القاهرة 28 ابريل 2016 الساعة 02:15 م
صحيح أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي صعد بحكومته في 17 أبريل الحالي إلي مرتفعات الجولان السورية المحتلة ليردد زعمه بأن الجولان "إسرائيلية إلي الأبد". وليوجه زعمه هذا برسائل إلي سوريا. ومعها ومن خلفها العرب عامة. وإلي القوي الدولية التي ترعي المفاوضات الجارية بين الحكم السوري وقوي المعارضة "في الداخل وفي الخارج". إلا أنه يغلب علي الظن أن رسالة "الجولان الإسرائيلية إلي الأبد" موجهة في المقام الأول إلي السوريين حُكماً ومعارضة. سواء في ذلك المعارضة المسلحة. أو المعارضة السلمية. ونتنياهو برسالته هذه يضع المعارضة السورية المسلحة في مأزق. أو في موقف حرج. ويفرض عليها أن تسارع بقبول هذا التحدي بأن تنبذ من صفوفها كل القوي التي عُرفَ. وربما ثبت. أن لها علاقة مع الكيان الصهيوني. الذي لم يخف نياته منذ اندلاع أحداث الحرب الأهلية السورية في تغذيتها وإطالة أمدها إلي أقصي حد ممكن.
ردت الحكومة السورية علي زعم نتيناهو بأن دعت مجلس الأمن والأمم المتحدة إلي التنديد بهذا الزعم. وإلي تنفيذ قراراتها الخاصة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان المحتلة. كما أعلن متحدث باسم المعارضة المسلحة. التي تتفاوض. أن الجولان أرض محتلة. وستعود حتماً إلي سوريا. وهذا أضعف الإيمان الذي لن يحرر أرضاً. ولا يستعيد حقاً. وهو أي رد الفعل الحكومي والمعارض. لا يختلف كثيراً عن رد فعل الجامعة العربية أو الأمم المتحدة بل إنرد الفعل الألماني كان من حيث الكلام أصرح وأقوي من الجميع. حيث وصف متحدث باسم الخارجية الألمانية قرار الأمم المتحدة في 1981. بأن "ضم الجولان ملغي وليس ساري المفعول" وصفه بأنه مبدأ أساسي في القانون الدولي. وفي ميثاق الأمم المتحدة "في أن ليس لأي دولة الحق في ضم أرضي لدولة أخري".
إذن يفرض تحدي نتنياهو علي السوريين الوطنيين سواء في الحكم أو المعارضة من جميع الألوان والاتجاهات المسارعة إلي إلقاء السلاح ونبذ القتال والجلوس إلي مائدة مفاوضات مباشرة دون وسيط سواء من قوي دولية أو إقليمية أو قومية عربية. علي أن يتم هذا فوراً واليوم قبل الغد. هذا هو رد الفعل الوحيد الواجب علي المتقاتلين في سوريا. وإلا ماذا ينتظرون بعد هذا؟!.. ما هو آتي سيكون أخطر. فالكيان الصهيوني يستعد ويرتب للاحتفال في يونيه من العام المقبل بالعيد الخمسين لانتصاره في عدوان يونيه 1967. وأغلب الظن أنه يستعد باتخاذ خطوة عملية وقانونية من وجهة نظره بضم الجولان والقدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية. ومن المعروف أن العدو الصهيوني لا يخفي تحركاته واتصالاته علي المستوي الدولي في هذا الشأن. وبعد أيام من تصريحه في مرتفعات الجولان توجه نتنياهو إلي موسكو للقاء بوتين في زيارته الثالثة في خلال سبعة أشهر. حيث كرر زعمه بأن الجولان خط أحمر!!
