القاهرة 25 مايو 2016 الساعة 01:16 م
لا أدرى لماذا تطلع عدد منا لكى تكون هناك مصالحة وطنية مع جماعة الإخوان المسلمين رغم ما بينها وبين بقية
المصريين من دم وعنف، إن لم يكن سبيلا للقتل وإضعاف الدولة، فإنه مصمم على أن تبقى أحوالنا السيئة على ما هى عليه. الإخوان لن يغفروا ثورة الشعب والجيش المصرى الكاسحة ضدهم فى 30 يونيو 2013، ولن يغفروا أكثر أنه على مدى ثلاثة أعوام الآن فإن المصريين جميعا صمدوا فى مواجهة تحديات ضخمة لأنهم لا يريدون عودة الإخوان مرة أخرى من نافذة للعنف، أو باب للسياسة. الأكثر أهمية فيما نظن أن ننظر فى قضية المصالحة مع «الشباب الثوري»، وكلمة «الثوري» هنا مقصودة، فشباب مصر لا يختلفون كثيرا عن بقية الشعب المصرى من حيث التوجهات العامة التى تساند النظام الحالى من ناحية لأنه السند والحماية والأمل، وتشكو منه من ناحية أخرى لأن الأحوال لا تسر كثيرا. ولكن «الثوار» جماعة أخرى لأنهم أشعلوا ثورة فى يناير 2011، ولأنهم أولاد الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة والمطلعة على التطورات التكنولوجية العالمية، ولأنهم شاركوا فى ثورة يونيو 2013 سواء من خلال حركة «تمرد» أو من خلال تنظيمات أخري. هم طاقة كبيرة متفجرة لا يجوز إهمالها مادام أن الذهاب إلى المستقبل الأكثر إشراقا، هو هدفنا الوطني.
فى فبراير 1968 خرج الشباب الثورى المصرى لأول مرة على ثورة يوليو فى مظاهرات تحتج على الهزيمة. أيامها قال عبد الناصر إنه ينبغى ألا يكون هناك تناقض بين الثورة وشباب الثورة رغم أنه كان يعرف أن الثوار الجدد يمثلون جيلا جديدا يختلف عن جيله، إلا أنه ربما كان يظن مع الزمن سوف يكون الجدد امتدادا للقدامي. بعدها خرجنا مرة أخرى فى يناير 1972 فى ثورة أخرى لأن الأرض كانت لا تزال محتلة، ولأن الأفق لم يكن يبيح عما إذا كانت حربا قادمة أو سلاما سوف يحل. كان الطريق مسدودا أمام الجيل الثورى الجديد، رغم أن التاريخ يشهد أن السادات بات يستعد للحرب التى ستقود للسلام وتحرير الأرض مع التوجس من شباب شاركوه نفس الأحلام؛ ولكنهم من ناحية أخرى خلقوا فجوة كبيرة من الثقة مع سلطة وطنية ولديها مشروع لانفتاح مصر سياسيا واقتصاديا. وهكذا جرى الصدام مع السلطة فى 1977، وانتهت الفرصة العظيمة فى أكتوبر 1981 عندما اغتيل السادات من نفس القوى التى نجحت فى اغتيال مصر فى 2012 عندما انشغل الشباب الثورى بالهجوم على وزارة الداخلية فى شارع محمد محمود بينما كان الإخوان يستعدون لاكتساح الانتخابات. وتكرر الأمر مرة أخرى عندما جاءت الانتخابات الرئاسية وتورطت جماعة من الثوار فى مبايعة «فيرمونت» المخجلة.
