القاهرة 28 ابريل 2016 الساعة 02:40 م
ظللتُ لعدة سنوات شديد الإعجاب بشخصية محيى الدين بن العربى ، بعد أنْ قرأتُ بعض النماذج من شعره خاصة قوله ((لقد صار قلبى قابلا كل صورة/ فمرعى لغزلان ودير لرهبان/ وبيت لأوثان وكعبة طائف/ وألواح توراة ومصحف قرآن/ أدين بدين الحب أنىّ توجـّـهتْ/ ركائبه فالحب دينى وإيمانى)) فى تلك الفترة كنتُ أعتمد على الكتب التى أرّختْ لحياة الرجل وكتاباته ، إلى أنْ تفرّغتُ لقراءة مجلداته الضخمة (الفتوحات المكية) وعندما أنهيتُ قراءة المجلد السابع تساءلتُ : ماذا استفدتُ ؟ ما الإضافة المعرفية ؟ والإجابة : لاشىء وبالتالى تولــّـد السؤال الأهم : ماجدوى هذا التراث ؟ وكيف ولماذا يـُـضيـّـع المؤمنون به أوقاتهم ؟ خاصة أنّ المجلد الواحد مكوّن من 600صفحة من القطع الكبير جدًا. وخاصة – ثانية - إذا كان ذاك التراث يعمل على ترسيخ الخرافات ، من ذلك ما ذكره ابن العربى عن (حج الطفل) واختلاف الفقهاء حول هذا الموضوع (الخطير) فمنهم من جوّزه لأنّ ((الرضيع أتم إيمانــًـا من الكبير)) ومنهم من عارضه ، وحجتهم ((أين الإسلام فى حق الصبى الصغير؟)) (ج4- ص22) وخصّـص ابن العربى فصلا عن نفسه بعنوان (فى ذكر ما جرى من الكعبة فى حقى) ذكر فيه أنه قبـّـل الحجر ثم نظر إلى الكعبة فتخيـّـل كأنها ((وقد شمّـرتْ أذيالها وارتفعتْ عن قواعدها. وتتوعـَـدنى بكلام.. فجزعتُ جزعـًـا شديدًا وسمعتها – والله - وهى تقول لى : تقـدّم حتى ترى ما أصنع بك. كيف تحط من قدرى وترفع قدر بنى آدم ؟ وعزة من له العزة لا أتركك تطوف بى)) فلما عاد إلى (رشده) كتب ((عرفتُ أنّ الله يريد تأديبى)) (ج4- ص101) ورغم أنه أخذ خمس صفحات من القطع الكبير لم يذكر لماذا أراد الله تأديبه ؟ وما المعصية التى ارتكبها ؟
وتستمر الخرافات فخصّـص فصلا عن الموقف (الفقهى) من وقوف (إبليس) على عرفة ، وهل يحق لإبليس الحج أم لا ؟ وأنّ إبليس كان يحج كل سنة ويبكى على مافاته من طاعة ربه. وهو مجبورعلى الإغواء)) ولما ((كان لإبليس طرفٌ من المعرفة ، لذلك لم تطرده الملائكة من عرفة)) (ج4- ص146، 147) وابن العربى لم يتوقف ليسأل السؤال المنطقى : إذا كان دور إبليس فى إغواء البشر بأوامر عليا من السماء وفق تعبير (وهو مجبور على الإغواء) فلماذا هذا الموقف المُـسبق من البشر؟ بالتحريض على إغوائهم . ويتسق ذلك مع حديث النبى ((نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًـا من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم)) (ج4- ص239) ولم يتوقف ابن العربى ليسأل : كيف تنعكس أفعال الأشرار من البشر على الحجر؟ ولم يتوقف ليناقش ما ذكره الرسول عن أنّ الله سيبعث الحجر يوم القيامة ((وله عينان يـُـبصر بهما ولسان ينطق به)) (ج4- ص242) وهل تلك الصورة المُـتخيـّـلة للحجر تختلف عن الصور الواردة فى الميثولوجيا اليونانية عن تحويل البشر إلى أحجار، والأحجار إلى بشر؟
