيرة حتى وصل به للقاهرة وسلمها لمصطفى أمين ليحملها بدوره للرئيس الراحل جمال عبدالناصر لتطوف العالم ليرى الكل وحشية الاحتلال وما ارتكبه من آثام وجرائم ضد شعب مسالم وقسوة ما تتعرض له بورسعيد لتكون صور شردى التى تناقلتها وكالات الأنباء العالمية أحد أسباب الانتصار السياسى لمصر ضد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ..
نعم دماء وأرواح وحرية الصحفيين والكتاب والمبدعين هى ثمن حرية الإنسانية ...وفى مصر تعرض الكثير من الصحفيين والكتاب على مر العصور للبطش والسجن والفصل... ورحل الجلادون وطيورالظلام وبقوا هم وترعرعت على آناتهم ودمائهم شجرة الحرية ... عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد دفع من حياته 9 شهور فى السجن وبقى هو ورحل من سجنه ولا يذكره أحد ... عاش طه حسين ولا يذكرأحد من تقدم ببلاغات ضده للنيل من حرية تفكيره .. رحل جسد فرج فودة وعاش موقفه ولا يذكر أحد من قتله .. يعيش نجيب محفوظ بيننا بإبداعه ولا يذكر أحد من طعنه وأصاب يده بالشلل... رحل نصر حامد أبو زيد بعد أن اضطر للفرار بجلده خارج الوطن حتى رحل بجسده عنا ولم يستطيعوا التفريق بينه وبين زوجته أو تكبيل عقله .. وعاش هو.. ومات من شرده ... عاشت مواقف الصحفيين والكتاب بعد أن فصلهم الرئيس الراحل أنور السادات وحاول نزع عضوية نقابة الصحفيين عنهم بنقلهم إلى شركة باتا للأحذية أو شركات الأغذية ..وكانت جملة نقيب النقباء الكاتب الصحفى كامل زهيرة عضوية النقابة كالجنسية لا يمكن إسقاطها !!
هى الحرية .. هو الضمير ..
وتسيطر على وجدانى الأية الكريمة فى سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا( “...
. واعتقد أن الضمير هو أحد صور هذه الأمانة ..
والصحفيون والكتاب والمفكرون والمبدعون جزء من هذا الضمير الإنسانى ..ويبقى السؤال هل قدر على الكتاب والصحفيين من أصحاب المبادىء أن يدفعوا الثمن وحدهم ، والأخطر من ذلك يتعرضون لمحاولات مستمرة لشيطنتهم حتى يسهل هزيمتهم أمام الرأى العام الذى قد ينخدع بعض الوقت لكن لن ينخدع طوال الوقت ولكنها معركة النفس الطويل طبعا ...فما زالت تهم الكفر والألحاد تطارد بعض المفكرين رغم أنه لا يوجد أحد يعرف النوايا حتى لو شقوا الصدور ...ما زالت تهم العمالة والخيانة تطارد البعض .. وهكذا .. لكن يرحل الجميع وتبقى شجرة الحرية التى لا تشبع للأسف من دماء الأحرار حتى تظل واقفة على الإنسانية
هامش
• افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيىسى لمشروعات صناعية وتنموية هو أبلغ رد على كل من يحاول عرقلة مصر للأمام ...
• اتمنى أن أرى قريبا جدا أفران مصانع الحديد والصلب فى حلوان وأبى زعبل .. الخ
وقد اشتعلت وتزغرد بالانتاج ، لإنه لا تقدم حقيقى بدون صناعة الصلب والألومنيوم والمراجل البخارية .. الخ
• اتمنى أن أسمع أناشيد الانتاج تنطلق من مصانع الغزل والنسيج لتستوعب ملايين الأيدى العاملة
• يارب .. قولوا آمين
Yousrielsaid@yahoo.com