ومع ذلك فإن هناك أسبابا كثيرة للمصالحة مع «الشباب الثوري» لأسباب ذكرتها فى المقدمة، وأضيف لها أن ما هو موجود من خلافات يمكن تجاوزه. ومادام أن الدماء لم تسل فإن السياسة هى ساحة الخلاف والتسوية؛ وبصراحة فإن التحديات السياسية والاقتصادية والخارجية القائمة، لا تسمح باستمرار جبهة من الجبهات يمكن الوصول إلى كلمة سواء فيها ولا يتم ذلك بالحكمة والحصافة الممكنة. وأذكر أنه فى الأول من ديسمبر 2010 كتبت مقالا فى صحيفة الشرق الأوسط بعنوان «جوجل العربي»، وأعقبته بمقال آخر فى صحيفة الأهرام المسائى فى 16 ديسمبر بعنوان «جوجل المصري»، تساءلت فيهما عن غياب هذه الشخصية العجيبة المطلعة على العصر. كان ذلك قبل أسابيع من عصر الثورات العربية، ولم أكن أعرف ساعتها، وخانتنى القدرة التحليلية لكى أتصور أنه بعد أسابيع قليلة، وفى 12 فبراير 2011، أى فى اليوم التالى لسقوط نظام بكامله، كتبت فى الأهرام مقالا بعنوان «العثور على جوجل المصري». كانت الطاقات موجودة، ولكن أحدا لم يكن مطلعا عليها، والظروف حاضرة، ولكن جرت إساءة تقديرها.
اليوم ينبغى ألا يساء التقدير مرة أخري، وحجم التحدى يستدعى بقوة رأب الصدع وإقامة الجسور. ولا يقصد بالتحدى هنا الإرهاب، ولا الظروف الداخلية والخارجية الصعبة، وإنما البرنامج الثورى للرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الديني، وإقامة السلام والاستقرار فى المنطقة، والقفز بمصر فوق مراحل تاريخية بكاملها لكى تحصل على ما تستحقه من غنى ومكانة. التفكير خارج الصندوق، واستعمال التكنولوجيات الحديثة مع أرقى الشركات العالمية، والذهاب من النهر إلى البحر، والعمل المتواصل وفق تقاليد وأعراف حديثة لن تكون إلا من خلال هؤلاء الشباب.
الخلاف بين الشباب والدولة يدور حول ثلاثة أسباب: الأول هو قانون التظاهر الذى كان سببا فى دخول العديد من الشباب إلى السجون. والثانى التقييد البادى على حركة جماعات أهلية بعينها العاملة فى حقل حقوق الإنسان. والثالث له علاقة بالأجهزة الأمنية فى الدولة، وما يراه الشباب فيها من عودة تلك الأجهزة إلى سابق عهدها الذى ثاروا عليه. السبب الأول يشارك الشباب فيه عدد من الأجهزة الرئيسية فى الدولة منها المجلس القومى لحقوق الإنسان؛ ولكن المسألة ليست المدى الذى وصلت إليه السلامة فى القانون، وإنما أن البلاد ببساطة ووسط ظروفها المعروفة لا تتحمل حالات من التظاهر المستمر. ببساطة لا يمكن تعزيز حق التظاهر على حساب السلامة الاقتصادية والأمنية للوطن. المعادلة هنا هى أن إصلاح قانون التظاهر ينبغى له ألا يكون على حساب التنمية والتقدم فى البلاد؛ وعندما يكون هناك التزام بوقف التظاهرات لعامين قادمين، فإن تعديل القانون يكون ممكنا، بل فى الحقيقة واجبا. والسبب الثانى يبدأ من معرفة أنه يوجد فى مصر ما بين 45 و47 ألف جمعية أهلية تعمل دون مشكلة تذكر، بل إن فاعليتها خلال الأعوام القليلة الماضية كانت سببا فى الصمود المصري. المشكلة تقع فى عدد محدود من جمعيات حقوق الإنسان، والتى فى مجملها تعتمد على العالم الخارجي. هنا يحتاج الأمر إلى كلمة سواء، وربما مظلة مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان حتى يتبين الخيط الأسود من ذلك الأبيض من الفجر. السبب الثالث يدخل فى كتاب الإصلاح الضرورى فى كل المجالات فى مصر تحت عنوان «الإصلاح الأمني» الذى نحتاجه كما هو الحال فى كل المجالات الأخري، ويفترض أنه لا يهم الشباب وحدهم، ولكن دخل فيه قطاعات مصرية أخري. من هذه المنطلقات يمكن إقامة جسور، وتشكيل مصالحة، وتفتح الباب لعملية سياسية ديمقراطية واسعة تعزز مكانة الدولة وتحرر شبابها فى ذات الوقت.