انتظار واستفزاز
وقبل أن نتطرق ببعض التفصيلات حول رسائل الجولان. ولماذا الآن؟!.. نعود إلي موقف الإخوة الأعداء في سوريا الشقيقة والحبيبة التي كانت وستظل إن شاء الله قلعة القومية العربية. لنتساءل من موقع المواطنة العربية: ماذا تنتظرون؟!.. وهذا السؤال موجه إلي أهل الحكم في سوريا. وإلي المعارضة المسلحة والسلمية: ماذا تخشون؟!.. وما الذي تخسرونه؟!.. لن تخسروا سوي خلافاتكم. والمزيد من تدمير بلد ما كان يستحق أن يُدمَّر. ولا أن يُشرَّد أبناؤه في بلاد العالم.
ماذا ينتظر الحكم في سوريا؟!.. هل ينتظر مشورة حلفائه في موسكو أو طهران؟!.. إن دمشق أدري بمصالحها ومصالح شعبها وأمتها من أي حليف لها أو نصير. وماذا تنتظر قوي المعارضة؟!.. هل تنتظر رأي أو "أوامر" مَن يرعونها ويمولونها ممن نعلمهم. وهم كثيرون. ماذا ينتظر الإخوة الأعداء أكثر من هذا؟!.. هل ينتظرون أن يمتد القتال سنوات خمساً أخري؟!.. فماذا سيبقي لهم ولنا نحن العرب من سوريا قلعة القومية العربية؟!.. هل هذا تفكير حالم. أو راغب أو حلم ليلة صيف؟!.. إن هذا هو الموقف الممكن والقويم وطنياً وقومياً لمن لديه أدني حس وطني أو قومي. دون مزايدة علي أحد. وهو في الوقت نفسه يقوم علي رؤية لما وراء اجتماع نتنياهو وحكومته في الجولان. ولما أدلي به من تصريح استفزازي ومنفِّر لدرجة أن فريقاً من الإسرائيليين أنفسهم استنكره واستخف به.. فماذا قال؟!.. لقد برر نتنياهو زعمه بأن الجولان إسرائيلية إلي الأبد. بأنه لا يدري إذا ما كانت ستتحقق تسوية في سوريا تحافظ علي ما أسماه "مصالحنا" التي ذكر أنها: ألا تكون قوات حزب الله وداعش في سوريا.. وأضاف: لقد نشر مبعوث الأمم المتحدة إلي سوريا تسوية تنص المادة الأولي فيها علي أن تحكم سوريا الجولان. فلمن سنعيدها. لداعش أو لحزب الله أو لإيران؟!!.. ووصف هذا بأنه "سخافة". ومضي في استفزازه للمجتمع الدولي كله قائلاً: "حان الوقت لأن تستوعب الأسرة الدولية الواقع. فقصة الجولان انتهت.. ستبقي الجولان كلها في يدنا. لم تعد توجد مطالبة كهذه.. وهذا يعني رسالة إلي العالم كله لتعويد الأسرة الدولية عليها".. كلمات تعيد إلي الأذهان لغة أدولف هتلر في مخاطبة العالم أو لغة العنصريين في جنوب أفريقيا. قبل أن يرحلوا عن الحكم!!
كلمات نتنياهو الاستفزازية هذه وصفتها صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية في 19 أبريل الحالي بأنها "كلمات وتصريحات فارغة" وقالت إنه يعشقها لأنها تفيد أنه يحقق كل أهدافه. ومضت تقول: نقل الحكومة جواً لجلسة في هضبة الجولان. والبيان بأن إسرائيل ستبقي هناك إلي الأبد. جاء لأغراض داخلية فقط. فقد هزم نتنياهو في الصراع علي الاتفاق النووي بين القوي العظمي وإيران. وخلصت الصحيفة الإسرائيلية إلي أن سرد كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يحمي الجولان. وربطت هذا بما عبرت عنه بوجود نظام مسئول في دمشق بما يكفي للمساومة علي السلام!!
في اليوم نفسه. كتبت "سيما كيدمون" في "يديعوت أحرونوت": أنه لا يطل من جبهة الجولان أي شيء جيد. "ولا يهم كم جلسة تنعقد هناك".