وموقف ابن العربى من (منظومة العبودية) لا يختلف عن غيره ممن كتبوا فى التراث العربى/ الإسلامى ، فخصّـص فصلا عن (حج العبد) واختلاف الفقهاء حوله ، فمنهم من جوّزه بلا شروط ومنهم من عارضه ((حتى يـُـعتق)) (ج4- ص29) ولكنه تجاهل تمامًـا مُـناقشة تلك المنظومة التى تــُـفرق بين البشر على قاعدة (أسياد وعبيد) وكرّر ذلك عندما ذكر حديث النبى ((سفر المرأة مع عبدها ضيعة)) لأنّ (العبد) قد يُـضللها عن ((طريق الرشد)) (ج4- ص208) وأكثر من ذلك أنه وصف نفسه بالعبودية فى قصيدة قال فيها ((أنا عبدٌ والذلُ بالعبد أولى/ لا أرانى للعز بالحق أهلا / فانظرونى فكلما قلتُ قولا / كان قولى حالا وقولا وفعلا / إنّ غيرى يقول : إنى عبد/ فإذا ماسببته قال : مهلا)) (ج7- ص391) فإذا كان ابن العربى قد حاز شهرة واسعة فى الثقافة السائدة - حاليًـا ونحن فى الألفية الثالثة – فما تأثير ذلك على من تأثــّـروا بشخصيته ؟ أليستْ النتيجة تثبيت وترسيخ مقولة (أسياد/ عبيد)؟
مولد ابن العربى ووفاته (1165- 1240) أى أنه شهد القرنيْن الثانى والثالث عشر الميلادييْن ، ورغم ذلك نقل عن التراث أنّ ((غـُـسل المحرم رأسه يكون بالخطمى)) (ج4- ص59) والخطمى ((نوع من النبات)) أى أنه لم يـُـناقش (نـُـدرة الماء) فى المجتمع الرعوى/ الصحرواى/ البدوى الذى أنتج ذلك العـُـرف (الغـُـسل بالنبات) وليس بالماء ، كما هو الحال فى المجتمعات النهرية.
وإذا كان ذاك المجتمع الصحراوى لديه (نـُـدرة فى الماء) فلديه- أيضًـا- (نـُـدرة فى الطعام) ولذلك خصـّـص فصلا عن (هل المحرم يأكل الميتة ولحم الخنزير) ؟ واستشهد بالفقهاء الذين أباحوه ((إباحة اضطرار)) (ج4- ص66) وهنا - أيضـًـا - فإنّ ابن العربى لم يـُـناقش موضوع (الاضطرار) وكيف أنه مرتبط بالواقع (المادى) الذى يجعل (المسلم) وهو يؤدى مناسك الحج يأكل لحم الخنزير المُـحرّم فى الإسلام ؟ ناهيك عن أكل الميتة. كما أنه لم يتعرّض للظرف التاريخى الذى أنتج تلك (الفتوى) وهو ظرف يؤكد شـُـح الطبيعة الصحراوية وفقرها عن توفير الطعام لسكانها. وتلك الطبيعة هى التى أنتجتْ التفرقة بين المرأة والرجل وأنّ ((المرأة أنقص من الرجال)) (ج4- ص121) وأيضـًـا لم يـُـناقش تلك التفرقة اللاإنسانية. ولذلك وصف صلاة الجمعة أنها ((صلاة العارفين لها خشوع/ ومسكنة وذلٌ وافتقار/ وفاعلها وحيدٌ فى شهود/ عليه فى شهادته اضطرار)) (ج4- ص134) فلماذا الخشوع والذل؟
وابن العربى يشطح به خياله فيرى فى نومه ((شخصـًـا من الملائكة)) فقال لنفسه ((هذا كشف مُـطابق للجمعة التى جاء بها جبريل إلى رسول الله.. وهذا دليلٌ على ارتباط الأمر بيننا وبين الحق)) (ج4- ص163) أليس ذلك معناه أنّ ابن العربى لم يختلف عن الذين آمنوا بالميتافيزيقا ؟