القاهرة 23 مايو 2016 الساعة 02:51 م
أنعي لكم صحفيًّا كبيراً لم أتفق كثيراً مع آرائه. ولكنني احترمت دائماً شجاعته وأداءه المهني استاذاً ويرأس تحرير جريدة لها موقف.
لم يكن يتاح لي أن أقرأ صحيفة "النهار" اللبنانية إلا قليلاً. فقد كانت ممنوعة من دخول مصر لسنوات طويلة. وعندما أصبح ممكناً لها أن تعود كانت إدارتها قد فقدت الحماس والاهتمام بالسوق المصري.. ولولا انتشار "الإنترنت" لغابت عني إلي الأبد.
أذكره صحفياً وسياسياً مناصراً للسياسي اللبناني "كميل شمعون" حتي أصبح رئيساً للجمهورية. وألد أعداء القومية العربية وجمال عبدالناصر. فحظي بكراهية وسمعة سيئة بيننا.
ولكن جريدته بقيت تؤدي دورها بمهنية فائقة وقدرة علي الدفاع عما تؤمن به.. أحببناها. أو كرهناها!
لعبت "النهار" وشخص "غسان تويني" دوراً مؤثراً في السياسة اللبنانية والعربية. فلم يقتصر صاحبها علي رئاسة تحريرها وإنما عمل نائباً في البرلمان ووزيراً في أكثر من حكومة ودبلوماسياً يمثل بلاده في الأمم المتحدة في أوقات مصيرية وعصيبة أيام الغزو الإسرائيلي للبنان.
أنعيه لكم لأسباب إنسانية فقد جاءه وهو في باريس نبأ اغتيال ابنه الأكبر الوحيد الباقي من أسرته الصغيرة. بعد وفاة ابنته "سبع سنوات" بالسرطان وزوجته بنفس الداء وابنه الشاب في حادث سيارة بفرنسا.. ولم يبق سوي "جبران" الذي ترك له الأب رئاسة تحرير "النهار" أغلي ما يملك. وتفرغ هو لمعاشه وكتبه. من بين إصداراته "اتركوا شعبي يعيش" وأحدثها "لندفن الحقد والثأر. " روي فيه تاريخ حياته. وهو تاريخ وطن.
التقيت "جبران" مرة واحدة في لقاء للصحفيين العرب بمدينة الكويت. وتكلمنا قليلاً. ولكنني استمعت إلي محاضرته التي ألقاها باهتمام فدخل قلبي وعقلي.
لم يمض وقت طويل بعد تعرفي عليه حتي جاءني نبأ انفجار سيارته الخاصة في قلب بيروت وهو بداخلها. وكانت مفخخة.. مات الصحفي والنائب الواعد. سر أبيه.
أحداث تهد الرجال والجبال. استقبلها الرجل العجوز بشجاعة فائقة جعلته يملي بنفسه "مانشيت" الجريدة في لحظتها: "جبران لم يمت. والنهار مستمرة".
يذكر زملاؤه القدامي "مانشيت" كتب بعد أن نجح وآخرون في إقناع مختلف الطوائف اللبنانية ونواب المجلس باختيار "سليمان فرنجيه" رئيساً بفارق صوت واحد.. اختار "غسان تويني" عنوان: "الصوت الواحد هو صوت الشعب".
فلما اكتشف أنه أخطأ في التحمس لفرنجيه استقال من الوزارة وأعلن رأيه في الرئيس: لا يصلح لمنصب "مختار" قرية!
المانشيت الأخير كان: "رحل فجر النهار".
بعد "جبران" دفع بابنته "نايلة" حفيدته لمجلس النواب مكان أبيها. ولرئاسة تحرير "النهار" آخر عنقود أسرة "تويني". رغم صغر سنها. فقد بدأ هو حياته نائباً ورئيساً للتحرير في مثل عمرها.. ونجحت.
كتبت تودعه: "قبل صياح الديك رحلت.. "جدَّي سلم لي علي جبران .