وفي 22 أبريل كتبت "إسرائيل اليوم" التي تعتبر مقربة من نتنياهو ما يمكن أن يكون الدافع الحقيقي والأساسي وراء اندفاع نتنياهو الحالي بشأن الجولان: حضور مناورات عسكرية في الجولان. ثم اجتماع حكومته كاملة هناك. وأخيراً سفره إلي موسكو واجتماعه لمدة 3 ساعات مع زعيمها. وحديثه عما أسماه "خط أحمر" ذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن أربعة من قادة دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية المعروفة باسم "أمان" تحدثوا عن الجبهة الشرقية لإسرائيل. أي سوريا والعراق وإيران. وقد لخص التطورات في سوريا بقوله إن المساعي الدولية لإنهاء القتال أدت إلي تغيير في موقف الاستخبارات.. لقد جري الحديث إلي الآن عن حرب ليس لها أفق. ومن غير المتوقع أن يكون هناك حسم في المستقبل المنظور. ولكن بات الحديث يدور الآن عن تسوية. وفي ختامها "وعلي عكس التقديرات السابقة" تعود سوريا للقيام بدورها كدولة. ولكنه أضاف أن هذه الخطوة المتوقعة متعلقة بحدوث متغيرات كثيرة جداً.
الاستجابة الصحيحة
هذا التراجع العلني في التقديرات الإسرائيلية ينبئ عن كثير. من قبل كانت إسرائيل تراهن علناً علي أن سوريا لن تعود أبداً كما كانت. وأنه سيتم تقسيمها. وتباري "خبراء إسرائيليون" وتفننوا في رسم خرائط التقسيم علي أسس دينية وعرقية وطائفية. وهنا كان الدور الإسرائيلي واضحاً منذ البداية في النفخ في تصعيد الحرب الأهلية السورية. وفي استمرارها وإطالة أمدها لأبعد حد ممكن.
وقد استطاعت الاستعانة بوسائل المخابرات في إقامة علاقات مع فريق أو آخر من جماعات المعارضة السورية المسلحة. وقامت بتزويدها بالسلاج. واستقبلت جرحاها وبعض مبعوثيها. الذين لم يخفوا هذا. مثل كمال اللبواني. الذي زار مقر الكنيست. واجتمع بأحد الوزراء. وقيل إنه عرض خطة علي المسئولين الإسرائيليين لإقامة منطقة آمنة وخالية من تنظيمات المقاومة المسلحة في الجنوب السوري. لذلك لم يكن مفاجئاً أن يعلن موشيه يعالون. وزير الحرب الإسرائيلي أن المكان الوحيد الذي لا تستطيع المقاومة "ضد إسرائيل" تشكيل بنية تحتية لمهاجمة إسرائيل منه. هي الأماكن التي تسيطر عليها الجماعات "السورية المعارضة" المسلحة.
والخلاصة: إذا كان رد الفعل السوري لا يرقي إلي مستوي التحدي الاستفزازي الذي أعلنه نتنياهو. فإن رفع هذا الرد يستوجب الآن. الآن وليس غداً. أن تسارع القوي المعارضة المسلحة ذات العلاقة مع الكيان الصهيوني إلي قطعها فوراً. وإلا فلتنبذ القوي الأخري هذه المعارضة العميلة من صفوفها. وتعمل بإخلاص لإنهاء المعارك والوصول إلي حل شامل. كما يجب علي الحكم بدوره أن يمد حبل المرونة في التفاوض. بل وأن يتنازل في حدود ما هو مقبول شعبياً من أجل تحقيق هذا الحل الشامل.. أما جامعة العرب. إن كان لا يزال فيها رمق. فيجب عليها أن تعيد سوريا إلي مقعدها الشرعي. وأن تضغط علي أعضائها الذين يقدمون المساعدة للمعارضة السورية المقاتلة. وأن تلجأ وبسرعة إلي استصدار قرار من مجلس الأمن يدين احتلال الجولان والأقصي. والاستيطان.. واسلمي يا مصر.